السيسي يرد على اتهامات بالفساد طالته
ارتكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى خطاب مباشر في رده على اتهامات بالفساد وإهدار المال العام طالت شخصه ومن ورائه المؤسسة العسكرية في البلاد مستغلا ظهوره السبت خلال مؤتمر الشباب، قائلا إنه تجاوز توصيات أجهزة الدولة بتجاهل المواد المصورة التي أحدثت ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية.
رد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مباشرة، على غير المتوقع، على اتهامات بالفساد طالته وكانت مضمون مقاطع فيديو أثارت جدلا كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مدار أسبوعين. وحسم رد السيسي تكهنات حول سبب استدعاء المؤتمر الوطني للشباب السبت، على نحو مفاجئ، إذ اعتبر البعض أن الهدف منه تبريد السخونة السياسية ومواجهة الحملة التي استهدفت المؤسسة العسكرية.
وكان مقاول وفنان مصري أربعيني يدعى محمد علي قد بث فيديوهات انتقد فيها مؤسسة الجيش واتهم قياداتها بـ”الاستيلاء على أموال الشعب”. وظهر علي عبر مواقع التواصل بمقاطع فيديو متتالية حصدت مشاهدات كبيرة، حيث قال إنه يتكلم من منطلق عمله سابقا مع القوات المسلحة في عدة مشاريع منها تشييد قصور رئاسية. وسعت قنوات معارضة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين إلى توظيف هذه الفيديوهات خدمة لسياساتها، مستغلة عدم ورود أي رد أو موقف رسمي تجاهها.
واستبعدت القراءات السياسية والأمنية ورود رد رسمي على الفيديوهات فيما أوصت أجهزة الدولة بتجاهلها. لكن السيسي قدم رده الخاص على ما تم تداوله قائلا إنه منذ توليه الرئاسة تجنب الاعتماد على حزب أو جهة بعينها مقابل فتح مساحات حوارية مباشرة مع الشارع، عبر آلية تتيح له مناقشة كافة القضايا كما في “منتدى الشباب”.
وسعى السيسي إلى إحداث التأثير الإيجابي برده المباشر على الفيديوهات، فنفى البعض من المعطيات الواردة فيها وأثبت وقائع أخرى تضمنتها هذه المواد المصورة. ومثل رد السيسي اعترافا رسميا بالتأثير الذي أحدثته المقاطع المصورة المنتشرة في وجدان العامة، ما أثار قلق الرئيس المصري على “مصداقيته”.
وقال الرئيس المصري إنه لم يستجب إلى توصيات كافة أجهزة الدولة بتجاهل المقاطع التي انتقدته وتضمنت اتهامات له بالفساد. وتأكيدا على مبدأ المصداقية التي قال السيسي إنه يعتبرها “مركز الثقة بين الرئيس وشعبه”، شدد على أنه لم يرد أن يترك الشعب في حيرة، قائلا “ابنكم شريف وأمين ومخلص”.
ونفى السيسي، خلال مؤتمر الشباب الذي يناقش تأثير نشر الأكاذيب والشائعات الإلكترونية على الدولة، واقعة تأجيل دفن والدته لحين انتهاء مراسم حفل قناة السويس الجديدة. وذكر في المقابل واقعتين حول “رفضه تناول الغداء على نفقة الدولة” وأخرى متعلقة بـ”متحف خاص أسسه يضم كافة الهدايا كمقتنيات رئاسية”.
وأبدى السيسي صرامة عند التطرق إلى ملف “القصور الرئاسية” وهي المادة الأساسية التي انطلقت منها مقاطع الفيديو المثيرة للجدل، وقال بحزم “بنيت قصورا وسوف أبني قصورا أخرى، نحن نصنع مصر جديدة، وهذا ما يليق بمصر”.
وتابع “أم أنكم تريدون ألا يظل في مصر قصور سوى قصور محمد علي”، وهو ما اعتبره الحضور “إفصاحا يتضمن تورية بلاغية” بين اسم المعارض محمد علي صاحب الفيديوهات التي أحدثت ضجة، واسم البطل التاريخي محمد علي باشا الذي شيد قصورا عدة في مصر.
وناقش مؤتمر الشباب كيفية التعامل مع الشكوك التي تواجهها مؤسسات الدولة وإحداث تأثير معتمد على وجبة مكثفة من “الخوف”.
وكان الخوف الرسالة الأبرز في المؤتمر والمادة التي يسعى إلى توظيفها لمواجهة التشكيك و”حروب الأكاذيب”، باستدعاء الإرهاب وما يمثله من خطر وتهديد لأركان الدولة، أو الوسائل التكنولوجية الحديثة القادرة على تزييف الوعي الجمعي، وبث حالات من الخوف لدى المواطن في أجهزة الدولة، تحجيما للإنجازات ومحاربة لها.
وسبق أن أثبت إبراز سيناريوهات “الخوف والقلق” و”المخاطر” قدرته في التأثير على المواطنين على مدار الأعوام الماضية، على اعتباره الضمانة الرئيسية للاستقرار.
وبدت النسخة الأخيرة من المؤتمر مختلفة مقارنة بالنسخ الماضية، بالنظر إلى مداخلة السيسي.
السيسي يسعى إلى إحداث التأثير الإيجابي برده المباشر على الفيديوهات فنفى البعض من المعطيات الواردة فيها وأثبت وقائع أخرى تضمنتها المواد المصورة
وانتقل مؤتمر الشباب، الذي دشن في العام 2016، كتقليد رسخه الرئيس السيسي للحوار مع الشباب إلى خانة جديدة تجعله “الحراك الأبرز” في المشهد السياسي الراكد إذ يعد منصة لسماع تعليقات الرئيس.
ويختلف تلقي الجمهور لتلك المؤتمرات، فعلى خلاف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ممن يفككونها ويتناولونها بكثير من النقد، ثمة قاعدة عريضة أخرى تتلقى هذه المؤتمرات بصورة مغايرة، في ظل حرص السيسي على صياغة أفكاره على نحو بسيط وأسلوب شعبي بعيدا عن أحاديث النخبة.
ويطرح هذا الأمر تساؤلات حول إمكانية اكتفاء الساحة المصرية والشارع المصري بأسلوب السيسي وطريقته في التفاعل مع القضايا المثيرة للجدل.
وسبق المؤتمر تكهنات حول إمكانية إطلاق الرئيس المصري مبادرة سياسية من شأنها إحداث حراك أكبر ودفع عجلة السياسة الراكدة، إذ تقف مصر على عتبة استحقاقات انتخابية عدة.
وألمح رئيس تحرير مجلس إدارة مؤسسة “أخبار اليوم” ياسر رزق، أحد أقرب الإعلاميين لدوائر الحكم، إلى تغيّرات سياسية الفترة المقبلة. وأشار، في مقال نشرته جريدة “الأخبار” غداة الإعلان المفاجئ عن عقد مؤتمر الشباب، إلى وجود “معلومات” في هذا الشأن.
وقال رزق “إنني أكاد أرى في الأفق شيئا ما كبيرا، لعله مبادرة تكتمل أو برنامج يتبلور أو رؤية تختمر، يقدمها القائد لشعبه تدفع بالإصلاح السياسي خطوات واسعة إلى لأمام، مواكبة لإنجازات كبرى على طريق مسارات الإصلاح الأخرى، يجري افتتاحها مع حلول منتصف العام الجديد”.
وكان رزق من أوائل من تحدثوا في السابق عن التعديلات الدستورية في مصر، والتي تحولت سريعا إلى واقع.
وقد تأتي المبادرة المتوقعة على هيئة دعوة للأحزاب أو توجيهات للبرلمان بإنجاز مشروع للإصلاح السياسي في مصر، يمهد لإجراء استحقاقات انتخابية منتظرة، أو عبر إطلاق مشروع لتدريب شبان على القيادة أو منح شباب “البرنامج الرئاسي” الموجود بالفعل والمسؤول عن تنظيم المؤتمرات الشبابية مزيدا من الصلاحيات، ويسعى النظام بذلك إلى تحقيق انتصار ضد معارضيه بفتح أفق جديد يلقى صدى داخليا وخارجيا.
وأكد عادل عامر، النائب البرلماني عن حزب مستقبل وطن، أن “المؤتمرات تفتح جسرا مباشرا للتواصل بين الرئيس والشباب، وبينه وبين رجل الشارع الذي يتابعها عبر التلفزيون، ومع ذلك تحتاج إلى صيغة تنفيذية أكثر نجاعة لمتابعة ما يصدر من توصيات والتأكد من تنفيذها، ما يعمق ثقة المواطنين في فاعليتها”.
ودعم عامر، في تصريح له ، توقعات الحراك السياسي المقبل بقوله “البرلمان سيولي في النصف الأول من دور الانعقاد الأخير جل اهتمامه بإصلاح الحياة السياسية عبر تشريعات، تمهيدا لإجراء الاستحقاقات الانتخابية وفي المقدمة مجلس الشيوخ (الشورى سابقا) ومجلس النواب ثم المحليات، لكن الحراك المنتظر لا زال غير مرئي حول التكتلات السياسية والتحالفات”.
واستبعد عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إحداث طفرة سياسية قريبة يتمخض عنها المؤتمر الوطني للشباب الحالي.
وقال ، “الواقع السياسي لا يحمل مؤشرات حقيقية على تغيرات مرتقبة، والتطورات السياسية والاقتصادية يجب أن تسير جنبا إلى جنب، وليس هناك طائل من وراء افتتاح مشاريع ودعوة مستثمرين في ظل أفق سياسي منغلق”.
وقلل ربيع من فاعلية المؤتمرات الشبابية في إيصال هدفها والتأثير في المواطن.
وقال “غالبية الشباب من غير المشاركين في تلك المؤتمرات يعانون بالفعل من الأوضاع الاقتصادية والبطالة وانسداد الأفق، ما يعمق الفجوة بين الخطاب الشفوي والواقع، ويصيب الثقة”.