الجزائر: لجنة وساطة أم قناع للنظام الحاكم
في هذا الأسبوع وعد الجنرال أحمد قائد صالح، نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الجزائري، مجددا بالتصدي لعصابة الفساد وملاحقتها حيثما توجد، وأكد أن الانتخابات الرئاسية هي الحل المنشود وأنَ الشعب الجزائري هو من سيختار رئيس البلاد، وقبل هذا التصريح حذَر من “المراحل الانتقالية وخيمة العواقب، التي تروج لها بعض الأطراف التي لا غاية لها سوى تحقيق مصالحها الضيقة ومصالح أسيادها”.
واضح أن قائد الأركان الجزائري يركز كثيرا على استخدام لغة المواربة والتلميح اللتين يمكن أن تخضعا لتأويلات شتى. علما أنَ هذا النوع من اللغة يحيد عن تسمية الأشياء بمسمياتها حرفيا ولكن لا أحد يخطئ أن عبارة “المراحل الانتقالية وخيمة العواقب” التي تضمنتها الكلمة التي ألقاها منذ ثلاثة أيام تتميز بالصرامة، وهي موجهة بالدرجة الأولى إلى شريحة معينة تنشط في إطار الحراك الشعبي ومعروفة برفضها لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل إسقاط النظام الحاكم ورموزه في مختلف مؤسسات الدولة.
في هذا السياق قام عدد من نشطاء الحراك الشعبي بتوجيه الانتقادات لوجهة النظر التي ترى أن الأولوية هي للانتخابات الرئاسية وليس لخيار المراحل الانتقالية على أساس أنه لا توجد الضمانات التي تحول دون تزييف مثل هذه الانتخابات كما حدث في الماضي القريب والبعيد من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن جزءا معتبرا من صناع الرأي العام الوطني لديهم قناعة راسخة مستمدة من التجارب المؤلمة وهي أن المشكلة الأساسية التي تعاني منها الجزائر هي أعمق من إجراء طقوس انتخاب الرئيس للبلاد، ثم العودة إلى المربع الأول البائس المعتاد في المشهد السياسي الوطني.
وفي هذا الشأن عبر الإعلامي الجزائري المعروف والناشط في الحراك الشعبي نجيب بلحيمر قائلا إن “دعاة الانتخابات في أقرب الآجال يتعاملون مع الثورة السلمية كفرصة لزيادة حصصهم مما توزعه السلطة من غنائم السياسة”.
في هذا المناخ المشحون باختلاف وتناقض وجهات النظر والمواقف يلاحظ المرء بروز التجاذبات الحادة، بين لجنة الوساطة والحوار التي يرأسها رئيس البرلمان الجزائري السابق كريم يونس بدعم رسمي من الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح ومؤسسة الجيش من جهة، وبين رئيس حزب حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة ورئيس حزب حركة مجتمع السلم حمس بقيادة عبدالرزاق مقري من جهة أخرى، حول مدى نجاعة لجنة الوساطة والحوار ومدى التزامها بمعايير محددة في التعامل مع مختلف الحساسيات والأحزاب السياسية الجزائرية.
ولقد أثارت هذه المسألة كثيرا من النقاش في وسائل الإعلام الجزائرية وعلى مستوى وسائل الاتصال الاجتماعي. من الملاحظ أن حدوث هذه التجاذبات هو بسبب اتهام الوزير السابق ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة للجنة الوساطة والحوار بأنها عقدت لقاءات سرية مع الأحزاب، أما الخلاف الناشب بين اللجنة المذكورة آنفا وبين حزب حركة مجتمع السلم فهو جراء رفض قيادة هذا الحزب شفويا على الأقل استقبال هذه اللجنة في مقره، فضلا عن دعوة رئيس هذا الحزب لمناضلي حركة حمس إلى مواصلة المشاركة المكثفة في الحراك الشعبي وإلى تكثيف حضورهم في الساحات لمنع ترك المجال للتيار العلماني التي يتهمها بأنها تسعى إلى الانفراد بالهيمنة السياسية التي قد تفرضه طرفا قويا في معادلة الحوار مع السلطات في المستقبل.
وردَ كريم يونس، منسق هيئة الوساطة والحوار، على بن قرينة نافيا أن تكون اللجنة التي يشرف عليها قد عقدت أي لقاء سري مع أي حزب، وعلى نحو متزامن ردَ على حزب حمس مطالبا إياه بموقف رسمي واضح، والتخلي عن التصريحات الشفوية التي تطلقها قيادة هذا الحزب الإسلامي هنا وهناك.
في سياق هذه التجاذبات هناك مسألة حساسة تطفو إلى السطح وتتعلق بالمحاولات المكثفة التي تبذلها لجنة الوساطة والحوار قصد طمس مبادئ الحراك الشعبي بواسطة إجراء حوارات شكلية مع الأحزاب التقليدية التي تجاوزها الزمان بهدف التحايل على المواطنين في محاولة لتسويق نفسها على أساس أنها لجنة عقلاء محايدة في وسط “مجنون”، وأنها غير مرفوضة من طرف أحزاب المعارضة، ولكن مثل هذا السيناريو لا ينطلي على نشطاء الحراك الذين يؤكدون باستمرار أن هذه الأحزاب لا تمثل الحراك الساعي إلى التغيير الجذري للنظام، ويرفضون أيضا لجنة الوساطة والحوار باعتبارها ليست سوى أحد أقنعة النظام الحاكم.
وفي هذا الخصوص كتب الناشط السياسي محمد أرزقي فرَاد قائلا “لقد صدمني قبول بعض الأحزاب استقبال أعضاء لجنة الحوار المرفوضة شعبيا، صدمة كانت أشد وقعا عليّ من الصاعقة. فأين شعار ‘نصرة خيار الشعب’ الذي طالما تشدقوا به في فعاليات قوى التغيير الذي انبثق عنه منتدى عين بنيان في 6 يوليو 2019؟ وهل تعدّ هذه المغازلة السياسية مؤشرا على نأي الأحزاب بنفسها عن مبادئ الحراك الثورية التي لا ترى بديلا عن التغيير الجذري؟