انتخابات الرئاسة الجزائرية تدخل في عنق الزجاجة
تحولت انتخابات الرئاسة في الجزائر إلى جزء من أزمة البلاد، في ظل إثارتها لحالة استقطاب غير مسبوقة، بين سلطة تريد تنظيمها بشتى الوسائل من أجل العودة إلى الشرعية المؤسساتية، وبين شارع رافض لها بسبب الشكوك التي تحوم حول توظيفها من أجل تجديد النظام القائم بآليات ووجوه جديدة.
وينتظر أن يلتقي رئيس لجنة الحوار والوساطة كريم يونس، بالرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، الاثنين، لإطلاعه على الوثيقة النهائية لعمل اللجنة ونتائج الحوار السياسي والمشاورات التي أجرتها مع الطبقة السياسية ونشطاء المجتمع المدني.
ومما تسرّب من تقرير اللجنة، أنه يصب في وعاء تنظيم الانتخابات الرئاسية في القريب العاجل، تماشيا مع رغبة قيادة المؤسسة العسكرية، ووضع آليات تشكيل سلطة تنظيم ومراقبة الانتخابات والتعديلات التي ستطال بعض بنود القانون الانتخابي، فضلا عن مطالب أخرى تتصل بتوفير شروط المناخ الانتخابي والعمل السياسي.
وتصطدم نوايا السلطة في تنظيم الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية العام الجاري، مع مطالب الرفض المتصاعدة في الشارع الجزائري، حيث عبّر الآلاف من الجزائريين في الجمعة الـ29 من عمر الحراك الشعبي، عن رفضهم لأي انتخابات تنظمها “بقايا النظام”، في إشارة إلى المؤسسات الانتقالية الحالية (رئاسة الدولة وحكومة تصريف الأعمال)، وشددوا على أن الأولوية هي لرحيل رموز السلطة والتغيير السياسي الشامل.
وفيما يتوقع مراقبون للشأن الجزائري أن يتم الإعلان عن موعد الانتخابات المذكورة خلال الأيام القليلة المقبلة، تنفيذا لرغبة قيادة المؤسسة العسكرية، المعبّر عنها في بحر الأسبوع المنقضي من طرف الجنرال قايد صالح، فإن الحراك الشعبي يتجه إلى المزيد من التصعيد الميداني، بإطلاق دعوات لإضراب شامل في الـ15 من الشهر الجاري، وهو التاريخ المفترض لصدور مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة.
وتتحدث مصادر مطلعة عن انقطاع التواصل بين قيادة العسكر ورئيس الدولة خلال الأسابيع الأخيرة، وعن تواجد رئيس الدولة المؤقت في عزلة تامة بسبب تدهور حالته الصحية، بسبب خلافات غير معلنة بين الطرفين تتصل بصلاحيات ومهام كل طرف، لاسيما بعد دحض قائد أركان الجيش للوعود التي أطلقها بن صالح، لرئيس لجنة الحوار والوساطة بغية اتخاذ جملة من إجراءات التهدئة.
وكان العضو المستقيل من لجنة الحوار إسماعيل لألماس، قد رجّح منذ أسابيع فرضية وجود خلافات بين رئيس الدولة بن صالح، وبين قائد أركان الجيش قايد صالح، حول تصور المخرجات السياسية للأزمة، كما تحدث عن عدم الانسجام داخل هرم السلطة بشأن المسار الناجع للخروج من النفق، وهو الأمر الذي يعطّل الحلول المرضية لجميع الأطراف لاسيما تلك المتعلقة بتنحية حكومة نورالدين بدوي.
وفقدت الانتخابات مصداقيتها مبكرا لدى الشارع الجزائري، بعد الإعلان عنها من طرف قيادة عسكرية وفي ثكنة، وتجاوز كل المؤسسات والهيئات المخولة دستوريا، مما يعطي الانطباع برأي هؤلاء، بأن الجيش ماض في تنظيم انتخابات بشتى الوسائل ورغم مواقف وتصورات الطبقة السياسية والحراك الشعبي.
وهو ما يرشح الاستحقاق لأن يتحول إلى جزء من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد، بعدما كان يأمل فيه بأن يكون أحد المخارج التي تطوى صفحتها، لاسيما بعد إفرازها لحالة استقطاب حادة بين السلطة وبين الشارع، لا يستبعد أن تجرّ البلاد إلى انزلاقات أخرى، في ظل العودة القوية للاحتجاجات الشعبية.
ورغم الانخراط المنتظر لمختلف الهيئات والمؤسسات في مسعى المؤسسة العسكرية لتنظيم الاستحقاق الرئاسي، إلا أن وضع لجنة الحوار والوساطة سيكون أكثر ارتباكا، لوقوعها بين مطرقة تنفيذ رغبات العسكر، وبين سندان مطالب الطبقة السياسية والمجتمع المدني، التي أجمعت على ضرورة رحيل حكومة بدوي، واتخاذ إجراءات تهدئة قبل الذهاب إلى أي انتخابات.
وينتظر أن يتم تجاهل النتائج التي ستتوّج اللقاء المرتقب بين كريم يونس وعبدالقادر بن صالح، الاثنين، في ظل افتقاد الطرفين لخاصية اتخاذ القرار في ظل هيمنة قيادة الجيش على مقاليد السلطة في البلاد.
وتحولت اللجنة المذكورة والشخصيات المكونة لها، إلى أحد مصادر غضب واحتجاج الشارع الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، فعلاوة على المطاردات التي تعرضت لها خلال تنصيب مكاتبها الولائية (المحافظات)، تعرض مكتبها المركزي بوسط العاصمة إلى نزع لافتتها الكبرى الجمعة من طرف المحتجين، كما ردد بعضهم شعارات وهتافات مناوئة لكريم يونس واعتبروه “جزءا من العصابة الحاكمة”.
وبدورها، أعلنت العديد من القوى السياسية المعارضة كالديمقراطيين وبعض الإسلاميين، عن مقاطعتها لعمل اللجنة ورفضت دعوتها للحوار، كما هو الشأن بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والإخوانيين (حركة حمس وجبهة العدالة والتنمية)، وصرح القيادي علي العسكري، بأن “اللجنة هي جزء من اللعبة التي تستهدف إعادة إنتاج النظام والالتفاف على الحراك الشعبي”.
وذهب رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، في نفس الاتجاه لما اعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية “مجرد آلية للقفز على إرادة الجزائريين في التغيير”.