وفاة غامضة لجنرال جزائري تشير إلى وضع غير مستقر داخل الجيش
عثر على الجنرال جمال عمرون، رئيس وحدة الألبسة العسكرية التابعة لمديرية العتاد العسكري، جثة هامدة تسبح في بركة من الدماء بمكتبه الخاص بالعاصمة، صباح الأربعاء.
وفيما باشرت السلطات المختصة فتح تحقيق لكشف ملابسات الوفاة، تبقى الفرضيات متضاربة بين الانتحار والقتل، ولو أن مصادر مقربة نفت أن يكون قد بدر منه أي سلوك مضطرب أو حالة نفسية لافتة خلال الأيام الأخيرة.
وجاءت الوفاة المثيرة لأحد كبار الضباط بالمؤسسة العسكرية الجزائرية، بالتوازي مع الوضع المضطرب الذي تعرفه المؤسسة منذ أزيد من عام، بسبب الضغوط المهنية والاجتماعية الداخلية، وعدم الاستقرار الذهني والنفسي لدى قطاع عريض من منتسبيها.
وتصاعدت حالات الانتحار لدى أفراد المؤسسات الرسمية، لاسيما الأمن والجيش خلال السنوات الأخيرة نتيجة الضغوط المتصاعدة والمشاكل المهنية والاجتماعية، لاسيما مع حملات التطهير المفتوحة من طرف السلطات القيادية، وفق معايير الولاء وتصفية الحسابات.
وتحدثت مصادر متابعة عن حالة عدم استقرار لدى منتسبي المؤسسة، خاصة الضباط الكبار، نتيجة تفاقم الضغوط وغموض المصير المهني للعديد منهم، لاسيما مع دفع المئات من ذوي الرتب العالية ومن صنف الضباط، إلى التقاعد في سن مبكرة، أو الإحالة إلى التحقيق والمحاكمات القضائية.
ولفتت إلى تواجد العشرات من الضباط في السجون العسكرية، بتهم تتمحور حول الفساد والتربح غير الشرعي واستعمال الوظيفة، وعلى رأسهم خمسة من كبار الجنرالات اضطر اثنان منهم إلى الفرار خارج البلاد، كما هو الشأن بالنسبة إلى سعيد باي وعبدالرزاق شريف.
وظهرت في المسيرات الشعبية الاحتجاجية المناهضة للسلطة بمدينة الأغواط (500 كلم جنوبي العاصمة)، والدة الجنرال خالد تاج، المتواجد في السجن العسكري منذ أكثر من عام ودون محاكمة.
وطالبت والدة الجنرال بإجراء محاكمة قريبة وعادلة لابنها، الذي برأته من أي تهمة، وشددت على أنه راح ضحية رفضه التصديق على فواتير ضخمة، بعدما رفض تخليصها لممونين نافذين.
وتعود أول جريمة قتل في صفوف كبار مسؤولي مؤسستي الأمن والجيش، إلى العام 2010، حين تم اغتيال مدير الأمن الوطني آنذاك الجنرال علي تونسي، على يد أحد الضباط المقربين منه (شعيب ولطاش)، بسبب خلافات بين الرجلين حول صفقات تموين لفائدة الشرطة، بينما ألمحت مصادر أخرى إلى وجود فرضية تصفية حسابات سياسية وراء الاغتيال.
وبات الاشتباه في وجود علاقة مع لوبي النظام السياسي السابق، حجة كافية لدفع صاحبها إلى التقاعد القسري أو الإحالة على التحقيق والقضاء، حيث فتحت قيادة الجيش الجديدة برئاسة الجنرال أحمد قايد صالح، عملية تصفية واسعة لكل الضباط المحسوبين على نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ويتضمن قانون الخدمة العسكرية في الجزائر، بندا يضع سن الـ62 حدا أقصى للعمل في المؤسسة العسكرية والتحويل الآلي للتقاعد، لكن في المقابل أبعد ضباط برتب عالية في سن الأربعين والخمسين للتقاعد في ظروف غامضة، في حين يبقى رعيل آخر من الجنرالات الكبار يتعدون سن السبعين وحتى الثمانين، في صورة الجنرال بن علي بن علي (84 عاما)، والجنرال قايد صالح (80 عاما).
وكانت قضية شحنة الكوكايين الضخمة التي حجزت في مايو من العام 2018 بمدينة وهران، منعرجا حاسما في تركيبة المؤسسة العسكرية، حيث تمت الإطاحة بالعشرات من الجنرالات والمئات من الضباط من ذوي الرتب العالية، فضلا عن حركة مماثلة أطاحت بالرجل القوي آنذاك في الأمن الجنرال المسجون عبدالغني هامل.
وتتجه القيادة الحالية إلى إعادة ترتيب أوراق داخلية تطيح كليا بالجيل الذي تدرج في صفوف المؤسسة خلال العشريتين الأخيرتين لنظام بوتفليقة، والدفع بجيل جديد لقيادة مديريات ووحدات المؤسسة، وهو الأمر الذي ولّد حالة من عدم الاستقرار الداخلي تجسدت في احتجاجات وانتحارات أو وفاة غامضة.
ومنذ الإطاحة بالرجل القوي في دائرة محاربة الإرهاب الجنرال عبدالقادر آيت أوعرابي (حسان) في 2012، وبداية سقوط نفوذ جهاز الاستخبارات السابق، بدأت شوكة الجنرالات تتهاوى منذ العام 2018، حيث يتواجد عدد منهم في السجن العسكري بالبليدة، على رأسهم الجنرال محمد مدين (توفيق)، المتهم بالتآمر على أمن واستقرار الجيش والبلد.
ويرى متابعون للشأن العسكري أن فتح الجنرال قايد صالح، لخصومات متعددة مع رفاق الأمس سيثير اضطرابات داخلية في المؤسسة، وهو ما ألمح إليه وزير الدفاع السابق المطلوب للقضاء العسكري الجنرال خالد نزار، حين دعا من منفاه بإسبانيا، من وصفهم بـ”الأصدقاء” إلى التحرك لوقف هيمنة قايد صالح على الجيش.
ولا يستبعد مراقبون أن تتحول العداوات بين رموز المؤسسة كالجنرال طرطاق، توفيق، نزار، سعيد باي والآخرين، إلى مصدر حلف جديد بينهم للإطاحة بوجه من أطاح بهم، وأن حالات الانتحار أو الوفاة الغامضة، هي نتاج صعوبة مقاومة الوضع الجديد لدى أصحابها، وهيمنة الخوف على كوادر المؤسسة.