فضائح الفساد تعمق أزمة جبهة التحرير الجزائرية
ينتظر أن يقدم الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية محمد جميعي، استقالته لأعضاء المكتب السياسي في جلسة استثنائية تلتئم نهار الخميس، بمقر الحزب في العاصمة، للتخلص من الارتدادات المنتظرة للقرار الذي فاجأ الرأي العام، على اعتبار أنه كان مناصرا للسلطة الحاكمة وقيادة مؤسسة الجيش تحديدا.
ومع توقعات لالتحاق محمد جميعي، بالمجموعة المسجونة في سجن الحراش، بسبب شبهات الفساد التي تحيط بمساره المهني والسياسي، سيتلقى الحزب الحاكم ضربة قاصمة تزيد من حدة الأصوات الداعية إلى تجريده من الشعار التاريخي، وحتى إلى حله تماما، لاسيما وأنه سيكون الأمين العام الثاني للحزب الذي يسجن بعد جمال ولد عباس.
ويعدّ محمد جميعي، من الجيل الجديد الذي التحق بالحزب الحاكم، وتدرج سريعا في مختلف المسؤوليات، حيث شغل منصب نائب برلماني عن محافظة تبسة لثلاث عهدات نيابية، وعضوا قياديا وأمينا عاما، وكان من المقربين من نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وإذ حاول الرجل التخلص سريعا من تركة مناصرته لمشروع العهدة الخامسة لبوتفليقة، ومن عبارته الشهيرة لتلفزيون فرنسي، “لم تلده أمه من يجرؤ على منافسة بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية”، ومباشرة حملة تأهيل دفع فيها أموالا باهظة لتلفزيون محلي خاص، فإن قرار القضاء جاء مفاجئا له وللرأي العام، خاصة وأنه لم يتوان عن مناصرة توجهات المؤسسة العسكرية في فرض مخارج الأزمة السياسية.
ودخل نواب برلمانيون وقياديون في الحزب، منذ الكشف عن طلب رفع الحصانة البرلمانية، في اجتماعات مغلقة من أجل احتواء الوضع الجديد، والدفع بالأمين العام إلى تقديم استقالته في اجتماع هيئة المكتب السياسي المنتظر نهار الخميس بالعاصمة.
ويعد النائب البرلماني وأمين عام الحزب الحاكم، أحد رجال الأعمال الذين مولوا الحملات الانتخابية للرئيس السابق بوتفليقة، في مختلف الاستحقاقات الرئاسية، وهو ابن إحدى العائلات الثرية المالكة لعدة شركات ومؤسسات خاصة في المجال الإلكترومنزلي (علامة ستار لايت).
وكان تصريحه المثير لقناة الشروق الخاصة المحلية في بحر هذا الأسبوع، لمّا سئل عن تهم اشتغاله في التهريب على الحدود الشرقية، “كل العائلات في مدينة تبسة تشتغل في التهريب إلا عائلة جميعي”، قد عجل بخطوات سقوطه من الواجهة، بعدما أثار غضبا كبيرا لدى سكان المحافظة التي ينحدر منها.
ولا تزال الاستفهامات تلف وضع جميعي ووضع الحزب الحاكم في البلاد، بعد التطورات الأخيرة، لاسيما حول جدية السلطة الجديدة في حربها المفتوحة على الفساد المالي والسياسي، بعد اتهامات وجهها المعارضون لقيادة الجيش بحماية جزء مما تسميها بـ”العصابة”، بسبب قربها من الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجنرال قايد صالح، ومنها محمد جميعي، بهاء الدين طليبة وعمار سعداني.
ومع ذلك يذهب البعض إلى اعتبار النمط المتبع في الإطاحة برموز العهد البوتفليقي، بأنه ينطوي على أجندة سياسية تستهدف في كل مرة التضحية برمز من الرموز لإقناع الحراك الشعبي بجدية السلطة في مشروعها والرضا بالخارطة السياسية التي وضعتها للخروج من الأزمة السياسية (تنظيم الانتخابات الرئاسية).
ويصر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، على أن “الحرب على الفساد لا يمكن أن تتم إلا في ظل سلطة شرعية وتغيير سياسي شامل في البلاد، يضمنان الاستقلالية والحرية للقضاء والإعلام والمؤسسات”، وأن ما يجري حاليا هو “تصفية حسابات بين أجنحة السلطة لا غير”.
ورفض الناطق الرسمي المكلف بالإعلام في حزب جبهة التحرير الوطني محمد لعماري، في اتصال مع “العرب”، التعليق على التطورات المستجدة في الحزب وانعكاساتها عليه في المرحلة القادمة، خاصة وأن توقعات تذهب إلى إمكانية سحب الثقة من الهيئات المنبثقة عن المؤتمر الأخير للحزب، الذي أفرز محمد جميعي أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني.
وكان بيان المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، قد أعلن أن السلطة القضائية طلبت منه مباشرة عملية سحب الحصانة البرلمانية عن ثلاثة نواب برلمانيين ينتمون إلى حزب جبهة التحرير الوطني، ويتعلق الأمر بكل من محمد جميعي، إسماعيل بن حمادي، وبري ساكر، فضلا عن عضو مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) السيناتور أوراغي أحمد.