وزارة الثقافة الجزائرية تعاني من العقم
شهدت الجزائر مؤخرا حدثين دراميين هزّا المواطنين والمواطنات. يتمثل الحدث الأول في الصرخة المؤلمة المدوية التي أطلقتها الممثلة والمخرجة المسرحية نضال الجزائرية أمام الرأي العام الوطني، حيث طالبت السلطات بإنهاء مسلسل التنكر لحقوقها الاجتماعية والإمعان في تأبيد حشرها في المنزل القصديري والبدائي الذي انهار عليها وعلى أسرتها، أما الحدث الثاني فيتلخص في الآثار المترتبة على تعيين ثم استقالة وزيرة الثقافة مريم مرداسي التي لم تعمّر في منصبها سوى خمسة أشهر يتيمة.
لقد أثار هذان الحدثان كثيرا من اللغط حول الوضع الثقافي والفني المزري في الجزائر، وحول أهلية وكفاءة وزراء الثقافة الذين أقحموا لتولي شؤون الثقافة والفن والفكر في الجزائر المستقلة، وتسبب أغلبهم في طمس الحياة الثقافية والفنية والفكرية، كما لعبوا أدوارا مفصلية في إذلال المثقفين والمبدعين في كافة المجالات.
في هذا السياق ينبغي التذكير بأن الإحصائيات الرسمية تفيد بأن عدد الوزراء الذين أسندت إليهم حقيبة وزارة الثقافة طوال مرحلة استقلال الجزائر إلى يومنا هذا لا يقل عن 20 وزيرا ووزيرة، وتعتبر خليدة تومي التي قضت 12 سنة كاملة في منصبها أكثرهم أقدمية ويليها في الأقدمية مباشرة أحمد طالب الإبراهيمي الذي عمّر 7 سنوات ثم يأتي بعده عزالدين ميهوبي الذي قضى 4 سنوات كوزير للثقافة، دون أن تشهد كل هذه الفترات الزمنية الطويلة جدا أي تحوّل أو تطور نوعي في البنية الثقافية الوطنية وفي المؤسسات ذات الطابع الثقافي والفني، وبالعكس فقد أصبح التنشيط الثقافي الضحل سيد الموقف الأمر الذي جعل الجزائر تغرق في الأزمة الثقافية وفي الانكماش داخل الفضاء الثقافي الدولي.
يمكن أن يفيدنا فحص أسماء وزراء الثقافة الجزائريين والجزائريات الذين تداولوا حقيبة الثقافة بأن أغلب تخصصاتهم الأصلية لا علاقة لها بميدان الإبداع الثقافي والفكري والفني، إذ يندر أن تجد بين هؤلاء من تمرسوا في إنجاز وتجسيد الصناعة الثقافية والتوجيه الفني الجمالي في الجزائر العميقة نظريا أو انخراطا كليا في ممارسة الإبداع الثقافي والفني والفكري، وفضلا عن ذلك فإنهم ليسوا بأصحاب المساهمات المبتكرة في مجال إثراء حقول الثقافة الجزائرية بأعمال متميزة، وهذا يعني أنهم لم يخضعوا للتكوين العميق لكي يكونوا بمثابة الدوافع الحيوية لابتكار عوالم الصناعة الثقافية والفنية الراقية.
الجزائر قد تحوّلت إلى زنزانة معزولة وعازلة الأمر الذي ما فتئ يكرّس انقطاع المجتمع الجزائري عن التواصل والحوار المبدع مع الإنتاج الثقافي والفكري والفني
مثلا، إن خليدة تومي التي قضت في وزارة الثقافة أطول مدة ذكرناها أعلاه، ينحصر تكوينها في مادة الرياضيات الأولوية التي قامت بتدريسها في التعليم الثانوي وذلك قبل أن تتفرغ لتصبح ناشطة نسوية، ومشاغبة حزبية يتلخص رأسمالها في صرخاتها في المظاهرات ضد النظام الحاكم الذي أصبحت فيما بعد أحد بيادقه البارزين.
وهنا نجد المراقبين لحال الشأن الثقافي الجزائري يتساءلون باستغراب: لماذا لم تسند وزارة الثقافة الجزائرية لمثقفين وأدباء ونقاد وفنانين بارزين لهم إدراك بالعمل الثقافي وحرفة الإنتاج الثقافي والفني والفكري مثل عبدالقادر معلولة، أو مالك بن نبي، أو مالك حداد، أو محمد بجاوي، أو محمد إسياخم، أو لخضر حامينة، وهلم جرّا؟ ثم لماذا يفرض دائما السياسيون الفاشلون والإداريون الجهلاء بدور الثقافة في بناء الإنسان الجديد كأمناء عامين لوزارة الثقافة ويستبعد الأدباء والفنانون والمثقفون المبدعون؟ ثم لماذا نجد معظم المديرين ونواب المديرين المركزيين والمكلفين بالمهام على مستوى وزارة الثقافة الجزائرية لا ينتمون إلى عائلة الثقافة والفن الأصيلة؟ ثم، لماذا يسمح، مثلا، لأشخاص بتولي منصب الإدارة العامة للكتاب وهم أبعد خلق الله عن عالم التأليف والطبع والنشر؟ وكيف يسمح بتعيين هذا الشخص أو ذاك مديرا للمسرح في هذه المحافظة أو تلك وهو لا يمت بصلة تذكر إلى ميدان المسرح؟
وفي الحقيقة، فإن العبث بالشأن الثقافي على المستوى المركزي أو الولائي أو البلدي هو سمة للسياسات الثقافية العرجاء المنتهجة في الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، ويبدو واضحا أن النظام الحاكم في الجزائر يفعل ذلك لأنه يحتقر المثقفين والمبدعين احتقارا لا نظير له، ولقد فرخت مثل هذه السياسات العقيمة كثيرا من الأمراض مثل تجفيف البلاد من الحياة الثقافية والفكرية والفنية وتحطيم سمعة المثقفين والفنانين وإغراقهم في الفقر والتهميش، وتجريد النقابات المهنية والروابط والاتحادات الثقافية والأدبية والفنية من استقلاليتها، وبذلك تمّ تكريس الفراغ الثقافي وتدهور أخلاقيات حماية حقوق الكتّاب والفنانين والمفكرين ومختلف الفاعلين في الحقل الثقافي الوطني، وأكثر من ذلك فإن الجزائر قد تحوّلت إلى زنزانة معزولة وعازلة الأمر الذي ما فتئ يكرّس انقطاع المجتمع الجزائري عن التواصل والحوار المبدع مع الإنتاج الثقافي والفكري والفني على المستوى المغاربي، والعربي المشرقي، والأفريقي، والآسيوي والأوروبي/ الغربي معا.
كما ما فتئ يقوّض إمكانية فتح السبل أمام كافة تنوع أشكال التعبير الثقافي والفني والوطني للوصول إلى الشعوب الأخرى للتعريف بها وجعلها جزءا فاعلا ضمن نسيج الثقافة الإقليمية والدولية.