الرئة الخضراء الثانية في العالم على خطى الأمازون تختنق دخانا
غابات حوض الكونغو تمتص أطنانا من ثاني أكسيد الكربون في الأشجار والمستنقعات فهي أساسية لمكافحة تغير المناخ.
الغابات المطيرة في أفريقيا تدخل الجدل السياسي، ففي الوقت الذي يرى فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الحرائق تشتعل في الغابات المطيرة وسط أفريقيا دون أي اهتمام عالمي، يرى خبراء البيئة أن حرائق الغابات في أفريقيا غالبا ما تكون موسمية ومرتبطة بأساليب الزراعة التقليدية.
في أوج حرائق الأمازون التي ارتفعت نسبتها إلى 79 في المئة هذا العام حتى 25 أغسطس، وفجّرت أزمة عالمية انعكست حماوة في خطابات القوى الكبرى التي اجتمعت في فرنسا خلال الأيام الماضية، تستعر في وسط القارة الأفريقية حرائق أكثر ضراوة وبوتيرة أسرع دون أن تثير أي اهتمام عالمي.
فخلال قمة مجموعة السبع هذا الأسبوع، غرّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تويتر عن الحرائق المشتعلة في وسط أفريقيا، وقال إن الدول تناقش مبادرة مماثلة للمبادرة المقترحة لمكافحة حرائق البرازيل.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الإثنين، من “حالة طوارئ مناخية دراماتيكية”، وحث زعماء العالم على مكافحة مستويات انبعاثات الكربون التاريخية أثناء تواجدهم في فرنسا لحضور قمة مجموعة الدول السبع.
وتعهدت دول مجموعة السبع بتقديم مبلغ 20 مليون دولار لمنطقة الأمازون مقابل طائرات لإطفاء الحرائق.
قد يكون اهتمام ماكرون منطقيا، إلا أن الخبراء يقولون إن حرائق الغابات المطيرة في وسط أفريقيا غالبا ما تكون موسمية ومرتبطة بأساليب الزراعة التقليدية.
وقال خبير من جنوب أفريقيا الثلاثاء، إن الغضب العارم الذي تم التعبير عنه على وسائل التواصل الاجتماعي بزعم أن العالم يتجاهل الحرائق في أفريقيا ويتناول الحرائق الجارية في غابات الأمازون “فاض عن الحد”، ويمثل “سوء فهم”.
وقال البروفيسور هارولد أنيجارن، من جامعة نورث ويست، إن “الغضب الانتقائي يتعارض مع فهم (طبيعة) الحرائق في أفريقيا”.
وتأتي تعليقات أنيجارن بعد تداول صور التقطت عبر الأقمار الصناعية، من نظام معلومات الحرائق التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) -وهو نظام ساعد أنيجارن في تأسيسه- عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى مزاعم تفيد بوجود حرائق في أفريقيا أكثر منها في أميركا الجنوبية.
ويقول أنيجارن إن ذلك قد يكون صحيحا، ولكن الفرق الكبير بين حرائق الأمازون وحرائق أفريقيا، هو أن الحرائق في أفريقيا في هذا الوقت من العام تعتبر أمرا عاديا.
وعادة ما تحدث الحرائق في المناطق الأكثر جفافا، دون الغابات المطيرة، وتأتي في شكل موجة موسمية من الغرب إلى الجنوب، بصورة سنوية.
ويوضح أنيجارن أن ذلك يمثل “ظاهرة طبيعية تكيفت معها النظم البيئية الأفريقية”.
ولا شك في أن تلك المنطقة تلعب دورا هاما في توازن المناخ… فعادة ما تسمى غابة حوض الكونغو “الرئة الخضراء الثانية” للكوكب بعد الأمازون.
تغطي الغابات مساحة 3.3 ملايين كيلومتر مربع، وهي ممتدة على بلدان عدة بما في ذلك ما يقارب الثلث في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبقية في الغابون والكونغو والكاميرون وأفريقيا الوسطى.
ومثل الأمازون تماما، تمتص غابات حوض الكونغو أطنانا من ثاني أكسيد الكربون في الأشجار والمستنقعات التي يعتبرها الخبراء وسيلة أساسية لمكافحة تغير المناخ، كما أنها تعتبر ملاذا لأنواع مهددة بالانقراض.
وهذه الغابات تجذب إليها الكثير من الراغبين في الحصول على الأخشاب المدارية والمواد الخام. ومع تعرض الغابة لخطر الاستغلال الجائر، يصبح المناخ بدوره معرضا لخطر كبير.
لكن معظم الحرائق التي تظهر على خرائط “ناسا” هي خارج مناطق الغابات المطيرة الحساسة كما يقول المحللون، كما أن مقارنتها بحرائق الأمازون أمر معقد أيضا.
وقال فيليب فيربيلن -وهو ناشط بيئي في منظمة “غرينبيس” يعمل في حوض الكونغو- “السؤال (الذي يفرض نفسه) الآن هو إلى أي مدى تصحّ المقارنة؟”.
وقال غيوم ليسكوير -وهو خبير من وسط أفريقيا في المركز الفرنسي للبحوث والتنمية الزراعية “سيراد”- إن الحرائق التي شوهدت في صور “ناسا” كانت غالبيتها تشتعل خارج الغابات المطيرة.
وحضّت حكومة أنغولا على توخي الحذر، قائلة إن إجراء مقارنات بحرائق الأمازون قد يؤدي إلى “تضليل كبير”.
وقالت وزارة البيئة الأنغولية إن هذه الحرائق عادية في نهاية موسم الجفاف.
وأوضحت “هي عادة ما تحصل في هذا الوقت من السنة وفي أجزاء مختلفة من البلاد، إذ يشعل المزارعون الأراضي بهدف إعدادها قبل حلول موسم الأمطار”.
ورغم أنها أقل شهرة من الأمازون، فإن غابات حوض الكونغو ما زالت تواجه مخاطر.
وقال توسي مبانو مبانو -وهو سفير ومفاوض في مسألة المناخ في جمهورية الكونغو الديمقراطية- “الغابة تحترق في أفريقيا لكن أسباب ذلك تختلف (عن أسباب احتراق الأمازون)”.
وأضاف “في الأمازون، تحترق الغابة بشكل رئيسي بسبب الجفاف وتغير المناخ لكن في وسط أفريقيا، يرجع
ذلك أساسا إلى التقنيات الزراعية التقليدية”.
فالعديد من المزارعين يلجأون إلى تقنية القطع والحرق لإزالة الغابات. في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تصل الكهرباء إلى 9 بالمئة فقط من مجموع السكان، لذلك يستخدم الكثير منهم الحطب للطهو والحصول على الطاقة.
وحذر رئيس البلاد فيليكس تشيسيكيدي من أن الغابات المطيرة ستظل مهددة إذا لم تحسّن البلاد قدرتها على إنتاج الطاقة الكهرومائية.
وتشهد الغابون وأجزاء من جمهورية الكونغو الديمقراطية ظاهرة إزالة الغابات فضلا عن تعرضها للأضرار الناجمة عن مشاريع التعدين والنفط.
وتطالب دول حوض نهر الكونغو، الدول المانحة بتوفير المزيد من المساعدات المالية لدعم تنفيذ آلية حماية الغابات ومكافحة انبعاثات الغاز الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويعتقد علماء المناخ أن مستنقعات الغابات في أفريقيا الوسطى التي يتعذر الوصول إليها يمكن أن تكون مخزنا عالميا للكربون أكثر أهمية مما كان يعتقد، ويمكن أن تحتاج إلى مبادرة عالمية للتفكير فيها وحمايتها.
وقال فيربيلن “يجب علينا أن نحمي الغابات التي لا تزال سليمة ونوقف إزالة الأشجار… فهي تبقى أساسية في مواجهة مشكلة تغير المناخ”.