الجزائر: هل الانتخابات الرئاسية الاستعجالية أولوية حقا
هناك قضايا مستعجلة كثيرة ينبغي التعامل معها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية مثل رفع الحظر عن المجتمع المدني، وضمان حرية التعبير، وإزالة القيود التي تكبل وسائل الإعلام.
هل يمكن أن يصدّق الشعب الجزائري وعود محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي أكد فيها أن عهد تزوير الانتخابات الرئاسية في الجزائر انقضى؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا كرَر في تصريحاته أنه من حق فلول عصابة عبدالعزيز بوتفليقة الترشح للانتخابات الرئاسية؟ في مثل هذا المناخ يلاحظ المرء بروز مصطلح الانتخابات الرئاسية الاستعجالية إلى سطح المشهد السياسي الجزائري، علما أن الرؤساء السابقين الذين فرّختهم الانتخابات الشكلية لم ينهضوا بالبلاد، بل كرّسوا التصحر السياسي، والتدهور الاقتصادي والفوضى الاجتماعية، فضلا عن نشرهم لأمراض العشائرية والقبلية والشللية، وممارسات الزعامات الفردية في المشهد السياسي الجزائري.
في هذا السياق يلاحظ أن الأزمة ما تزال تنذر بانفجارات خطيرة أخرى قد تعصف بالبلاد في المدى المنظور. وفي الواقع فإن هذه الحالة الجزائرية الملغمة مرشَّحة أن تشهد تطوّرات سلبية خاصة بعد اتخاذ السلطات قرارا استعجاليا وانفراديا، خارج أطر الحوار والتشاور، لتنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر القادم. في هذا الخصوص يرى المراقبون السياسيون أن الأولى في الواقع هو خلق الانفراج النفسي والسياسي الذي يساعد على تشجيع الحوار بين السلطات الحاكمة وبين مختلف مكوّنات الشعب الجزائري، للوصول إلى قواسم مشتركة على أساسها توفر الفرصة للانتقال بسلاسة إلى مرحلة إيجاد وتفعيل الحلول الجدية لمختلف القضايا الكبرى التي كشف عنها الحراك الشعبي منذ 22 فبراير الماضي.
لا شك أن تنقية الدستور من الشوائب تمثّل أولوية حقيقية، حيث تضمن هذه التنقية خلق الظروف لتأسيس الثقة في ظل مناخ سياسي خال من الكبت والترهيب
إن إعطاء الأسبقية للانتخابات الرئاسية قبل تصفية فلول العصابة، وقبل حلّ المشكلات المعقدة يدلّ أن السلطات الجزائرية لم تتعلّم من التجارب التي عانى منها الشعب الجزائري، والتي نجمت عن السياسات التي قامت على ارتجال صنع الرؤساء حسب مقاس الحكّام الفعليين على مستوى الهرم الأعلى للدولة الجزائرية، وأدّت إلى ويلات دفع الشعب الجزائري ثمنها غاليا.
وفي مقدمة هذه الظواهر السلبية الانقلابات وأهوالها، وتفاقم الاستحواذ الجهوي على مفاصل السلطة الذي لعب دورا محوريا في تفتيت الروح الوطنية وفشل التنمية الوطنية وتبديد الثروة، وتجربة العشرية الدموية التي خلخلت بنيان المجتمع الجزائري وحطمت كبرياءه، وأنتجت نظام العبث والفساد الذي قاده الرئيس السابق بوتفليقة على مدى أربع عهدات رئاسية.
تؤكد جميع القرائن أنّ الانتخابات الرئاسية الاستعجالية لن تحلّ أزمة الجزائر، بل إنها قد تصعد التوتر وقد تفتح الباب واسعا للإضرابات العامة وربما للعصيان المدني الشامل، الأمر الذي قد يعجّل بصدامات ليست في مصلحة الوطن إطلاقا. ومن الواضح أن الجو الراهن يظهر أنَ القضية ليست قضية انتخاب رئيس استعجالي للدولة، وإنما تتجسد في ضرورة المضيّ قُدما على طريق الإعداد لندوة وطنية جامعة تمهد للانتخابات الرئاسية تكون فضاء للتحاور العقلاني بين ممثّلي مختلف شرائح المجتمع المدني وأحزاب المعارضة من جهة، وبين قيادات السلطات الحاكمة من جهة أخرى، من أجل التوصّل معا إلى التوافق حول أسس مشتركة للحلّ السياسي الذي يرضي الجميع.
الحالة الجزائرية الملغمة مرشَّحة أن تشهد تطوّرات سلبية خاصة بعد اتخاذ السلطات قرارا استعجاليا وانفراديا، خارج أطر الحوار والتشاور، لتنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر القادم
ولا شك أن نجاح مثل هذا المسعى مرهون بإنجاز مجموعة من المهام الأساسية منها تعديل الدستور الجزائري الراهن الذي لا يمثّل طموحات الشعب الجزائري، ولا يشكّل قاعدة صلبة لنظام تعدّدي ديمقراطي يتم بموجبه الفصل بين السلطات، ويكون فيه البرلمان فضاء حرّا لممثّلي الشعب الجزائري. علما أنّ طبيعة البرلمان الحالي غير ديمقراطية إنه مفصّل تعسفيا على مقاس بوتفليقة وعصابته، ويتميّز بكونه وضع كل الصلاحيات في سلّته وحوله إلى مصدر كل السلطات والقوانين.
وفي الحقيقة هناك قضايا مستعجلة كثيرة أخرى لا تقلّ أهمية ينبغي التعامل معها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية مثل رفع الحظر عن المجتمع المدني، وضمان حرية التعبير، وإطلاق المعتقلين والمسجونين الذين لم يتورّطوا في ارتكاب الجرائم في حق الوطن والشعب الجزائري، وإزالة القيود التي تكبّل وسائل الإعلام، وعدم الخلط بين فلول عصابة النظام الذين كرّسوا الفساد في البلاد وبين الناشطين الوطنيين المُخلصين في الحراك الشعبي والذين يمارسون منذ 22 فبراير التظاهر السلمي، ويدعون إلى تغيير النظام وتصفية مؤسسات الدولة من رموز العصابة وأتباعهم، وفتح المجال للشخصيات الوطنية النزيهة لكي تنشط وتعبّر عن نفسها في إطار النقاش الفكري والسياسي في المجال العام، ولكي تساهم في إبداء رأيها تجاه الأزمة التي تمرّ بها الجزائر راهنا.
لا شك أن تنقية الدستور من الشوائب تمثّل أولوية حقيقية، حيث تضمن هذه التنقية خلق الظروف لتأسيس الثقة في ظل مناخ سياسي خال من الكبت والترهيب، كما أنه من المطلوب القيام بمراجعة شجاعة لكل البنود التي تعطي الصلاحية للشلة الحاكمة أن تُقصي أبناء الجالية الجزائرية المقيمين في الخارج وتبطل حقهم في المواطنة، وفي المقدمة ذلك القانون التمييزي الذي بموجبه قام بمنع المغتربين الجزائريين من الترشح في الانتخابات.