استقالات جديدة من حزب العدالة تربك أردوغان وتقوّي شوكة باباجان
رفعت استقالة وزيرين تركيين سابقين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، من درجة تدهور علاقة الرئيس رجب طيب أردوغان مع الشخصيات والدوائر السياسية والحزبية المحيطة به.
وتأتي استقالة وزيري العدل والداخلية السابقين سعدالدين أرجين وبشير أطالاي، من حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد أيام من استقالة خمسة جنرالات من الجيش التركي عقب اجتماع للمجلس العسكري الأعلى الشهر الحالي.
ويكشف مسلسل الاستقالات السياسية من حزب العدالة الحاكم أو من مؤسسات الدولة والجيش التركي، عن أزمة حكم كبرى ستداهم أردوغان، خصوصا بعد إعلان وزير الاقتصاد السابق علي باباجان عن تأسيس حزب جديد يحظى بدعم الرئيس التركي السابق عبدالله غول. وتوعد رئيس الوزراء السابق ومنظر حزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو، بكشف وثائق “تسود لها وجوه” ردا على وصف أردوغان للمنشقين من الحزب بالخونة.
وتسبب إعلان باباجان نائب رئيس الوزراء التركي السابق المسؤول عن الاقتصاد والعضو المؤسس في حزب العدالة والتنمية الحاكم، عن إطلاق حزب جديد والتفاف قيادات تاريخية حوله، في حالة من الذعر داخل الحزب الحاكم.
وذكرت مصادر سياسية تركية أن الرئيس أردوغان لن يغفر لباباجان والملتفين حوله انفصالهم وتأسيس حزب جديد، ويستعد لوصمهم بالخيانة.
ويرى خبراء في الشؤون التركية أن تصدع البناء السياسي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية بدا واضحا في الهزيمة التي منيا بها في الانتخابات المحلية الأخيرة، كما خسارة بلدية إسطنبول في انتخابات أولى وتأكد هذه الخسارة بنسب أعلى في انتخابات ثانية.
ورجحت مصادر سياسية التحاق أرجين وأطالاي بالحزب الجديد الذي يعمل باباجان على إطلاقه.
وذكرت المصادر أن اتصالات تجري أيضا لإقناع وزراء سابقين بالاستقالة من الحزب الحاكم والانضمام إلى حزب باباجان الجديد أو الحزب الذي قد يطلقه رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو.
ودفع مسلسل الاستقالات المحلل السياسي التركي ذو الفقار دوغان، إلى إطلاق تساؤل عما إذا كان أردوغان سيلجأ إلى أعدائه القدامى لمواجهة خصومه الجدد؟ خصوصا بعد أن رد أردوغان بطريقة عدوانية ووصف حلفاءه السابقين بـ”الخونة”.
وقال دوغان “في حين تتشكل حركات جديدة حول داوود أوغلو وباباجان الذي قاد الاقتصاد إلى أكبر نجاحاته في عهد حزب العدالة والتنمية، يبدو أن هناك سياسيين قدماء يفتحون الباب أمام عودتهم”.
ويقول مقربون من حزب العدالة والتنمية إن استقالة قيادات تاريخية من الحزب وذهابها إلى تشكيل بدائل سياسية منافسة سحبا من الحزب شرعية وجود ووجاهة بقاء.
وتحدثت أوساط الحزب الحاكم عن أزمة داخلية لاسيما بعد التوجه إلى إغفال أي ذكر أو عرض أي صور لرفاق أردوغان التاريخيين أثناء التطرق إلى المسار التاريخي لحزب العدالة والتنمية أو خلال فعاليات حزبية محلية ووطنية عامة.
وتقول مصادر سياسية تركية إن نزوع أردوغان إلى فرض إصلاحات دستورية لتناسب طموحاته السياسية وتحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي يمتلك صلاحيات متفوقة على صلاحيات البرلمان، مكّنه من الذهاب بعيدا في ممارسة الحكم على منوال دكتاتوري ولو أن أدوات ذلك ما زالت تستخدم صناديق الاقتراع.
ورأت هذه المصادر أن الحزب الحاكم تحوّل إلى حزب الرئيس والرئاسة بحيث يغيب النقاش الداخلي وتتوزع المراكز على أساس الولاء لأردوغان وحده.
وحذرت هذه المصادر من أن معيار الولاء لأردوغان بات هو المعمول به في تعيين الكوادر الإدارية والأمنية والعسكرية داخل مؤسسات الدولة التركية في الوزارات والمؤسسات الإدارية كما داخل أجهزة الأمن والجيش التركي.
وذكرت صحيفة جمهوريت المعارضة الأسبوع الماضي أنّ خمسة جنرالات من الجيش التركي قدّموا استقالاتهم عقب اجتماع للمجلس العسكري الأعلى الشهر الحالي.
وعبرت الاستقالات عن حالة عصيان مقنع داخل المؤسسة العسكرية ضد سياسة الرئيس التركي.
وحذرت أوساط مراقبة لشؤون المؤسسة العسكرية التركية من أن الجيش التركي يظهر على نحو متدرج تبرما من الإجراءات التي تطوله والتي تعبر عن عدم ثقة أردوغان البنيوية في المؤسسة التي تعتبر قاعدة الدولة التركية الحديثة التي أسسها كمال أتاتورك.
ومثل الامتعاض الذي كشفته استقالة الجنرالات واجهة لرفض الجيش لسياسة أردوغان سواء في المآلات المهينة التي تعرض لها الجيش في إدلب، أو في القرارات الإدارية التي فرضت معايير بعيدة عن الكفاءة لصالح المحسوبية والولاء، أو في الخيارات الاستراتيجية التي تبعد الجيش عن تاريخه الأطلسي ضمن المنظومات العسكرية الدولية.
وتلفت مصادر دبلوماسية في أنقرة إلى أن تخبط أردوغان في قيادة سياسة تركيا الخارجية أفقد الرئيس التركي مناعة دولية كان يتمتع بها في بداية وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم.
وأضافت المصادر أن أردوغان أفقد تركيا موقعها الاستراتيجي المتميز بين العالم الغربي من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، وأنه بدا أن تركيا تخسر علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي دون أن يقنع الأتراك ومؤسسات الأمن والدفاع بوجاهة اندفاعه لعلاقات مع موسكو يثبت يوما بعد يوم أنها علاقات خضوع وخنوع لأجندة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويرى مراقبون للشؤون التركية أن ترنح موقع أردوغان الدولي أضعف مكانته في الداخل وأضعف الثقة في استمراره وحزبه في حكم البلاد. ويذهب البعض منهم إلى التأكيد أن سفينة أردوغان تغرق وأن من ينشق عنه ويقدم استقالته يفر من سفينة غارقة ويسعى لإنقاذ تركيا من انهيار محتمل.