هل ستكون الجزائر أمام لعنة الانتخابات مرة أخرى؟
ليست المرة الأولى التي ستكون فيها الجزائر أمام تحديات مرتبطة بإمكانية تنظيم انتخابات بتداعيات خطيرة، وعدم توافق على شروط تنظيمها وحتى توقيتها، ومدى المشاركة الشعبية فيها، وبالتالي قدرتها على حل الإشكالات التي استدعيت من أجلها، في ظرف سياسي مختلف نوعيا هذه المرة، بعد انطلاق ثورة الشعب الجزائري السلمية في 22 فبراير كفرصة تاريخية لن تتكرر بسهولة.
فقد حصل الشيء نفسه تقريبا في أول تشريعيات تعددية خلال شتاء 1991 الملغاة، بكل ما انجر عنها من وضع أمني وسياسي خطير، لتكون بذلك من أسباب إدخال البلد في حرب أهلية فعلية، حصلت أساسا جراء عدم التوافق على شروط وجو الانتخابات للاكتفاء بها كآلية فقط. كما حصل الشيء نفسه في اول رئاسيات تعددية سنة 1995، بما عرفته من وضع أمني خطير واستقطابات سياسية حادة، رغم مساهمتها في إعادة الشرعية نسبيا إلى مؤسسة الرئاسة، التي كانت تعرف حالة فراغ كبير. كما كان الحال نفسه تقريبا عند إجراء اول انتخابات تشريعية تعددية 1997 بكل ما شابها من تزوير مفضوح، أفضى إلى ترسيم خريطة سياسية مشوهة، لم تزد الأوضاع إلا سوءا.
انتخابات لم تساعد النظام السياسي على دعم شرعيته المتدهورة، رغم تنظيمها الدوري بانتظام، منذ الاستقلال. غاب عنها المواطن وحضر فيها المال الفاسد، بعد تأكد الاهتمام بها من قبل حديثي النعمة من فئات اجتماعية ارتبطت بالاقتصاد السياسي الريعي والفساد. فئات استطاعت أن تزاحم ا الفئات الوسطى وبيروقراطية الدولة، محدثة بذلك اختراقا لقاعدة الدولة الوطنية في وقت قصير نسبيا، انتقلت سوسيولوجيا بموجبه نحو فئات أكثر يسرا، على حساب القاعدة الشعبية القديمة، التي اتجهت نحو العمل النقابي والحركات الاجتماعية الاحتجاجية كشكل تعبير سياسي أساسي. ليبقى الأهم، ما يمكن أن يحصل هذه الأيام، بعد انطلاق الدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، كحل يطالب به صاحب القرار العسكري، الذي استلم الأمور في هذا الظرف السياسي المضطرب. انتخابات يقف في وجهها الكثير من التحديات والاسئلة السياسية المهمة. على غرار قدرة النظام السياسي على اقناع المواطنين بالمشاركة فيها وعدم مقاطعتها، كما يمكن أن يحصل لتكون بذلك ثالث انتخابات رئاسية يفشل النظام السياسي في تنظيمها في وقت قصير.
مقاطعة شعبية تملك الكثير من إمكانيات التحقق على أرض الواقع بكل ما قد تولده من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة. في وقت يتوقع فيه الكثير أن يرتفع مستوى التجنيد الشعبي داخل الحراك بداية من الدخول الاجتماعي الحالي. انتخابات فشلت السلطة بأدواتها التقليدية والمستحدثة كهيئة الوطنية للحوار في الترويج لها، وتوسيع قاعدة القبول الشعبي بها كحل يراد له أن يكون أوحد ووحيدا لأزمة النظام السياسي. انتخابات فشلت هيئة الحوار في إقناع الحاكم العسكري بالتسويق لها بواسطة تقديم عربون حسن نية، كإجراءات للتهدئة، بما فيها إبعاد الحكومة الحالية وإطلاق سراح شباب الحراك وفتح المجال الإعلامي. إجراءات رغم رفضها حتى الآن، يمكن أن تقبل قُبيل إجراء الانتخابات. فهل ستكون كافية لإقناع المواطنين الجزائريين بالذهاب إلى هذه الانتخابات، التي يطالب المواطنون بما هو أكثر جدية للمشاركة فيها.
الجزائريون خائفون من تحول الانتخابات لوسيلة لإعادة إنتاج النظام السياسي نفسه بعد التخلص من وجوهه القبيحة
مواطنون يريدون من هذه الانتخابات أن تكون قطيعة نوعية مع آليات تسيير النظام السياسي ونخبه وعقائده. وليس فقط عملية روتينية لم يستطع النظام إقناعهم بأنها ستكون مختلفة هذه المرة، عما عرفوه في السابق من تزوير وسطو على أصواتهم، حتى وهو يتكلم عن استحداث هيئة وطنية مستقلة لتنظيمها، بدل وزارة الداخلية. فمن يضمن لهم أن تكون هذه الهيئة بصلاحيات فعلية في الاشراف على هذه الانتخابات وتنظيمها ومراقبتها والإعلان عن نتائجها، كما هو سائد في تجارب ناجحة على غرار الحالة التونسية القريبة. مسألة الثقة هنا أكثر من مهمة، بعد أن استنفد النظام السياسي رصيده منها منذ زمان، فقد تعودت المؤسسات المكلفة بتنظيم الانتخابات الحديث كل مرة عن الشفافية والمصداقية و..و.. وهي تروج للانتخابات، ليجد المواطن نفسه امام أشكال تزوير مبتذلة لم تتغير مع الوقت كثيرا، تبدأ بقطع الكهرباء عند فرز الأصوات، وقد تنتهي بتهديد وإبعاد الملاحظين، وتصل إلى التلاعب بالهيئة الناخبة التي لا يعرف لا الحزب السياسي المشارك في هذه الانتخابات، ولا الموطن مما تتشكل منه فعلا. ما زال الموتى ينتخبون ويدلون بصوتهم فيها. انتخابات يتخوف المواطنون من المشاركة فيها وقد يقاطعونها فعلا، وهم يرون كيف يمكن أن تتحول إلى وسيلة لإعادة إنتاج النظام السياسي نفسه، بعد التخلص من وجوهه القبيحة. هم الذين ينتظرون منها أن تكون بداية بناء مؤسساتي وسياسي شرعي تتجدد فيه النخب، يتم فيه التداول على السلطة والبرامج السياسية بين أحزاب سياسية قوية كما هو متعارف عليه في الكثير من التجارب الدولية الناجحة.
على عكس هذا السيناريو المتشائم الذي ما زال يرفضه المواطنون في أغلبيتهم، حتى لو بدأت بعض ملامحه في البروز للسطح، على شكل بوادر جنينية لأنواع من التمرد، بل حتى العصيان المدني، كما هو حاضر في التعامل مع مؤسسات الدولة ورموزها ـ وزراء حكومة بدوي كمثال – ما زالت إمكانية حدوث السيناريو الإيجابي قائمة وفعلية، إذا تم البناء على هذه اللحظة التاريخية التي يمثلها الحراك الشعبي، إذا استطاع مركز القرار السياسي الأول على هرم السلطة الانصات إلى صوت العقل والتعامل الإيجابي مع مطالب الجزائريين، التي تم التعبير عنها بأشكال عديدة ومتعددة من قبل قوى سياسية وشخصيات وداخل الحراك نفسه، منذ أكثر من ستة اشهر من المسيرات، وأشكال التعبير الكثيرة التي حافظت فيها على خصائصها الثلاث، وطنيتيها، شعبيتها وسلميتها.
فلمن تكون الغلبة ضمن هذه الاتجاهات الثقيلة وهي تتسارع؟ هل ستكون الجزائر مرة أخرى أمام لعنة الانتخابات من جديدة بكل ما تحمله من احتمالات سيئة؟ أم أن صوت العقل هو الذي سيتغلب هذه المرة، ويتم الانصات إلى صوت الشعب أخيرا قبل فوات الأوان .