بريكست يدخل بريطانيا في أزمة سياسية غير مسبوقة

أدخل تعنت رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بشأن استراتيجيته لبريكست البلاد في أزمة سياسية غير مسبوقة، قد تتعمق أكثر مع وجود إشارات قوية بإعلان انتخابات تشريعية مبكرة بعد أن فقد رئيس الوزراء الثلاثاء أغلبيته البرلمانية في وقت تستعد فيه المعارضة للتصويت على مشروع قانون يمنع الانفصال من دون اتفاق، ما يضع بوريس جونسون أمام خيارين؛ إما إعلان استقالته وهو أمر مستبعد أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة في منتصف أكتوبر القادم.

خسرت الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون الثلاثاء أغلبيتها البرلمانية إثر انشقاق أحد النواب المحافظين من حزب المحافظين الحاكم، ما يمكّن النواب المعارضين لبريكست دون اتفاق من إيقاف استراتيجية جونسون للانفصال، والذي هدد في وقت سابق الاثنين، بأنه سيلجأ إلى الإعلان عن انتخابات مبكرة قبل 14 أكتوبر القادم في صورة تعطيل استراتيجيته عبر قوانين برلمانية.

وجاء ذلك بعد أن تحول النائب المحافظ فيليب لي إلى كتلة الديمقراطيين الأحرار، وفقا لما أعلنه النائب في بيان له على موقع تويتر.

وبرر لي هذه الخطوة بالسياسة التي ينتهجها جونسون في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن هذا القرار لم يكن سهلا بالنسبة إليه، خاصة وأنه ظل عضوا في حزب المحافظين على مدى 27 عاما.

وتابع لي بأنه خلص إلى أنه لم يعد من الممكن له كعضو في المحافظين العمل في خدمة ناخبيه وبلاده، حسبما جاء في الخطاب الذي وجهه لرئيس الوزراء.

وكان حزب المحافظين الذي أصبح جونسون يرأسه منذ أسابيع قليلة يمتلك أغلبية بصوت واحد فقط، وذلك بالتعاون مع شريكه في أيرلندا الشمالية، الحزب الديمقراطي الوحدوي، بعد أن خسر انتخابات تكميلية سابقة.

ولا يعرف حتى الآن كيف سيستطيع جونسون في ظل هذه المستجدات الاستمرار في سياسته في ما يتعلق بخلافه مع الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد. ولكن فقدان جونسون الأغلبية الحسابية في البرلمان لا يعني أنه سيضطر إلى الاستقالة فورا.

فيليب هاموند: هناك ما يكفي في البرلمان لعرقلة الخروج من دون اتفاق

وعاد النواب بعد ظهر الثلاثاء إلى وستمنستر وسط أجواء متوترة، فيما أعرب نواب محافظون “متمردون” لدعم المعارضة من أجل منع خروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق في 31 أكتوبر القادم.

وإذا فازوا في التصويت الأول مساء الثلاثاء، سيكون باستطاعة النواب المعارضين للخروج من دون اتفاق تقديم نصّ قانون، الأربعاء، لإرغام رئيس الوزراء على طلب إرجاء جديد لموعد بريكست إلى 31 يناير 2020 إذا لم يتمّ التوصل إلى أي تسوية مع بروكسل بحلول 19 أكتوبر وإذا لم يصادق البرلمان على الخروج من دون اتفاق.

ولكنّ جونسون حذّر الاثنين من أنه لن يوافق “تحت أي ظرف” على طلب بروكسل بإرجاء موعد بريكست، حيث جدد تعهده بإخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، سواء تمّ التفاوض بشأن اتفاق أم لا، وبتنفيذ رغبة 52 بالمئة من البريطانيين الذين صوّتوا خلال استفتاء عام 2016.

وأما إذا فاز مناصرو “غياب الاتفاق” في تصويت البرلمان، فإن رئيس الحكومة سيقدّم اقتراح تنظيم انتخابات تشريعية في 14 أكتوبر، وفق ما أكده مصدر حكومي الاثنين.

وسيخضع هذا الاقتراح لتصويت النواب الأربعاء، على أن يتمّ تبنيه إذا حصل على ثلثي الأصوات.

وقال متحدث باسم الحكومة الثلاثاء إن “رئيس الوزراء لا يريد أن تجرى انتخابات”، لكن إذا “قرر النواب تقويض موقفه في المفاوضات (بالدفع إلى تجنب خروج دون اتفاق) وسيتم إجراء انتخابات، فإن ذلك سيجري قبل موعد القمة الأوروبية في 17 و18 أكتوبر المقبل”.

وأثار جونسون غضب النواب عندما قرر تعليق البرلمان لخمسة أسابيع حتى 14 أكتوبر، تاركا لهم القليل جدا من الوقت لمعارضة انسحاب بريطانيا من دون اتفاق.

وهدّد أيضا بإقصاء “المتمردين” من حزب المحافظين إن صوتوا لصالح اقتراح المعارضة، في وقت تقتصر غالبيته على صوت واحد في مجلس العموم.

وفي حديث إلى شبكة “بي.بي.سي” الثلاثاء، اعتبر وزير المالية السابق فيليب هاموند، أحد المحافظين المعارضين بشدة للانفصال من دون اتفاق، أنه سيكون هناك ما يكفي من الدعم في البرلمان لعرقلة الخروج دون اتفاق.

وأضاف هاموند “أعتقد أننا سنجمع العدد المطلوب، رئيس الوزراء جونسون كانت نيته طوال الوقت الدعوة إلى انتخابات مبكرة”. وأعلنت بدورها وزيرة التعليم السابقة جوستين غرينينغ أنها لن تترشح عن حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة.

واعتبرت غرينينغ أنه بين خيار خروج دون اتفاق وخيار جيريمي كوربن زعيم حزب المعارضة الرئيسي العمال، فإن “المملكة المتحدة أمام انتخابات خاسرة من كلا الجانبين”، فيما أعرب كوربن من جهته عن استعداده لانتخابات تشريعية “حتى يقرر الناس مستقبلهم”.

مستقبل بريطانيا على المحك

ووسط دوامة أزمة الخروج لم يتضح بعدُ ما إذا كان المتمردون سيصوتون، في حالة تمكّنهم من هزم الحكومة، لصالح الانتخابات المبكرة وهو ما سيحتاج إلى دعم ثلثي النواب.

وقال توم نيوتن دان المحرر السياسي بصحيفة صن “إن أحد الخيارات التي يبحثها حزب العمال المعارض هو تأييد إجراء انتخابات لكن بآلية تضمن تعطيل الخروج من الاتحاد الأوروبي”.

وكشف الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن انقسامات بشأن قضايا أكبر بكثير من الاتحاد الأوروبي وأثار بحثا عن الذات في ما يتعلق بكل شيء؛ من الانفصال والمهاجرين إلى الرأسمالية والإمبراطورية والحداثة البريطانية.

وبالإضافة إلى البرلمان، تتواصل المعركة ضد بريكست من دون اتفاق أيضا في المحاكم حيث تواجه حكومة جونسون طعونا عدة تهدف إلى منع تعليق البرلمان.

وتنظر أعلى محكمة مدنية في أسكتلندا في الأسس الموضوعية لطلب قدّمه 75 نائبا مؤيدا لأوروبا من أجل الطعن في قرار تعليق البرلمان. وحاول هؤلاء الأسبوع الماضي منع التعليق لكنّ طعونهم المقدمة وفق آلية عاجلة رُفضت.

وتنظر المحكمة العليا في أيرلندا الشمالية أيضا في طعن آخر قدّمه بشكل طارئ الناشط في مجال حقوق الإنسان ريمون ماكور.

وذكرت المفوضية الأوروبية من جهتها الثلاثاء أنها لم تتلق بعد أي “طرح ملموس” من بريطانيا يتعلق بإنقاذ اتفاق بريكست.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مينا أندريفا إن المفوضية تعتبر الآن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق انتقالي في 31 أكتوبر المقبل “أمرا محتملا بصورة واضحة للغاية”.

ومن المقرر أن تعرض المفوضية الأربعاء المزيد من الإجراءات الاحترازية في حال الخروج من دون اتفاق، حيث هناك مقترحات مطروحة على الطاولة لتوفير المساعدات من صندوق التضامن الأوروبي للدول الأعضاء الأكثر تضررا.

خيار محدودة أمام جونسون

وأشارت أندريفا لدى سؤالها حول التقدم الذي تم إحرازه في المباحثات بين لندن وبروكسل إلى أن المفاوضين “يحرزون تقدما” بعد استئناف اللقاءات الفنية، مضيفة أنه سوف يتم الإعلان عن أي تطورات ملموسة في الوقت المناسب.

وأطلقت لندن الاثنين حملة رسمية تحت شعار “استعدوا لبريكست” شملت موقعا إلكترونيا يقدم نصائح لمواطني كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن كيفية التعاطي مع مشكلات مرتقبة مثل توقّف هواتفهم عن العمل في الخارج.

ولكنّ كلا من بروكسل ولندن باتتا اليوم ترجحان انتهاء الشراكة التي استمرت لأربعة عقود بين الطرفين دون اتفاق. وكتب كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في مسألة بريكست ميشال بارنييه في صحيفة “ذي صنداي تلغراف” أن البند الأكثر إثارة للجدل في الاتفاق الحالي هو “شبكة الأمان” الهادفة إلى ضمان بقاء حدود أيرلندا الشمالية مفتوحة مهما كانت الظروف في ما بعد بريكست، ويعد “أقصى درجة من المرونة التي يمكن للاتحاد الأوروبي تقديمها”.

ولقد تأثّر إصرار جونسون على وجود حلول أخرى، يرتبط أحدها باستخدام تكنولوجيا متقدمة على الحدود، بتسريب الحكومة البريطانية لتقرير يظهر أنّ جميع تلك الحلول غير قابلة للتطبيق.

ونقلت صحيفة “ذي غارديان” عن التقرير الذي صدر في 28 أغسطس الماضي، أنه “من الواضح أن أي عملية تسهيل قد تحمل مخاطر ومشكلات أخرى متصلة بها”.

وأضاف التقرير أنه على استنتاجاته أن تبقى قيد الكتمان “نظرا لتداعياتها السلبية المحتملة على إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: