محاكمة القرن” في الجزائر تنطلق داخل أسوار مغلقة
وسط إجراءات أمنية مشددة في الجزائر، بدأت الاثنين المحكمة العسكرية بالبليدة في محاكمة أبرز أركان نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. ورافق هذه المحاكمة التي أطلق عليها الجزائريون صفة “محاكمة القرن” والتي تعد نتاجا للحراك الشعبي في البلاد، جدل حول العديد من النقاط لعل من أبرزها طلب هيئة الدفاع عن المتهمين أن تنقل المحاكمة من أنظار القضاء العسكري إلى القضاء المدني بتعلة أن موكليهم هم من المدنيين وليسوا كلهم من العسكريين.
توجهت الأنظار في الجزائر،الاثنين، صوب المحكمة العسكرية بالبليدة، التي انطلقت فيها محاكمة أبرز أركان نظام الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بتهمة التآمر على سلطة قائد تشكيلة عسكرية والتآمر لتغيير النظام، وهي المحاكمة التي تشكل جولة جديدة من المواجهة بين النظام السابق والسلطة الجديدة، وينتظر أن تكشف عن العديد من الألغاز التي أحاطت بهرم النظام منذ انطلاق الحراك الشعبي بالبلاد في شهر فبراير الماضي.
ووصفت المحاكمة التي انطلقت الاثنين، بالمحكمة العسكرية بالبليدة، وسط إجراءات أمنية مشددة وفي غياب وسائل الإعلام، بـ”محاكمة القرن”، قياسا بنوعية المتهمين في القضية، وهم أبرز أركان النظام السياسي للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وفي حضور رئيس المجلس الدستوري السابق طيب بلعيز، الذي استدعي كشاهد، في المحاكمة، تم إحضار كل من الشقيق الأصغر والمستشار الشخصي للرئيس السابق، سعيد بوتفليقة، ومدير جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق)، وخليفته الجنرال عثمان طرطاق (بشير)، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، فيما يتواجد وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار في حالة فرار، إلى جانب رفيقه فريد بن حمدين، المالك لشركة ناشطة في مجال الصيدلة والأدوية.
ونقل عن المحامي ميلود إبراهيمي، غياب الجنرال توفيق، عن المحاكمة بسبب أوضاعه الصحية المتدهورة، في حين تحدثت مصادر أخرى عن حضور الرجل على متن كرسي متحرك، بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به داخل السجن، حيث أصيب بكسر على مستوى الكتف لا يعرف سببه إلى حد الآن، إذ ذكر البعض أن الأمر يتعلق باعتداء جسدي خلال التحقيق، بينما أرجع آخرون الأمر إلى سقوط عادي.
وعكس ما كان يروج له في بعض الأوساط الموالية للسلطة الحالية، بنقل المحاكمة على المباشر في التلفزيون الحكومي، لإطلاع الرأي العام على أطوارها وحيثياتها، وهو ما لم يستبعده وزير الاتصال والناطق باسم الحكومة حسان رابحي، في تصريح لوسائل الإعلام، فإن محيط المحكمة يعرف إجراءات أمنية مشددة وتم منع الصحافيين من الاقتراب منه.
وذكر تقرير مقتضب للتلفزيون الحكومي، أن “المحكمة العسكرية بالبليدة تحتضن محاكمة شخصيات متهمة بالتآمر على سلطة قائد تشكيلة عسكرية، والتآمر لتغيير النظام، وهم سعيد بوتفليقة، محمد مدين، بشير طرطاق، والمسماة لويزة حنون، وذلك وسط حضور إعلامي كثيف”، واكتفى التقرير ببث صور قديمة لقدوم هؤلاء في شهر أبريل الماضي إلى المحكمة، للاستماع إليهم من طرف النائب العام العسكري.
وحسب مصدر حقوقي، فإن الحضور اقتصر على المحامين الذين وكَّلَهم المتهمون للدفاع عنهم، وبعض من أفراد العائلة، في حين شلت حركة الأشخاص والمركبات في محيط المحكمة، وهو ما ندد به بعض أفراد الدفاع ودعوا المحكمة إلى فتح المحاكمة على الرأي العام، وحتى بثها تلفزيونيا.
وتقضي بنود القضاء المدني والعسكري، في حالات التهم الموجهة إلى هؤلاء، بعقوبات قاسية تتراوح بين العشرين سنة سجنا نافذة والإعدام، وهو الحكم المجمد في الجزائر منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث يخضع أصحابه لسجن مفتوح، وعلى رأسهم الملازم السابق بومعرافي لمبارك، المتهم باغتيال رئيس الدولة السابق محمد بوضياف في يونيو 1992.
وتعتبر المحاكمة المثيرة للجدل أول إفراز لأحداث الحراك الشعبي الذي انطلق في الجزائر منذ شهر فبراير الماضي، حيث أفضى سقوط نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، إلى انهيار أركان نظامه، حيث يركن العديد من جنرالات الجيش، والوزراء ورؤساء الحكومات ورجال الأعمال ورؤساء أحزاب سياسية، في السجن منذ عدة أشهر.
وكان النائب البرلماني ووزير الأشغال العمومية السابق بوجمعة طلعي، آخر الملتحقين بسجن الحراش بالعاصمة، حيث أمر أمس، قاضي التحقيق في محكمة عبان رمضان، بإحالة الرجل على السجن المؤقت، بتهم تتصل بالفساد واستغلال النفوذ، وظل الرجل مبعدا عن الأضواء إلى غاية الاثنين، مما أثار شبهات توفير الحماية له من طرف الرجل القوي في السلطة والعسكر الجنرال أحمد قايد صالح.
وأجمع فريق الدفاع عن المتهمين، بنقل المحاكمة إلى محكمة مدنية، على اعتبار أن موكليهم أشخاص مدنيون، أو متقاعدون من الجيش، كسعيد بوتفليقة ولويزة حنون، ثم الجنرال محمد مدين المقال من منصبه في سبتمبر 2015، وحتى عثمان طرطاق تمت تنحيته هو الآخر قبل توجيه الاتهام إليه.
وكان نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح، قد تحدث في خطابات خلال الأشهر الأولى للحراك، عما أسماه بـ”مؤامرة” و”اجتماعات مشبوهة” يخطط فيها أركان النظام السابق للمساس بقيادة مؤسسة الجيش، والتآمر على مؤسسات الدولة، وتم حينها تداول العديد من الشخصيات الرسمية والسياسية، قبل أن ينحصر الأمر على المذكورين في لائحة الاتهام.
ويطرح بقوة في محيط المحاكمة اسم الرئيس السابق اليامين زروال، ليكون شاهدا حتى يميط اللثام عن العديد من التفاصيل، وذلك على خلفية اللقاء الذي جمعه حينها ببيته في العاصمة، مع مدير الاستخبارات السابق محمد مدين (توفيق)، لمناقشة تطورات الأوضاع في البلاد.