الحملات الانتخابية في تونس بوسائل الترويج التقليدية
تدخل الحملات الانتخابية للاستحقاق الرئاسي التونسي السابق لأوانه، يومها الثالث على التوالي، بوعود متباينة، جعلت الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات في علاقة بتداعيات هذه الانتخابات التي يُنتظر أن تُعيد بنتائجها الاصطفافات السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية المُقررة بعدها بنحو أسبوعين.
واتسم اليومان الأول والثاني لهذه الحملات الانتخابية بنوع من الإفراط في المحاولات التي تستهدف الاستحواذ على اهتمام الناخب تمهيدا لدفعه إلى صناديق الاقتراع في الخامس عشر من الشهر الجاري، حيث استخدم المرشحون مختلف الوسائل الدعائية للترويج لبرامجهم كالملصقات الجدارية والرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكات الإنترنت.
كما حفلت هذه الحملات الانتخابية بوسائل الترويج التقليدية كالتجمعات الشعبية والاجتماعات الجماهيرية والخطب واللقاءات التلفزيونية والإذاعية، حيث لم تشبها لغاية الآن أي قلاقل من شأنها تعكير أجواء سير العملية الانتخابية، باستثناء الاشتباك المُسلح في غرب البلاد الذي أسفر عن مقتل دركي، ومصرع ثلاثة مُسلحين.
وتأمل السلطات التونسية أن تتواصل هذه الحملات الانتخابية التي ينتظر أن يرتفع نسقها خلال الأيام القادمة، بعيدا عن التوتر والعنف، وبالتالي تبديد الأجواء المُلتبسة التي تُحيط بالمناخ العام لهذه الانتخابات، بما يفسح المجال أمام المرشحين للتنافس الديمقراطي النزيه لكسب ثقة الناخب التي تُعبد الطريق للوصول إلى قصر قرطاج الرئاسي.
ورغم كثرة المُتنافسين في هذا السباق الرئاسي، وتوزعهم على مختلف العائلات السياسية والفكرية والأيديولوجية، وكذلك أيضا تحرك الماكينات الانتخابية المشحونة بمختلف الوسائل والأدوات، فإن ذلك لم يؤثر كثيرا على المزاج العام للناخب التونسي الذي بدا غير مُهتم بما يجري حوله وبالوعود التي تستهدفه، بما يؤشر إلى استمرار العزوف الذي طبع الانتخابات الماضية التي عرفتها البلاد.
وفي هذا السياق، لا تُبدي فئة كبيرة من المواطنين، وخاصة منهم الشباب، حماسا للمشاركة في هذه الانتخابات، لعدة اعتبارات، منها انعدام الثقة في السياسيين، حتى أن الطالب أيمن.ع (21 عاما) لم يتردد في القول لـ”العرب” إنه لن يُشارك في هذه الانتخابات لأنها لن تأتي بأي تغيير جوهري للمشهد العام في البلاد.
وبعد أن غيّر من جلسته مُحركا الكرسي الذي يجلس عليه داخل مقهى في شارع محمد الخامس بتونس العاصمة، تابع قائلا “انظر إلى هذه الملصقات وتلك الصور الكبيرة، هل تجد بينهم من يُعبر على هموم الشباب، وما يعانيه من بطالة وتهميش،…اللعبة مكشوفة، وهي لا تخرج عن دائرة حب السلطة”.
لا تُبدي فئة كبيرة من المواطنين، وخاصة منهم الشباب، حماسا للمشاركة في هذه الانتخابات، لعدة اعتبارات، منها انعدام الثقة في السياسيين
وعلى وقع هذا الرأي الذي يحمل الكثير من التشاؤم، قاطعت الطالبة فدوى ح (22 عاما) زميلها أيمن الذي كانت تجلس بجواره، لتقول لـ”العرب” بابتسامة فيها الكثير من المرارة “كنت ولا أزال من المدافعات على أهمية الانتخابات التي تهمني كثيرا”.
لكن، تُضيف فدوى “المناخ العام الذي تجري فيه الانتخابات هذه المرة، يُظهر نزعة نحو تصفية الحسابات بكل الوسائل لإقصاء المُتنافس أو الخصم السياسي، ما عمق الشكوك عندي حول نزاهتها وشفافيتها…لذلك لن أشارك فيها رغم أنني سجلت اسمي في سجل الناخبين بإحدى الدوائر الانتخابية ببن عروس”.
وفيما كانت فدوى تُجادل تدخل كهل كان يجلس بالجوار قائلا “اسمي عبدالرزاق بن بريك، أبلغ من العمر 51 عاما، وأنا مدرس تعليم ثانوي، أتفق مع الرأي الذي يقول إنه لا جدوى من المشاركة في الانتخابات، غير أنني أختلف معه في الأسباب”.
وأوضح “نعم لن أشارك في الانتخابات، والسبب أن الأسماء المطروحة الآن تفتقد إلى المصداقية، وهي غير قادرة على الإقناع، ثم وقبل كل شيء لا أرى أحدا من المرشحين قادرا على ملء كرسي قرطاج الذي جلس عليه الراحل الحبيب بورقيبة”.
ويتنافس في هذه الانتخابات المُبكرة 26 مُرشحا، أبرزهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الدفاع المُستقيل عبدالكريم الزبيدي وعبدالفتاح مورو مُرشح حركة النهضة الإسلامية، ومهدي جمعة رئيس الحكومة الأسبق، وحمادي الجبالي الأمين العام السابق لحركة النهضة، وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد والكاتب الصحافي الصافي سعيد.
كما يتنافس فيها أيضا رجل الأعمال ومؤسس القناة التلفزيونية الخاصة “نسمة تي.في”، نبيل القروي الذي يقبع حاليا في السجن، ورجل الأعمال المثير للجدل سليم الرياحي الموجود حاليا خارج تونس بعد صدور أحكام قضائية ضده بتهمة التهرب الضريبي وغسل الأموال.
وتتميز قائمة المتنافسين بوجود أسماء أربعة مُرشحين سبق لهم أن شاركوا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 23 نوفمبر 2014، وهم منصف المرزوقي الذي تنافس في الدور الثاني ضد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، حيث حصل على 44.31 بالمئة من الأصوات، والهاشمي الحامدي الذي خرج من الدور الأول بعد حصوله على 5.7 بالمئة من أصوات الناخبين، وسليم الرياحي (5.55 بالمئة)، وأحمد الصافي سعيد (0.80 بالمئة).
وكانت الحملات الانتخابية لهذا الاستحقاق الرئاسي المُبكر قد انطلقت السبت الماضي على مستوى المُغتربين التونسيين، حيث افتتح المُرشح يوسف الشاهد حملته في مدينة ليون الفرنسية، بينما اختار مُرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو العاصمة الإيطالية روما.
وانطلقت قبل يومين داخل تونس، لتتواصل إلى غاية الثالث عشر من الشهر الجاري، حيث يكون الصمت الانتخابي يوم الرابع عشر، وفتح صناديق الاقتراع يوم الخامس عشر من الشهر الجاري.