ألبانيا نقطة عبور جديدة للاجئين
يحاول هدايا صلاح ورفاقه العودة إلى الوراء، نحو اليونان، بعدما أغشت أبصارهم الأضواء الأمامية لسيارات الشرطة الألبانية ذات الدفع الرباعي. أخفقت محاولتهم للعبور، ولكن هدايا يؤكد “سأحاول مجددا”.
ويعدّ هدايا ونحو عشرة شبان مصريين يرافقونه من بين المهاجرين الذين يحاولون الانطلاق من اليونان نحو ألبانيا ومونتينيغرو بغية الوصول إلى “أي مكان في الغرب”.
وتتزايد أعداد هؤلاء إلى درجة أنّ الوكالة الأوروبية المكلفة بمراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي “فرونتكس”، أرسلت المزيد من الموظفين والآليات لمساعدة ألبانيا التي تتطلع إلى فتح باب مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وبعد إغلاق “طريق البلقان” الشمالية في بداية 2016 وتعزيز جمهورية شمال مقدونيا وصربيا وكرواتيا مراقبتها للحدود، تحوّلت ألبانيا، البلد الفقير في جنوب شرق أوروبا، إلى نقطة عبور للمهاجرين. فمنها يتجهون نحو مونتينيغرو، وفي بعض الأحيان نحو البوسنة والهرسك، في مسعاهم للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وتقع ألبانيا على الطريق من اليونان إلى البوسنة. وهي واحدة من أفقر الدول في أوروبا، حيث أن حوالي 20 ألف ألباني يقدمون سنويا طلبات لجوء في إحدى الدول الأوروبية.
ومنذ نشوء طريق البلقان البديل، تهاجم الشرطة الألبانية المهاجرين بشكل كبير. ففي حين كان عدد حالات اعتداء الشرطة على المهاجرين في عام 2017 نحو 750 حالة، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، وصل عدد هذه الحالات إلى 3400 في عام 2018.
2310 مهاجرين تم اعتراضهم في ألبانيا في 2019 بينما تم اعتراض 206 في 2017 و882 في 2018
والتقى صلاح، ذو الـ20 عاما والباحث عن “حياة أفضل وعن الأمان”، برفقائه في هذه المغامرة في تركيا أو في جزيرة ليسبوس اليونانية حيث أدخلوا إلى مخيّم موريا الكثير الازدحام.
ويغطي أحمد، الشاب المصري البالغ من العمر 18 عاما، وجهه بيديه لعدم تصويره، ويقول كانت الحياة “بلا كرامة، ما عشناه في بلادنا كان أسوأ من الجحيم”. وبعدما حاولوا العمل في الزراعة في جزيرة كريت اليونانية، استأنفوا طريقهم مجددا.
وبعد 15 كلم قطعوها ليلا في الجبال، توقفوا في بونكاريه في ألبانيا، ثم في مركز الشرطة في كابتيشكا حيث سيشرعون في تقديم طلبات لجوء. ليس بهدف البقاء في ألبانيا، وإنّما لكسب الوقت قبل التوجّه مجددا شمالا.
وتشرح نائبة مدير الشرطة الألبانية عايدة هاجناج أنّ “طرق البلقان نشطت من جديد” منذ عدة أشهر. وتقول “يبدو جليا” في ألبانيا أنّ “ثمة تصاعدا مقارنة بالسنوات الأخيرة بسبب إغلاق طريق البلقان الشمالية التي كانت تمرّ بجمهورية شمال مقدونيا فصربيا والمجر”.
وتواجه ألبانيا صعوبات في التعامل مع هذه الأعداد المتدفقة خاصة أنّها تتشارك واليونان في حدود بطول 350 كلم تتصف بطبيعتها الجبلية ومن الصعب السيطرة عليها.
ويشهد حكمت خوجة (55 عاما) المقيم في قرية ترسنيك الألبانية المجاورة للحدود حيث بات يكثر في الغالب النشاط الليلي بشكل مفاجئ، بأنّ “أعداد المهاجرين ارتفع بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة”.
وفي أحد الصباحات، أوقفت الشرطة نحو عشرين امرأة وطفلا بعدما أمضوا الليل حول النار بحثا عن الدفء. ويقول حكمت “في بعض الأحيان نجد خمسين شخصا، وفي أحيان أخرى لا أحد”.
وبحسب الأرقام الرسمية للفترة الممتدة بين نهاية مايو الماضي وبداية سبتمبر الجاري، جرى اعتراض 2,310 مهاجرين في الأراضي الألبانية، في زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. لم يكونوا سوى 206 في العام 2017 و882 في العام 2018.
بعد إغلاق “طريق البلقان” الشمالية في بداية 2016 وتعزيز جمهورية شمال مقدونيا وصربيا وكرواتيا مراقبتها للحدود، تحوّلت ألبانيا إلى نقطة عبور للمهاجرين
ويقول الألماني دومينيك ماتيسكه، أحد أفراد “فرونتكس” المكتوب على سترته بالأحرف الكبيرة “بوليزي” (شرطة بالألمانية) ويجوب مع رفاقه في محيط كابشتيكا، “إننا نساعد زملاءنا الألبان بالمعدات التقنية أولا”، وخصوصا استخدام الكاميرات الحرارية، “كما نساعدهم بالدوريات”.
أما زميله التشيكي بافل دوليزال، فيشير من خلف شاشته إلى سمات تظهر بالأبيض والأسود لمجموعة من المهاجرين التقطتهم الكاميرات.
ويقول “إذا اكتشفنا مهاجرين، نبلغ زملاءنا الألبان الذين يستدعون دورية”، حيث ينتظر الجميع حضور دورية ألبانية، حتى في حال وجود دورية من “فرونتكس” مكوّنة من نمساويين وتشيكيين وألمان.
وتلفت عايدة إلى أنّ “التعاون بين فرونتكس والشرطة الألبانية سمح بتطوير كيفية التعامل مع الهجرة غير القانونية وبتعزيز أمن الحدود”.
تلخّص أسماء العراقية ذات الـ16 عاما المشهد بعد مرور صدمة ظهور الشرطة واعتراض طريقهم. قبل الصعود إلى السيارة الرباعية الدفع التي ستنقلها وعائلتها إلى مركز الشرطة، تؤكد أنّ ذلك لن يجعلهم يتخلون عن هدفهم “بعد ألبانيا، سنذهب إلى مونتينيغرو ثم البوسنة قبل الوصول إلى ألمانيا”.
ويسعى العديد من المهاجرين، البالغ عددهم حوالي 70 ألف شخص في اليونان ومنطقة غرب البلقان، إلى التوجه إلى الشمال للوصول إلى دول غرب أوروبا، لكن تواجههم سلسلة من العقبات. فمقدونيا والمجر وضعتا شبكة أسلاك شائكة على حدودهما الجنوبية منذ عدة سنوات، كما أن بلغاريا معروفة بقمعها للمهاجرين. ورغم الانتقادات الشديدة من منظمات حقوق الإنسان والمفوضية الأوروبية، إلا أن هذه الأسباب أدت إلى نشوء طريق بديل لـ”طريق البلقان”.