شفافية الصحافة في خدمة المسؤول
سهل هو اتهام الصحافة بشتى الاتهامات، أنها مأجورة أو صفراء أو منحازة وصولا إلى ما اتهمها به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها صحافة ضد الشعب واتهمها أيضا بالكذب والخيانة وبالطبع كان يقصد صحفا أميركية بعينها.
لا شك أن مشكلة الصحافة تكمن في خطابها، إن كان موجعا ويلامس الوتر الحساس أو يمس شخصا أو مؤسسة أو مسؤولا حكوميا من اليد التي فيها الألم فيزيدها ألما.
ولهذا تصبح الصحافة مغضوبا عليها ما دامت سائرة على هذا النهج: خطابها الجريء والموضوعي، قدرتها على كشف الحقائق إلى الرأي العام بأمانة ومسؤولية، عدم التستر على هذا أو ذاك لأسباب مصلحية ونفعية، وختاما أن تتمثل قيمة وفحوى السلطة الرابعة بكل ما تعنيه.
تاريخ الصحافة مثلا لا يمكن أن ينسى روبرت وودوارد الذي تصدى لفضيحة ووتركيت التي أدت إلى إسقاط الرئيس نيكسون سنة 1974 كما لا يمكن التغاضي عن الحملات الصحافية القاسية التي لاحقت الرئيس بيل كلينتون بسبب فضيحة مونيكا كيت وفضيحة وايت ووتر والتي أدت إلى سحب الثقة عن الرئيس.
بإمكان الصحافة أن تتولى هذه المسؤولية الضخمة، ولكن من أين لها أن تمتلك القوة والبسالة في مواجهة المسؤولين من مختلف المستويات وبطشهم وإيذائهم وابتزازهم؟
أغلب الصحافة في العالم العربي وبصفة عامة لا تستطيع الاقتراب من الخطوط الحمراء المتعلقة بالسياسيين ممن هم في الحكم ويتمتعون بالسلطات أو هم جزء من السلطة ولهم تأثيرهم.
قبل مدة قليلة أثيرت قضية تتعلق بالتحرش الجنسي بالسفارة المغربية ببروكسيل ، وكانت تتعلق بأحد المنسقين لمؤسسة الحسن الثاني و الذي يعمل تحت إذن السفير محمد عامر ، نقلت الصحافة الخبر كما هو وكما وردها من الضحية مع المثبتات الجرمية أو الأدلة على التورط الجرمي للموظف الذي اتصل به صحافيي أخبارنا الجالية لمدة ساعة كاملة للتفسير عن القضية و لكن مركزه لا يسمح له بنشر كل ما دار بينه و بين صحافي أخبارنا الجالية .
ولأن المتهم ضمن سلالة السلطة الحاكمة، وما يتعرض له موظفي المسؤول يساوي التعرض للمسؤول نفسه، فقد كان على السلطات أن تثبت أن المعلمة لم تتعرض للتحرش الجنسي داخل مكاتب السفارة ، و لكن فضلت التقارير الزائفة التي تعودناها في القديم لتكميم أفواه منزينطق بالحق .
وبالفعل نشرت الصحف وتحت شعار الشفافية وثائق من مستشفيات معتمدة وأطباء معتمدين حقيقة القضية و تورط الموظف في التحرش الجنسي .
الصحافة نقلت ما وصلها من وثائق الكشوفات الطبية كاملة بكل أمانة وإخلاص.
لكن العجيب أن هذه السفارة ومن يقوم عليها لم تسأل نفسها سؤالا صارخا محددا وهو: يا ترى هل أن كل مواطن يتم الاعتداء عليه من موظفي السفارة ، تطوى قصته و تحاول تكميم افواه الصحافيين لكي لا ينشرون الخبر .
ولو افترضنا جدلا أن السفير نفسه أو الموظف نفسه تعرض للموقف نفسه فهل يتم الملف بهذه الطريقة ؟
بالطبع إن الجواب واضح، أن الشفافية و المحسوبية هي في خدمة المسؤول وذوي المسؤول، اما المعلمة الضحية فهي تعاني الويلين ببروكسيل ، بدون عمل و بدون مال ، تنتظر مصيرها و هي تحارب من أجل أخد حقها سلبه لها موظف بالسفارة المغربية التي من عملها الحفاظ و العمل على مصالح الجالية الا ان ما نراه العكس ، و حتى استغاثتها للسفير لم تجدي بشيء ، سعادته ليس له الوقت لحل مشاكل الجالية ، حتى و ان تعلقت بموظفين يعملون تحت أمره .
وبالتأكيد أن ذلك المسؤول يرعد ويزبد ويتعهد للعائلة والقبيلة أن من فعل تلك الفعلة سوف يدفع الثمن وأن (موظفنا ) البار سوف تبطل التهم الموجهة إليه.
الصحافة الساكتة والتي تتعامل بالشفافية بحسب الضرورة تخاف بشكل مؤكد أن تتهم بأنها صفراء وكيدية ومغرضة ومنحازة إن هي لاحقت قصصا حساسة من هذا النوع بل إن هنالك من الصحافيين من يخاف على نفسه وعلى مؤسسته الصحافية مما يمكن أن يلحق بها إن هم مضوا في الاستقصاء والتحري أو كشفوا الكيل بمكيالين: ما بين المسؤول وجميع أقاربه وبين المواطن العادي الذي لا بواكي له في محنته ولا أحد يسمع صرخته وآلامه، وهنالك من الصحافة والصحافيين من يكتفي بالفرجة لأنه مشغول بما هو أهم: صحة وسلامة أقارب المسؤول.