مبادرة جديدة لمناهضة الإسلاموفوبيا تنتصر للاعتدال
دفع تنامي التطرف الإسلامي وارتفاع أعداد المسلمين في أوروبا مع موجات الهجرات المتلاحقة إلى صعود يمين عنصري يزداد حضورا في أوروبا مع كل انتخابات معتمدا خطابات الكراهية ونبذ الآخر، وأصبحت هذه الجاليات تواجه في الكثير من الدول الغربية ظاهرة “الإسلاموفوبيا” أو الخوف من الإسلام في تلك المجتمعات. ونظرا لانتشار حالات العنف التي يتعرض لها المسلمون أطلقت منظمة التعاون الإسلامي مبادرة تهدف من خلالها لإقرار يوم عالمي لمناهضة الإسلاموفوبيا.
دعا اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الأربعاء، الحكومات الإسلامية، لدعم مبادرة إقرار يوم عالمي لمناهضة الإسلاموفوبيا، خلال مشاركتهم في الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي افتتحت مساء الثلاثاء.
جاء ذلك في كلمة لرئيس الاتحاد الحبيب المالكي، خلال اجتماع لسفراء الدول الإسلامية في الرباط، بدعوة من اتحاد مجالس التعاون الإسلامي، لبحث إقرار يوم عالمي لمناهضة الإسلاموفوبيا.
وقال المالكي الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى بالبرلمان)، إن هذه المبادرة “تأتي في سياق الدفاع عن الشعوب والبلدان الإسلامية، والجاليات والأقليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية“.
وتعني الإسلاموفوبيا، حرفيا، رهاب الإسلام، أي الخوف المرضي وغير المبرّر من الإسلام. وهو خوف قائم على مجموعة من الأفكار المسبقة التي تعتبر الإسلام قائما على العنف، وتربط المسلمين بالإرهاب.
فإثر هجمات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأميركية، روّج الكثير من المفكّرين الغربيين لفكرة “الخطر الإسلامي”. ودخلت الإسلاموفوبيا مرحلة جديدة من تاريخها. بعد ذلك بفترة قصيرة، دخل المُصطلح إلى المعاجم الفرنسية، وعُرّف بكونه “شكلا خاصّا من الحقد الموجّه ضد المسلمين”.
واستهدف هجوم دموي مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا في منتصف مارس 2019، ما أسفر عن مقتل 50 مصليا وإصابة مثلهم، في واقعة أثارت تنديدا دوليا وإسلاميا واسعا.
وتنامت ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية مع صعود اليمين الشعبوي بشكل كبير ليس فقط بسبب أزمة الرأسمالية وتراجع الوضع الاقتصادي للمجتمعات الغربية، ولكن أيضا كردة فعل على صعود تيارات إسلامية متشددة تكفر الغرب وتوظف الدين وأحداث التاريخ بما فيها الحروب الصليبية للتغطية على عملياتها.
وقال الحبيب المالكي ، متحدثا عن المبادرة “إنها تأتي استجابة لما يحمله الواقع المرير المتسم بالجهل سواء كان متعمدا أو بريئا في كل ما له علاقة بالدين الإسلامي، وهذا اليوم هو خطوة في طريق التعريف الأمثل بما يمثله الإسلام الحقيقي وهوية الدول الإسلامية ومن هو المسلم الملتزم مع هذا الخلط القائم والمرتكز على مواقف وخطابات بعض قيادات اليمين المتطرف والذي لا يساعد على تطور المجتمعات الإنسانية بشكل أفضل وطبيعي وسليم”.
ظاهرة الإسلاموفوبيا تهدد السلم في العالم والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتهددالأمن والسلام الدوليين
وتابع “تتمثل هذه المبادرة في العمل من داخل الأمم المتحدة، ووكالاتها المختصة وخاصة اليونسكو، من أجل اعتماد يوم عالمي سنوي لمناهضة الإسلاموفوبيا“.
وأعادت حادثةُ مسجد نيوزيلندا إلى الأذهان موضوع الإسلاموفوبيا، وكسرت في نفس الوقت الفكرة النمطية التي تربط الإرهاب بالإسلام، باعتبار الشخص الذي قام بهذا الهجوم الإرهابي، الذي راح ضحيته العشراتُ من الأبرياء، كان مسيحيا.
وتوجه المالكي إلى سفراء الدول الإسلامية المشاركة في اجتماع الرباط، لإبلاغ حكومات بلدانهم بالمبادرة، لـ”تعمل سريعا على تفعيلها على مستوى الأمم المتحدة، ووكالاتها المختصة، خصوصا اليونسكو، في أفق الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستنطلق الأسبوع المقبل”.
وفي هذا الإطار شدد سالم بن محمد المالك المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، على أن هذه الأخيرة ما فتئت تحذر من هذه الظاهرة، وتعمل على محاربة الصور النمطية عن المسلمين.
ودعت “إيسيسكو” في مارس الماضي الأمم المتحدة إلى إعلان 15 مارس، تاريخ الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا، يوما عالميا لمحاربة الإسلاموفوبيا.
ويذكر أن منظمة التعاون الإسلامي أعلنت في يونيو الماضي إطلاق موسوعة إسلامية عالمية للتسامح، بهدف مواجهة دعاوى الإسلاموفوبيا والتصدي للتطرف.
وتطالب المنظمة مرارا بصياغة صكوك قانونية ملزمة دوليا، للتصدي للظواهر الجديدة للإسلاموفوبيا في العالم، لاسيما بعد تكرار عمليات الاعتداء على المسلمين في معظم العواصم الأوروبية.
ولذلك أكد المالك على أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تهدد السلم في العالم، وتهدد العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتهدد الأمن والسلام الدوليين؛ وهو ما يستدعي تضافر وتكثيف جهود جميع المؤسسات المعنية لمواجهتها»، مضيفا “الذين يمارسون الإسلاموفوبيا هم جماعات كارهة للسلام ولحقوق الإنسان”.
ولفت الحبيب المالكي إلى أن تكريس يوم عالمي للإسلاموفوبيا “سيكون مناسبة دولية للدعوة إلى التسامح والتعايش والتعريف باعتدال الدين الإسلامي، ورفض الخطابات التي تلصق بالإسلام والمسلمين، والتي تتخذ من أيديولوجية الترهيب والتخويف من الإسلام عقيدة لها”.
ويذكر أن المالكي كان قد دعا في افتتاح الاجتماع الاستثنائي للجنة التنفيذية للاتحاد في 17 يوليو الماضي، إلى “إشراك المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ومنظمة اليونسكو، للتقدم باقتراح باسم المجموعة الإسلامية في الأمم المتحدة”.
وفي نفس السياق دعا الشيخ صباح خالد الحمد الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي في كلمته في الاجتماع، الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى معالجة مواطن القصور في التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا وإيصال رسالة الدين الإسلامي الحنيف وترسيخ قيمه النبيلة.
وظاهرة الإسلاموفوبيا بوصفها خطرا حضاريا على العالم، لا تعد مشغلا عربيا وإسلاميا فقط، بل إن أوساطا وجهات أوروبية كثيرة تقاسم العالم الإسلامي هذا التصور. وفي هذا الصدد قال الأكاديمي السويدي ماتياس غاردل إن العنصرية ضد المسلمين في بلاده باتت أمرا اعتياديا.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها غاردل، أستاذ تاريخ الأديان في جامعة أوبسالا، للتلفزيون السويدي الرسمي.
ولفت غاردل الذي يرأس مركزا بحثيا في الجامعة حول العنصرية، إلى أن الاعتداءات التي تتسم بطابع عنصري ضد المسلمين، شهدت زيادة كبيرة.
وأضاف “هناك هجمة عنصرية جديدة على المسلمين، نسمي هذا بالإسلاموفوبيا، وقد باتت أمرا اعتياديا بشكل يبعث على الدهشة”.
ولفت إلى أن دراسة قاموا بها أظهرت “تعرض 59 بالمئة من المساجد والمصليات في السويد لاعتداء بشكل أو بآخر خلال 2018”.
ولفت إلى أن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في انتشار الإسلاموفوبيا، وأوضح أن الجزء الأكبر من الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام في البلاد عن المسلمين تشوه صورتهم.