مخاوف من توسع دائرة الاعتقالات السياسية في الجزائر
رجّح مراقبون توسع دائرة الاعتقالات السياسية في الجزائر، في إطار مخطط يستهدف إفراغ الحراك الشعبي من رؤوسه المدبّرة، بغية ضمان المرور المرن للاستحقاق الرئاسي المرتقب قبل نهاية العام الجاري، إلا أن ردود الفعل التي ميزت الجمعة الثلاثين سارت عكس تكهنات السلطة.
وينتظر أن يمثل، الأحد، أكثر من عشرة ناشطين من الحراك الشعبي، أمام قضاء العاصمة بعد توقيفهم في احتجاجات الجمعة الثلاثين، لينظموا بذلك إلى عشرات الموقوفين، الذين يراد تحييدهم عن المشهد قبل موعد الانتخابات الرئاسية، بهدف إفراغ الاحتجاجات السياسية من زخمها الشعبي ومن رموزها الفاعلة.
ورغم أن القضاء المحلي قرر تبرئة بعض الشبان الذين أوقفوا على خلفية رفع رايات الهوية الأمازيغية، إلا أن العشرات منهم لا زالوا يقبعون في السجون لاسيما في العاصمة، وتم إلحاق أعداد أخرى بهم، وعلى رأسهم الناشط السياسي البارز ومنسق حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو.
وتحول الرجل إلى زعيم سياسي قياسا بموجة التعاطف الكبيرة التي حظي بها من طرف المسيرات الشعبية المنتظمة بالعاصمة ومختلف مدن ومحافظات البلاد، في الجمعة الثلاثين من عمر الحراك الشعبي، حيث تصدرت صوره والشعارات المتضامنة معه المظاهرات الأخيرة.
وتتصاعد في الجزائر مخاوف من توسيع دائرة الاعتقالات السياسية في حق الناشطين والمعارضين، حيث يجري الحديث عن مخطط يستهدف توقيف العديد منهم، وتم تسريب لوائح بأسماء بارزة في المشهد الجزائري، مما يثير قلقا على مستقبل الوضع في البلاد.
ونددت القوى السياسية والحقوقية المنضوية تحت لواء البديل الديمقراطي، باعتقال كريم طابو، وطالبت بالإطلاق الفوري لسراحه، كما شدد بيان صادر عن التكتل على “استمرار النضال من أجل تحقيق أفكار التكتل وعلى رأسها تحقيق المسار التأسيسي لضمان التغيير الشامل في البلاد”.
واعتبر البيان توقيف منسق الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، “عقابا على مواقف سياسية، تدخل في ضمن الحقوق الأساسية للمواطنين الجزائريين، وهي خطوة تنمّ عن مخاطر حقيقية تهدد مسار الحقوق والحريات في البلاد”.
ودعت قوى البديل الديمقراطي، إلى “اليقظة والحذر من الانزلاقات التي تدفع إليها السلطة”، وشددت على “استمرار النضال السلمي وعدم التفاعل مع حملة الاستفزازات التي تستهدف جر البلاد إلى العنف والفوضى”.
ويعتبر كريم طابو، ثالث شخصية سياسية تتواجد في السجن، بعد كل من زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، وضابط جيش التحرير العقيد لخضر بورقعة، إلى جانب عشرات الشبان الموقوفين على خلفية رفع راية الهوية الأمازيغية.
وفيما كانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، سباقة إلى التنديد بالتوقيفات التي وصفتها بـ”غير القانونية”، ودعت إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين، فإن موقف لجنة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، تجاه سجن الناشط كريم طابو، يعتبر تحولا لافتا وأول اهتمام دولي علني بمجريات الأحداث في الجزائر.
ونددت اللجنة بما وصفته بـ”القرار التعسفي للسلطات الجزائرية تجاه الناشط السياسي كريم طابو”، واعتبرته “خرقا للحريات والمبادئ الأساسية للممارسة الديمقراطية”.
ودعت إلى إطلاق سراحه فورا، وإلى ضرورة الاستماع لأصوات ملايين الجزائريين واحترام رغبتهم في التغيير وحقهم في إرساء نظام ديمقراطي حقيقي، لاسيما وأن الاحتجاجات السياسية تتسم بالطابع السلمي والهادئ، منذ انطلاق الأحداث في فبراير الماضي.
وأفضى الحضور الرمزي لأفراد عائلة كريم طابو، للمسيرة الاحتجاجية الجمعة، إلى زخم استثنائي ترجمته عودة قوية للحراك الشعبي إلى الميدان.
ووصف المحامي والناشط الحقوقي المقرب من السلطة فاروق قسنطيني، الذي أعلن عن بداية محاكمة الرباعي (سعيد بوتفليقة، الجنرالين توفيق وطرطاق، ولويزة حنون)، الموقوفين بسجن البليدة في الـ23 سبتمبر، توقيف كريم طابو، بـ”المبالغ فيه”.
أما الحقوقي بوجمعة غشير، فقد علق على سجن منسق الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، بالقول: “في الوقت الذي كان الجزائريون ينتظرون الإفراج عن كل سجناء الحراك والرأي والسياسيين، زاد النظام القائم في قائمة السجناء شخصا آخر وهو كريم طابو”. وأكد على أن القرار “يشكل عرقلة كبيرة للمسار الديمقراطي الذي يناضل الجزائريون لتحقيقه، وحتى بالنسبة لمسار السلطة التي تريد إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن”.
وأضاف: “الآن هناك أمر واقع والسلطة الحالية قررت السير في خطتها، لكن كان من المفروض عليها أن تتبنى بعض الأمور لطمأنة المواطنين والطبقة السياسية والمجتمع المدني حتى لا تكون الانتخابات مطعونا في شرعيتها”. ولفت إلى أن “كريم طابو مارس مهامه كرجل سياسي ولم يخالف أي قانون أو يقم بعمل إجرامي، وبالتالي فإن قرار حبسه غير مبرر ونطالب بإطلاق سراحه فورا”.
وتظاهر جزائريون الجمعة للأسبوع الثلاثين على التوالي، في تحرك طغى عليه رفع شعار رفض إجراء انتخابات رئاسية متسرّعة، في وقت صادق البرلمان على قانونين من شأنهما فتح الطريق أمام تنظيم الاستحقاق قبل نهاية العام.
وبرغم معارضة المحتجين الذين يرون في الانتخابات الرئاسية وسيلة لـ”النظام” للبقاء في السلطة عن طريق التزوير، فإنّ الجيش الذي تسلمّ زمام الأمور بحكم الأمر الواقع يبدو مصراً على دفع هذا المسار قدماً.
وقدّم وزير العدل بلقاسم زغماتي الأربعاء مشروعين لقانونين، وتمت المصادقة عليهما في غرفتي البرلمان في غضون يومين فقط. وصادق مجلس الشعب على النصين الخميس وسط تغيّب أحزاب معارضة، فيما صادق مجلس الأمة عليهما صباح الجمعة. ويتعلق المشروع الأول بإنشاء سلطة “مستقلة” مكلّفة بتنظيم الانتخابات على أن تحوّل إليها “كل صلاحيات السلطات العمومية، أي الإدارية، في المجال الانتخابي”. أما المشروع الثاني، فيتعلق بتعديل القانون الانتخابي ضماناً لـ”الشفافية والنزاهة والحيادية”.