كهنة آمون وجدوا طريقهم بين المؤسسات الدينية للجالية

أصبح استغلال الدين بين مغاربة العالم  عادة مستمرة ومسترسلة ، واختلفت الجهات المستغلة للدين واختلفت أهدافها، فقد تجد مستغلي الدين أفرادا أو جماعات أو مؤسسات أو حكومات ، وتختلف أهداف كل جهة من هذه الجهات ، فقد تكون الأهداف اقتصادية أحيانا، و ربما تكون اجتماعية أو سياسية أو في أحيان أخرى ، فتجد أشخاصا يستغلون الدين في التجارة مثلا فيبيعون سلعهم باسم الدين ويستغلون العوام من الناس لقضاء حوائجهم كالزواج وجمع الأموال، فيجعلون الدين مخدرا يخدرون به هذه الجالية  المقهورة فترضخ للواقع بكل قناعة بحجة أن الدين يأمرها بالطاعة والخضوع ، وهكذا يصبح الدين عندها أداة قوية للسيطرة على المسلمين .

ولا يخفى على أحد ما وصل إليه بعض المنتسبين للدين الإسلامي ممن يحسبون على الدعاة وأهل العلم بين الجالية المغربية فتارة يسبون بعضهم بعضا ويبدعون من كانوا بالأمس لهم قدوة وتجدهم يكفرون ويفسقون ويبدعون وهم في الأصل ليسوا على شيء، وتجدهم يسرقون ويزنون ويتعاملون بالنفاق ظاهرهم الالتزام والعلم وباطنهم السم القاتل. واعتقد أن من أهم ما يساعد مستغلي الدين على خداع الناس واستغلالهم باسم الدين قلة ثقافة ومعرفة المجتمعات التي يعيشون فيها ، وغسيل الدماغ الذي يحدث لأفراد الجالية  بشكل منظم .

فتجد الفرد يتعرض لغسيل الدماغ وتكرار خرافات وأكاذيب مستغلي الدين عليه منذ نعومة أظافره إلى أن تصبح عنده من المسلمات التي لا يمكن نقضها أبدا من وجهة نظره، فيصل لمرحلة يكون فيها مرعوبا وخائفا جدا حتى من مجرد التفكير في عدم صحة هذه الأفكار أو مراجعتها.

كل متتبع لمسار الشأن الديني في بلجيكا  الان او عبر السنين الأخيرة ، سيكتشف ان فئة الشيوخ والائمة من المجلس الاوروبي للعلماء المغاربة  قد راكموا أمولا وعقارات، وإن كانت النماذج لا تعد او تحصى، فإننا في ملف ” أخبارنا الجالية ” سنحاول الاقتصار، على بعض المعلومات بهذا الخصوص ، فالمجلس الاوروبي للعلماء المغاربة قد أنشئ سنة 2008 بمقتضي ظهير شريف عين بمقتضاه السيد الطاهر التجكاني رئيسا للمجلس إضافة لسبعة عشر عضوا يعينون بصفة شخصية من طرف الملك. وبميزانية تقدر بأزيد من اربعة  ملايين يورو.

و رئيسه الطاهر التوجكاني  باعتباره المسؤول الأول عن هذا المجلس ، الذي يسيره العديد من الاشخاص ، اغلبهم اليوم يتوفرون على عقارات وأرصدة بنكية، منهم من لازال يباشر مهمته، ومنهم من اكتفى من وعظ الناس وارشادهم وتفرغ لمشاريع. بعض النماذج من، بعضهم أصبح من الاغنياء بوجه غير مكشوف، منهم من انشأ شركات لابناءه واستغل علاقاته مع المسؤولين، ليزداد ثراءا .

من مفارقات حوادث هذه السنة 2019 أنها لم تخلق فضولاً لدى الرأي الجالية المغربية ببلجيكا  لمعرفة مشكل منع الذبيحة الإسلامية و التعامل بالتخدير و بالصعقات الكهربائية ، بل وفي نفس الوقت تكريس اللغة المتخشبة المستخدمة لدى البعض ـ مسلمين وغربيين ـ بإسم تفادي الخلط المزعوم بين الحرام و الحلال  الذي تتبعه  غالبية المسلمين في العالم “المخلصين والمطبقين لتعاليم القرآن الصحيحة”، والأقلية المتطرفة المنحرفة عن الخط الصحيح للإسلام “التي خانت النص المقدس”، والمعتنقة للأطروحة البلجيكية بالتخدير قبل الذبح ، وهي اللغة أو الخطاب الذي يسعى جاهدا دعاة المجلس الاوروبي للعلماء المغاربة .

فالمجلس المذكور لم يأت بأي شيء يذكر منذ انشائه سنة 2008 من أجل حماية وصون الهوية الثقافية والدينية لمغاربة أوروبا في انسجام مع ظروفها المعيشية العادية، المهنية منها والاجتماعية..علما أن من بين مهام المجلس، السهر على حسن أداء الفرائض الدينية، والقيام بشعائر الإسلام في جو من الطمأنينة وفي إطار العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي، والمساهمة في أي حوار مفتوح بين كافة العقائد، وتنسيق أشغاله مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، وإحالة الطلبات الخاصة بالمسائل التي تعرض على الهيئة المكلفة بالإفتاء، وإقامة علاقات التعاون العلمي مع الدول الأوروبية والمؤسسات والمنظمات الإسلامية، وتقديم المساعدة للجالية المغربية المسلمة المقيمة في أوروبا، لاسيما الشباب منها لتمكينها من الفهم الصحيح للإسلام.

فلو تمت مساعدة الجالية المغربية المسلمة في أوروبا على الفهم الصحيح للإسلام، لما التحق كل يوم بعض الشباب بالجماعات الإرهابية المتطرفة، ولما وقعت تفجيرات في عدد من المدن الأوروبية. فلا وجود، لهؤلاء العلماء والعالمات في الميدان للتواصل مع المساجد المغربية الموجودة على الأراضي الأوروبية، أو البحث عن الأسباب التي تجعل هؤلاء الشباب يسقطون بسرعة في أحضان الجماعات المتطرفة.

فانتشار التشيع بين أفراد الجالية المغربية يعني فشل التأطير الديني للجالية، وعدم النهوض بالتربية الاجتماعية للنساء المغربيات المقيمات في الخارج.. مشيرا بهذا الخصوص إلى فشل المجلس في الإشراف على عمل المساجد التي يسيرها مغاربة مقيمون في الخارج، وندرة الأئمة ذوي التكوين الجيد، وإجادة لغة دول الإقامة.

ان المرحلة تملي التفكير إعداد فقهاء ومفكرين وأئمة ووعاظ من أبناء المغاربة بأوروبا أنفسهم، لأنهم أقدر على تفهم واقعهم وعلاج مشكلاتهم، ولا يعني ذلك الاستغناء عن علماء المغرب، خاصة الذين لهم باع طويل في التكوين والعلوم الشرعية. بل الحاجة ماسة الآن، وقبل أي وقت مضى، للتفكير بجدية في إنشاء جامعة وطنية لتخريج الأئمة والدعاة بإدماج جزء من أبناء الجالية حتى يكونوا في مستوى الخطاب الديني الذي يستجيب للحاجيات الروحية لمغاربة العالم، وأن لا يبقى التأطير الديني لمغاربة العالم مناسباتيا ومقتصرا على رمضان ومآدب الإفطار، بل بالعمل وفق استراتيجية واضحة، الآن وقبل أي وقت مضى.

إن هذا الخطاب التوفيقي أو هذا الخط التبريري مهما كانت نواياه الحسنة، يدعم التساؤلات المحرمة بدلاً من أن يضعفها. وأول هذه التساؤلات المحرمة هو: ” هل للمجلس دور، وهل يتحمل جزء من المسؤولية في الوضع الذي تعيشه الجالية المغربية  اليوم ـ كغياب بيانات تحرم او تحلل طريقة الذبح ، او غياب تام للشأن الديني بالمساجد او غياب برامج دينية ، الخ علماً بأن المغرب ليس دولة فقيرة اقتصادياً ولا تفتقد للتاريخ والتراث العريق .

اشتهى عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يَجِدْ فِي بيته مالا يشتري به ما اشتهاه, وفي طريقه نحو المسجد قدمت له ِأطْبَاق تُفَّاح , فتناول وَاحِدَة وشَمَّهَا ثُمَّ ردها إلى الطبق، فقال له مرافقوه: لماذا لم تأكل التفاح وقد كنت تشتهيه، أَلَمْ يَقبل رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَأبو بكر وَعمرالهدية؟ فَقال لهم : هي اليوم هدية ولكنهاَ غدا رشوة للولاة والعمال.

إنه حاكم من حكام المسلمين عرف مواقفه الكثيرة في الحكم والدين والمال، وهو نفسه من استضاء بشمعة من بيت المال كي ينصت للوالي الذي أتاه يحدثه عن حال الرعية وأمور البلاد والعباد،وما أن انتهى الوالي من كلامه وبدأ يسأل عمر عن أحواله وأحوال أهله، حتى سارع إلى إطفاء الشمعة قائلا: “كيف أخبرك عن حالي بضوء شمعة من مال المسلمين”.

وفي زمننا هذا انتظر الناس سنين طويلة قبل وصول الأحزاب ذات المرجعية الدينية إلى دفة الحكم مدعومة بجماعات دعوية ، وكان الناس يحلمون في مصر وليبيا وتونس وحتى المغرب بحكومات تنسيهم ما كانوا عليه.

ولعل ابرز ما انتظره المواطن من هذه الحكومات هو أن يشعر بالإنصاف والعدالة وأن ينال كل ذي حق حقه حين يلتجئ للقضاء، وان يتبارى المتبارون للمناصب العليا بشفافية ووضوح ، وأن يحارب الفساد بجرأة أكثر وبعين لا تغض طرفها عن الحق والحقيقة.

هو حب المال والسلطة إذن، يتملك كل الأحزاب والحركات والجماعات مهما كانت مرجعيتها، أما الدين فهو عبادة بالقلب وخلاص من الذنب.

فهل تقدر هذه الجماعات على الاجابة على سؤال لماذا لم تتعامل مع الأموال العمومية والثروة والاغتناء بما يتناسب مع مبادئ مرجعياتها الدينية؟ .

كل مهتم أو دارس لتاريخ الجماعات الاسلامية خصوصا بالمغرب، سيكتشف ان البدايات تكون بإسم الدين ونصرته، وبعد ان تتوصل بالهبات والعطايا والاموال وأخص بذكر منطقة الخليج وايران، لكن النهايات تكون دائما مخيبة للمريدين، حينما يكتشفون ان شيوخهم راكموا امولا وعقارات، ولعلى خلاف من هذا القبيل تسبب في انقسام جماعة اسلامية كانت تمويلاتها من دول الخليج، ومن مساهمة منتسبين اليها من تجار ورجال اعمال.

فلماذا لا تخاف هذه الجماعات من جمع المال ومراكمته؟ ألم يرو أن الصحابي الزبير بن العوام ، ترك بعد وفاته خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وأمة ، والصحابي طلحة بن عبد الله التيمي بنى أكثر من دار وكانت غلته من العراق تذر عليه كل يوم ألف دينار.

إنها أمثلة كثيرة، ولعلى أهم التجار المغاربة عبر التاريخ، كم ساهموا من أموال وعقارات للزوايا والاضرحة، واوقفو عدد من عقاراتهم في سبيل الدين الاسلامي، واليوم كذلك نفس الشيء كل الجماعات الاسلامية والزوايا والمدارس الدينية تتلقى الدعم المادي، إنها ثروة ضخمة وجدت طريقها الى ارصدة الشيوخ، في حين ان لا أحد يخدم الدين الاسلامي بل اصبح وسيلة لمراكمة الاموال، وبعضه التجأ الى التشدد والكفر واصبح يهدد منتسبيه والناس عامة .

فاليوم لدينا عدة مؤسسات تراقب وتحاسب ومفتشيات لها كافة الصلاحيات لمراقبة المال العام، وحتى هناك قانون ينظم الهبات والهدايا للاحزاب والجماعات، ولم نسمع يوما او نرى تقريرا او تفتيشا او حتى احصاء لاملاك تلك الجماعات واموالها. إن الوضع الراهن الذي يمر منه الامن الروحي للمغاربة والى كافة المسلمين، يقتضي التصدي ومحاربة تجار الدين وفضحهم فالدين لله والوطن للجميع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: