الجيش الجزائري يقيّد حركة المتظاهرين
تتجه السلطة الجزائرية إلى فرض المزيد من الإجراءات التحفظية لضمان عدم التشويش على الانتخابات الرئاسية المعلن عنها مؤخرا، مما يعزز حملة التضييق المفتوحة على المعارضين والناشطين السياسيين، وإجهاض المسيرات الشعبية الاحتجاجية في العاصمة، في منحى يصنع صورة جديدة توحي بأن معارضي الاستحقاق ليسوا إلا مجرد دوائر ضيقة، في حين تتفاعل معهم غالبية الشعب الجزائري.
وكشف قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح، عن إجراءات تحفظية جديدة ستدخل حيّز التنفيذ، تستهدف الحد من حركة الأشخاص والمركبات من شتى محافظات ومدن الجمهورية نحو العاصمة، في خطوة لإبطال حملات التعبئة التي تنظم المسيرات الاحتجاجية أسبوعيا في العاصمة، والحد من دخول الأشخاص إليها، لاستغلالهم في إظهار الرفض الشعبي لمخططات السلطة وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية.
وقال قايد صالح خلال تفقد قوات عسكرية في تمنراست، الأربعاء، “لاحظنا ميدانيا أن هناك أطرافا من أذناب العصابة ذات النوايا السيئة تعمل على جعل من حرية التنقل ذريعة لتبرير سلوكها الخطير والمتمثل في خلق كل عوامل التشويش على راحة المواطنين، من خلال الزج الأسبوعي بعدد من المواطنين يتم جلبهم من مختلف ولايات الوطن إلى العاصمة”.
وأشار إلى أن الهدف من ذلك هو “تضخيم الأعداد البشرية في الساحات العامة التي ترفع شعارات مغرضة وغير بريئة”، معتبرا أن “الغرض الحقيقي” هو “تغليط الرأي العام الوطني بهذه الأساليب المخادعة لتجعل من نفسها أبواقا ناطقة كذبا وبهتانا باسم الشعب الجزائري”. وأضاف “عليه، أسديت تعليمات إلى الدرك الوطني، بغرض التصدي الصارم لهذه التصرفات، من خلال التطبيق الحرفي للقوانين السارية المفعول بما في ذلك توقيف العربات والحافلات المستعملة لهذه الأغراض وحجزها وفرض غرامات مالية على أصحابها”.
وتأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة إجراءات تحفّظية من طرف السلطة، لضمان عدم التشويش على الاستحقاق الرئاسي المقرر في الـ12 ديسمبر المقبل، حيث جرى توقيف وسجن العشرات من المعارضين والناشطين، الذين وجهت لهم تهم تتصل بالمساس بمؤسسة الجيش وتهديد وحدة وسلامة التراب الوطني، والتآمر على مؤسسات الدولة، ولا يستبعد أن تطال الحملة رؤوس الحراك الشعبي، لتفكيك خطابه الاحتجاجي ونقل الخوف إلى صفوفه.
وتعود مزاعم التململ من مظاهرات العاصمة التي تتجه السلطة إلى إعادة الاستقرار إليها، إلى التصريح المثير الذي أدلت به نائبة برلمانية عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم ابتسام حملاوي، التي انتقدت منذ أشهر المسيرات الشعبية.
وتطبق السلطات الأمنية تدابير صارمة تستهدف الحد من دخول الأشخاص إلى العاصمة خلال أيام الجمعة، حيث تشهد مختلف التخوم والمداخل حواجز أمنية مكثفة، وحضورا قويا لمركبات الشرطة ولعناصرها، لاسيما في الشوارع والساحات الكبرى في العاصمة التي يتجمع فيها المتظاهرون المناوئون للسلطة.
وفي المقابل تفادى الجنرال قايد صالح، الحديث عما يوصف بـ”إجراءات التهدئة” التي تطالب بها المعارضة السياسية والحراك الشعبي، وأظهرت مفردات خطابه ارتياحا عن المسار المتبع لتنظيم الانتخابات الرئاسية، وصب اتهاماته على “العصابة وأذنابها”، في إشارة إلى فلول نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وأوجز ما وصفه بـ”خيوط المؤامرة”، بالقول “أدركنا منذ بداية الأزمة أن هناك مؤامرة تحاك في الخفاء ضد الجزائر وشعبها، وكشفنا عن خيوطها وحيثياتها في الوقت المناسب، ووضعنا استراتيجية محكمة تم تنفيذها على مراحل، وفقا لما يخوله لنا الدستور وقوانين الجمهورية، إذ واجهنا هذه المؤامرة الخطيرة التي كانت تهدف إلى تدمير بلادنا، فقررت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي من موقع مسؤوليتها التاريخية مواجهة العصابة وإفشال مخططاتها الدنيئة”.
وأشاد المتحدث بأداء مؤسسات الدولة والمؤسسات الانتقالية، وقيم عمل رئاسة الدولة ولجنة الحوار والوساطة وسلطة تنظيم ومراقبة الانتخابات، بالحصيلة الثرية، في إشارة إلى ما أسماه بـ”انعقاد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الدولة عبدالقادر بن صالح، الذي درس نصي القانونين المتضمنين إحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتعديل القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي قبل عرضهما على البرلمان بغرفتيه والمصادقة عليهما بالإجماع، وإحالتهما بعد ذلك على المجلس الدستوري، وإصدارهما من قبل رئيس الدولة، ونشرهما في الجريدة الرسمية، فضلا عن استدعائه للهيئة الناخبة”.
وتأتي تطمينات الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية، بالموازاة مع حملة رفض قوية لخيار الانتخابات الرئاسية، حيث أعلن عدد من رؤساء البلديات في منطقة القبائل عن مقاطعتهم للعملية الانتخابية، كما أعلنت تنظيمات محلية في العاصمة وبجاية وتيزي وزو والبليدة، عن رفضها انتخاب ممثليها في سلطة تنظيم ومراقبة الانتخابات.