تكرار سياسات ما قبل الربيع العربي في صالح التيارات الدينية
الطروحات الدينية السطحية تكرّس صراعا مصطنعا بين الدين والعلمانية.
يعيد التكرار النمطي للسياسات السابقة التي ثارت عليها الجماهير، إنتاج البيئة الحاضنة لتمدد التيارات الدينية الطامحة للوصول إلى الحكم باعتبارها جماعات تستغل التهميش والسخط الاجتماعي. وفي لقائه مع “العرب” يحذّر باحث التاريخ محمود إسماعيل من وأد الحريات ورفض التعددية الفكرية وموت السياسة، باعتبارها من العناصر التي لا تخدم صالح الأنظمة العربية الحاكمة، لافتا إلى أن عدم استيعاب النخب الحاكمة لدروس التاريخ يدفع الدول العربية لهوّة السقوط في أيدي نظم دينية.
يمثّل الوعي بالتاريخ ضرورة حتمية، كي نُمسك خيوط الحاضر والمستقبل معا، ونتأمل ونتدبر ما حدث، ونسأل أنفسنا: كيف حدث، ولِم؟ ثُم نعيد رسم خطواتنا لتلافي التكرار. تلك فكرة يطرحها الباحث محمود إسماعيل، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس، عندما يحاول قراءة مستقبل الجماعات الدينية المتطرّفة في العالم العربي.
يرى محمود إسماعيل أن وجود التنظيمات الإرهابية في العالم العربي مستمرّ، ولن تنطفئ كما يتصور البعض. وهو يقول صراحة إن زمن جماعة الإخوان، وتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وغيرها لم ينقض، ويردد فكرته قائلا “لا تحسبوا أن هزيمة داعش تعني أفول زمن التنظيمات الإرهابية، فهي متحورة ومتجددة وقادرة على التمدد ما دام المناخ المحيط يتيح لها النمو والتجدد”.
وجاءت صيحة التحذير التي أطلقها إسماعيل بعد توقفه عن الكتابة لنحو ثلاث سنوات، بسبب ظروف مرضه العضوي، وضعف بصره، غير أن ذهنه المتقد يدفعه إلى الحديث بوعي وسلاسة وحماس تُناسب شابا في الثلاثين.
ويقول إنه يؤمن بضرورة قطع الطريق على الحركات الإرهابية من التمدد من خلال إطلاق الحريات وتوسيع نطاق المشاركة السياسية ومعالجة الخلل الاقتصادي والاجتماعي بالبلدان العربية التي شهدت ثورات تغيير.
محمود إسماعيل له أكثر من خمسين مؤلفا أبرزها: “هل انتهت أسطورة ابن خلدون” و”المهمشون في التاريخ الإسلامي” و”المهمشون في التاريخ الأوروبي” و”الحركات السرية في الإسلام”. إلى جانب “سوسيولوجيا الفكر الإسلامي” بجزأيه “طور الازدهار وطور الانهيار” و”الخلافة الإسلامية بين الإرجاف والإنصاف” و”الدولة الفاطمية دعوة وثورة”.
ويركز إسماعيل في مؤلفاته على الربط بين التاريخ والحاضر مثل كتب “الخطاب الأصولي المعاصر” و”الخلافة الإسلامية بين الفكر والتاريخ” و”جدل الأنا والآخر”.
أوضح إسماعيل ، أن المناخ العام في كثير من البلدان العربية ما زال مثاليّا لاستيعاب واحتضان متطرّفين جُدُد.
وقال إنه حتى بعد ثورات الربيع العربي مازالت الحريات في كثير من الدول التي شهدت ثورات منتقصة، والغريب أنّ هناك تكرارا للسياسات نفسها التي سبق وأدّت إلى غضب الجماهير، ثم ساهمت في استئثار التيارات الدينية بالساحة والوصول إلى الحكم في بعض البلدان.
وكرّر أنّ وأد الحريات ورفض التعددية الفكرية يسمحان بتمدد الجماعات السرية، وموت السياسة في غير صالح الأنظمة العربية الحاكمة، لافتا إلى أنّ عدم استيعاب النّخب الحاكمة لدروس التاريخ يدفع الدول العربية إلى هوّة السقوط في أيدي نظم دينية متطرفة. ورأى أنه لا يمكن استمرار الأوضاع الخانقة للناس، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لأن ذلك يعبّد الطريق أمام الجماعات الدينية، ويمكّنها من جذب أنصار جُدُد.