هل تتجه الجزائر نحو أسوأ السيناريوهات؟
تعيش الجزائر هذه الأيام حالة استقطاب سياسي حاد، يمكن أن يؤدي إلى ما يحمد عقباه في الآجال القريبة، إذا استمرت الاتجاهات الثقيلة الفاعلة نفسها، بعد إعلان قائد الأركان عن إجراء الانتخابات الرئيسية في القريب العاجل، أحب من أحب وكره من كره. مهددا كل من تسول له نفسه بالكلام عن مرحلة انتقال سياسي بالويل والثبور وعظائم الأمور.
استقطاب سياسي مرشح للتصعيد مباشرة، بعد الإعلان عن استدعاء الهيئة الناخبة، الذي كان مقررا أن يكون في 15 من الشهر الجاري، في وقت ما زال الكثير من الجزائريين والقوى السياسية المنظمة، غير مقتنعة تماما بالذهاب إلى انتخابات رئاسية ما زالت شروطها السياسية والتنظيمية غير متوفرة، حسب هذا الموقف الشعبي الذي يعبر عنه بقوة الحراك الشعبي في مسيراته الشعبية كل أسبوع منذ سبعة أشهر تقريبا. تماما كما حصل في الجمعة الأخيرة، التي تميزت بقوة تجنيد كبيرة جدا، شبيهة بما كان حاصل في شهري مارس وإبريل الماضيين، عبر خلالها الجزائريون في مختلف مناطق البلاد، وليس في منطقة القبائل فقط، عن تضامنهم مع المناضل السياسي كريم طابو، الذي تم اعتقاله بتهمة المس بمعنويات الجيش. اعتقال حصل في وقت كان الشارع السياسي ينتظر فيه إطلاق سراح الشباب، الذين تم إلقاء القبض عليهم أثناء المسيرات السابقة.
يوم الجمعة نفسه – يوم عطلة – الذي عرف مصادقة مجلس الأمة على قانون الانتخابات المعدل الجديد، وإنشاء الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي يفترض فيها أن تكون بديلا عن الإدارة في الاشراف على الانتخابات. هيئة تمت الاستعانة في تشكليها ببعض الوجوه المعروفة بمعارضتها لنظام الرئيس المخلوع، على غرار محمد شرفي وزير العدل الأسبق، الذي عين رئيسا لها. هيئة كانت قد طالبت المعارضة بها منذ 2014 على الأقل، كما طالب بها الحراك الشعبي، اتقاء لشرور التزوير الإداري المستشري، ليبقى موضوع استقلاليتها على المحك داخل نظام سياسي كان رافضا دائما لأي استقلالية، كما ظهر جليا بمناسبة تشكيل وعمل هيئة الحوار قبلها.
الدعوة لانتخابات في وقت يتم فيه غلق فعلي للفضاء الإعلامي، لكل الأصوات التي لا تسير في اتجاه ما تطالب به القيادة العسكرية الجزائرية
تسارع في الأحداث كان أكثر حضورا من قبل السلطات الرسمية، التي لم تبذل جهدا كبيرا في احترام «الشكليات» البسيطة، وهي تسارع في اتجاه الانتخابات الرئاسية التي تتعامل معها كقضية مصيرية، ترفض أن تفشل فيها للمرة الثالثة، بعد أن فشلت في تنظيم انتخابين رئاسيين قبل. الأولى عندما خرج المواطنون إلى الشارع في 22 في فبراير/شباط لرفض العهدة الخامسة للرئيس المخلوع (19 إبريل). والثانية بحجة عدم توفر مرشحين لهذه الانتخابات الغربية ـ 4 يوليو فهل ستفشل السلطة في تنظيم الانتخابات هذه المرة كذلك، بحجة عدم وجود مقترعين بعد المقاطعة الشعبية لها. وضع خطير يؤهل الجزائر إلى دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية، في مجال الفشل في تنظيم الانتخابات الرئاسية في وقت قصيرا جدا.
تحصل هذه الدعوة لانتخابات من قبل القيادة العسكرية، في وقت يتم فيه غلق فعلي للفضاء الإعلامي، لكل الأصوات التي لا تسير في اتجاه ما تطالب به القيادة العسكرية، في الذهاب إلى انتخابات في أقرب الآجال. منع طال كذلك النشاطات اليومية للأحزاب، التي لا تسير في الاتجاه نفسه، كما حصل مع أحزاب البديل الديمقراطي التي منعت من تنظيم لقائها في مكان عام الأسبوع الماضي. لم يقتصر المنع على المجال الإعلامي أو السياسي فقط، بل تعداه إلى القيام بحملة اعتقالات مست وجوها سياسية معروفة، كما حصل مع كريم طابو، في وقت كان المواطنون ينتظرون تطمينات وعلامات انفراج من قبل السلطة، تسهيلا لإجراء العملية الانتخابية، كما وعدت بذلك قبيل الانطلاق، في ما سمي بالحوار السياسي الذي دعت إليه. مفارقة سياسية جعلت بعض التحليلات – تبدو غريبة لحد الآن- تذهب في اتجاه القول إن السلطة الحاكمة فعليا، وعكس ما هو ظاهر ومعلن، لا تريد فعلا الذهاب إلى انتخابات رئاسية عن قريب، بل تريد التصعيد. والوصول إلى حالة يكون فيها فشل تنظيم الانتخابات مبررا ومقبولا من الداخل والخارج. في وقت ينتظر أن يزداد فيه الاهتمام الدولي والإقليمي بما يحصل في الجزائر، بعد بروز علامات عدم التوافق السياسي، والكثير من علامات الاستقطاب التي يمكن أن تأخذ منحى خطيرا في الأسابيع القريبة المقبلة، إذا استمرت الاتجاهات الثقيلة نفسها.
استشراف يعتمد على معطيات موضوعية تقول، إن الوضع السياسي الحالي غير مؤهل تماما لإنجاز عملية انتخابية هادئة، حتى بالمقاييس المتواضعة جدا. ستعيد الجزائر إن تم الإصرار على اجرائها فعلا، إلى حالة بعض الدول الافريقية المضطربة، وليس إلى حالة تونس القريبة، باعتبار أن القاصي والداني يعرف أن تنظيم حملة انتخابية شبه عادية في الحالة الجزائرية هذه الأيام يبدو مستحيلا، وبعيدا جدا عن الواقع في هذا الجو السياسي المشحون، وأن تنظيم الاقتراع في حد ذاته الذي تعودت الجزائر على إنجازه في يوم واحد في بلد شبه قارة. عملية غير ميسرة في هذه الأجواء المشحونة سياسيا، بما يميزها من تجنيد شعبي، سيكون اكثر حضور في المناطق التي عرفت بموقفها المتحفظ والرافض للعملية الانتخابية في العهد السياسي السابق، كما هو حال منطقة القبائل، والمدن الكبرى والمتوسطة وحتى المهجر. مناطق تكون الثقل الديموغرافي للجزائر، سيلتحق بها بدون شك الشباب الذين عبروا على الدوام عن رفضهم للعملية الانتخابية، بالشكل الذي كانت تتم به سابقا. هم الذين نجدهم داخل الحراك على رأس الرافضين لإجرائها بشروطها التي تقترحها السلطة. علما بأن غياب المواطنين- المقترعين، يمكن أن يعوضه بسهولة حضور المترشحين، حتى لو كانوا من الصف الثاني من القيادات السياسية في هذه المحطة الانتخابية. يمكن كذلك أن نتصور أن قيادات الصف الأول من الشخصيات الوطنية البارزة، لن تغامر بدخول عملية انتخابية غير مضمونة العواقب، خاصة بالنسبة لتلك الوجوه التي انتظرت طويلا هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة في مسارها السياسي، وانطلاقة جديدة في التاريخ السياسي للجزائر ستكون في أشد الحاجة لكل أبنائها العقلاء.