القضاء الجزائري يسرّع في محاكمة رموز نظام بوتفليقة

سرّع القضاء الجزائري وتيرة النظر في ملف المحاكمة التاريخية لرموز النظام السابق، بشكل يوحي إلى أن السلطة تريد التخلص من الملف في أقرب الآجال، قبل التفرغ لتمرير أجندتها السياسية، ولم يتطلب النطق بالحكم في حق المتهمين وقتا طويلا رغم خطورة التهم الموجهة إليهم ورغم الجدل المثار حول القضية.

 نطقت المحكمة العسكرية بالبليدة في الساعات الأولى من صباح الأربعاء بعقوبة 15 عاما سجنا نافذا في حق كل من سعيد بوتفليقة شقيق ومستشار خاص للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ومدير جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين، ومنسق مديريات جهاز الاستعلام الجنرال عثمان طرطاق، ورئيسة حزب العمال اليسار لويزة حنون، في حين حُكم غيابيا على وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، ونجله لطفي وفريد بن حمدين، بعشرين سنة سجنا نافذة.

ويلاحق المسؤولون السابقون بتهمتي التآمر ضد قيادة الجيش والمساس بمؤسسات الدولة التي رفعت ضدهم من طرف وزارة الدفاع الوطني، وتم توقيفهم مطلع شهر ماي الماضي في خضم ذروة الحراك الشعبي الذي هز أركان النظام، بعد دفع الرئيس بوتفليقة إلى التنحي بداية شهر أفريل وإلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الـ 18 من الشهر نفسه.

وطرح التوقيت القياسي في معالجة “محاكمة القرن”، التي لم تدم إلا ثلاثة أيام، نقاط استفهام عديدة بشأن خلفيات التسريع في إصدار الأحكام الابتدائية والرغبة في طي الملف، بشكل يوحي إلى أن السلطة تريد نفض أيديها منه، قبل التفرغ لتجسيد أجندتها السياسية والذهاب للانتخابات الرئاسية المقررة في الـ 12 دجنبر المقبل.

وجرت أطوار المحاكمة بعيدا عن عيون الرأي العام ومنعت وسائل الإعلام من حضورها، حيث طبقت السلطات المختصة إجراءات استثنائية في محيط المحكمة، وهو ما أثار انزعاج المتهمين وهيئات الدفاع عنهم، وقد اعتبره المحامي خالد برغل، أحد تجليات غياب المحاكمة العادلة.

ملف رموز نظام الرئيس السابق بوتفليقة يوظف عشية الانتخابات الرئاسية لعرقلة الحراك الشعبي

وعقب التصريح بالحكم قال رشيد خشان، محامي رئيسة حزب العمال اليسار لويزة حنون إن “المحاكمة تفتقد للظروف اللازمة وإن الحكم على موكلته بخمسة عشر عاما سجنا، هو قرار سياسي”.

وبدوره قال محامي رئيسة حزب العمال بوجعة غشير إن “موكلته شرحت بدقة للقاضي العسكري رؤيتها للأزمة السياسية في البلاد، وأنكرت أن تكون قد حضرت أو شاركت فيما عُرف بسعي محيط بوتفليقة، لتنحية قائد أركان الجيش قايد صالح، واقتراح قيادة مرحلة انتقالية على الرئيس السابق اليامين زروال”.

وتوقع المحامي والناشط الحقوقي طارق مراح أن تسلط عقوبة عشر سنوات سجن نافذة في حق كل من سعيد بوتفليقة ومحمد مدين وعثمان طرطاق وثماني سنوات للويزة حنون، في طور الاستئناف وهو المؤشر الذي بات قريبا من التأكيد، بعد صدور الأحكام الأولية في حق المتهمين في قضية التآمر.

إلى ذلك  قالت مصادر  لـ”اخبارنا الجالية ” إن المتهمين الماثلين أمام القاضي العسكري اعترفوا بما سمّوه “اتصالات ومساعي لاحتواء تداعيات الوضع السياسي الذي أفرزه الحراك الشعبي”. كما أبدى هؤلاء تفاعلا مع أسئلة القاضي عكس جلسة الاثنين التي سادها التشنج.

واعترف المدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل محمد مدين للقاضي بأنه اتصل بالرئيس السابق اليامين زروال، لبحث التطورات واقترح عليه مهمة قيادة مرحلة انتقالية، إلا أن الرجل امتنع بحجة ظروفه الصحية، بحسب المصادر ذاتها.

Thumbnail

وكان المنسق السابق لجهاز الاستعلامات الجنرال عثمان طرطاق قد امتنع عن الحضور إلى المحاكمة وقرر البقاء في زنزانته، وبرر قرار مقاطعة جلسة المثول أمام القاضي العسكري عن طريق محاميه خالد برغل، بعدم توفر ظروف المحاكمة العادلة وغياب الضمانات، وعدم الخوف من المواجهة.

وقال خالد برغل إن القضية لا تعدو إلا مجرد مسائل شخصية. مبينا أن هيئة الدفاع تعتبر أن الظرف والمناخ السياسي الذي تعيشه البلاد غير ملائم لإجراء هذه المحاكمة المغلقة.

وأفاد برغل بأن هيئة الدفاع المتكونة من حوالي 20 محاميا أصبحت على قناعة تامة أن الملف يوظف عشية الانتخابات الرئاسية، وأن الثورة الشعبية التي تعيشها البلاد بعيدة عن الحسابات الشخصية، ولا ينبغي أن توظف المحاكمة في الانتخابات أو تحاول عرقلة الحراك الذي يأمل الجزائريون من خلاله إيجاد حل جزائري خالص للأزمة.

وورد في اعترافات مدير جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين، تلاه محاميه حسن سرياك على الصحافيين، أنه عمل بمعية أعوانه وضباط الجهاز الذي كان يديره على التحقيق في ملفات الفساد المستشري في العقود الأخيرة بشكل مذهل .

وذكر مدين للقاضي أنه عاين تحالف السلطة السياسية مع لوبيات المال، وأعلمه أن الوضع أنتج مجموعات نافذة في البلاد حوّلت الرشوة والمحاباة والفساد إلى سلوك أساسي في معاملات مؤسسات الدولة، معتبرا أن التهم الموجهة له رفقة عدد من مسؤولي النظام السابق هي جزاء غير طبيعي لجهود كشفت مخططات تهدف إلى تدمير المجتمع والدولة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: