فوضى الحملات الانتخابية تقلق الرئيس التونسي المؤقت
حرك القلق الذي عبّر عنه الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر إزاء الإخلالات التي رافقت الحملات الانتخابية للاستحقاق الرئاسي المُبكر، المشهد الانتخابي العام في البلاد الذي دخل مربع الحسم في علاقة بعملية الفرز بين المُرشحين الـ26 الذين يتنافسون للوصول إلى كرسي قصر قرطاج الرئاسي.
وأثار ذلك القلق جملة من التساؤلات والتخوفات المشروعة، لاسيما وأنه جاء في توقيت حساس، ووسط مناخ بالغ التعقيد، وضمن مشهد سياسي تتنازعه جملة من التحديات المفتوحة على مواجهات مُتعددة العناوين جعلت الغموض يُحيط بكافة أركان هذا الاستحقاق الانتخابي في دورته الأولى.
ولا يبدو أن هذا الغموض الذي يلف تفاصيل المشهد الانتخابي قبل نحو 48 ساعة من فتح صناديق الاقتراع، سيتبدد قريبا بالنظر إلى تباين اهتمامات الناخب التونسي، وتضارب أولوياته في هذه المرحلة، وتعدد زوايا نظرته للمُرشحين بسبب غياب الأحزاب القوية القادرة على تعبئة الرأي العام، لصالح مرشحيها في مثل هذه المحطات الهامة.
ويأخذ ذلك الغموض بعدا آخر، بإعراب الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر عن قلقه إزاء ما وصفه بـ”جملة الإخلالات المُسجلة خلال الحملات الانتخابية لهذا الاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه، وهو قلق يجد صدى له لدى الكثير من الفاعلين السياسيين، والمسؤولين الحزبيين الذين ذهب البعض منهم إلى حد دق ناقوس الخطر”.
وأعرب محمد الناصر عن هذا القلق لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون، خلال اجتماع عُقد مساء الأربعاء بقصر قرطاج الرئاسي لبحث آخر الاستعدادات للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة وسير الحملات الانتخابية.
وقال بفون إن “رئيس الدولة عبر عن انشغاله وقلقه إزاء جملة الإخلالات المسجلة، ودعا هيئة الانتخابات إلى مزيد العمل على فرض احترام قواعد الحملة الانتخابية وضمان تكافؤ الفرص أمام كل المُرشحين، وتطبيق ما ينص عليه القانون في هذا المجال”.
كما شدد أيضا على “أهمية تنقية المناخ الانتخابي وتوفير كل شروط نجاح العملية الانتخابية، لضمان مشاركة مكثفة للتونسيين وترسيخ ركائز التجربة الديمقراطية الفتية في البلاد”، وذلك بحسب ما ورد في بيان الرئاسة التونسية.
ويبدو من خلال هذا البيان، أن هذا القلق مشروع، خاصة وأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تُقر بأنها سجلت العديد من الإخلالات والمخالفات خلال الحملات الانتخابية لهذا الاستحقاق الانتخابي، ولكنها تُقلل من تأثيرها على السير العام للانتخابات.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا القلق وما سبقه من تحذيرات مثيرة في تفاصيلها، يُعد موقفا سياسيا، لا يمكن تجاهله، لاسيما وأن استمرار تلك الإخلالات وسط غموض المشهد الراهن يفتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة لا تنتهي من الانتقادات التي من شأنها تعكير صفو المناخ الانتخابي بشكل عام.
وقال منجي الحرباوي، القيادي في حركة نداء تونس لـ”العرب”، إن كل المؤشرات تدل على أن لدى الرئيس التونسي ما يكفي من الدوافع للشعور بالقلق إزاء ما أحاط وتخلل الحملات الانتخابية خلال الأيام القليلة الماضية.
واعتبر أن الحملات الانتخابية عرفت خلال الأيام الماضية الكثير من التجاوزات والإخلالات الواضحة للعيان، منها تدفق الأموال واستغلال وسائل الدولة وتوظيف الإدارة لصالح هذا المُرشح دون سواه، الأمر الذي ضرب مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المُرشحين.
وحذر الحرباوي من خطورة مثل هذه التجاوزات، ودعا في المقابل إلى ضرورة العمل على التصدي لها خلال الدور الثاني من هذا الاستحقاق الانتخابي، للحفاظ على شفافية العملية الانتخابية.
وفي خضم هذا الجدل تُجمع القراءات المرافقة لتطورات الدورة الأولى من الانتخابات على أنها لن تأتي بالكثير من المفاجآت التي يمكن أن تقلب التوقعات وتبدل موازين الرأي العام، خاصة وأن الحملات الانتخابية أظهرت حساباتها نوعا من التباين الحاد بين رهانات المُرشحين وحقيقة التوجه العام للناخب.
ورسمت تلك الحسابات التي تتعدل وتتغير وفقا لمعادلات مُرتبطة بالخيارات المُتاحة التي اختلطت فيها التمنيات بالوعود، وكذلك أيضا بالأوهام، خطوطا عريضة عكست المتاهة السياسية التي أظهرتها التطورات المتلاحقة في سياق ما أنتجته تجاذبات تلك الحملات الانتخابية التي شارفت على نهاياتها.
ولم يتبق أمام المُرشحين سوى 48 ساعة لاستمالة الناخب، باعتبار أن الصمت الانتخابي سيكون السبت، على أن تُفتح صناديق الاقتراع الأحد داخل التراب التونسي، علما وأن أول مكتب اقتراع سيُفتح أمام الناخبين مساء الخميس، وهو يوجد خارج تونس، وبالتحديد في مدينة سيدني بأستراليا.