انتخابات الرئاسة التونسية.. هل يغير فشل الطبقة السياسية توجهات الناخب
عدم تحقيق الوعود يفقد الناخبين الثقة بالأحزاب السياسية، وفشل المنظومات الحاكمة طيلة ثماني سنوات في تلبية تطلعات التونسيين سيؤثر على نتائج الانتخابات.
تستعد تونس لإجراء الانتخابات الرئاسية يوم 15 سبتمبر المقبل وذلك وسط تغيرات كبرى في مستوى الخارطة السياسية المتقلّبة وغير المستقرة على مستوى التحالفات والمصالح السياسية المشتركة خاصة بين أحزاب الحكم، وكل هذا أدى إلى ظهور العديد من الأسماء غير المتحزبة والحاملة لخطابات شعبوية هدفها كسر نمطية المشهد للقطع مع المدارس السياسية التقليدية التي تشكّلت بعد ثورة يناير 2011.
قبيل أيام فقط من إجراء تونس للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في 15 سبتمبر، التي يتقدم لخوضها 31 مرشحا لخلافة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، مازالت توجهات الناخب لم تتحدّد بعد في ظل ترشيح المدارس السياسية التقليدية اليمينية الليبرالية واليمينية الدينية واليسارية لأكثر من مرشح يحمل نفس المرجعية.
ويرى الكثير من المحللين أن الخارطة السياسية المستقبلية في تونس ستحدّدها الانتخابات الرئاسية التي تسبق لأول مرة منذ ثورة يناير 2011 الانتخابات التشريعية وأن فشل الطبقة السياسية الحاكمة طيلة ثماني سنوات في تلبية تطلعات التونسيين سيؤثر على نتائج الانتخابات.
حول كل هذه الإشكاليات تطرق المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية، تشاتام هاوس، إلى الوضع السياسي الذي يسبق الانتخابات الرئاسية في تونس، مستندا إلى معطيات وأرقام وتطورات في الساحة السياسية بالبلاد.
ويقول كاتب المقال د. لاريسا شومياك، إن الانتخابات الرئاسية التونسية ستمنح حق الاختيار بين المرشحين، مما يعكس الوضع السياسي في البلاد في فترة التحضير لانتقال السلطة أمام تواصل الانقسامات بين الأحزاب التقليدية والتحالفات والقوى الشعبوية المناهضة للمؤسسة.
ويؤكد أنه منذ ثورة 2011، تغير المشهد السياسي التونسي حيث تم تشكيل ائتلافات انتخابية وحل بعضها، كما تحولت الأحزاب السياسية الكبيرة إلى أحزاب أصغر وانهار بعضها بسبب الشقوق الناتجة عن الخلافات داخل قياداتها. وفي هذا السياق، يعكس المرشحون الرئاسيون برامج حزبية أقل ويركزون أكثر على بناء شخصيتهم وتحديد أهدافهم الخاصة أمام الناخبين.
ويستند تقرير المعهد إلى ما كشفته أحدث بيانات منشورة من الاستطلاعات التي نظمتها شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة (2016) عن تراجع الثقة في العملية السياسية والمؤسسات في تونس. ويذكر أنه على سبيل المثال، سجلت النتائج 65 بالمئة من التونسيين الذين عبروا عن تضاؤل ثقتهم في الحكومة أو انعدامها، وبلغت هذه النسبة 57 بالمئة في ما يتعلق بمدى الثقة في النظام القانوني، و72 بالمئة بالنسبة للثقة في البرلمان. وفي الوقت نفسه، تظهر الاستطلاعات ثقة متزايدة في المؤسسات الأمنية، حيث أكد 69 بالمئة من التونسيين ثقتهم الكبيرة في الشرطة، ويثق 93 بالمئة منهم في الجيش.
وتنبع خيبة أمل المواطنين التونسيين من المظالم الاجتماعية والاقتصادية. وتحولت مشاعرهم لتؤثر على مدى ثقتهم في المؤسسات السياسية إذ يشعرون أنها تتجاهل نفس القضايا التي دفعت المواطنين إلى النزول إلى الشوارع بدلا من الاعتماد على صناديق الاقتراع.
المرشحون يعكسون برامج حزبية أقل ويركزون أكثر على بناء شخصيتهم وتحديد أهدافهم الخاصة
ويشير شومياك إلى أنه من غير المفاجئ أن المرشحين الأبرز للانتخابات المقبلة لا ينتميان إلى أي من الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس نواب الشعب. فعلى الرغم من الاتهامات التي يواجهها بعد تقرير بيّن تهربه الضريبي، يعدّ نبيل القروي أحد رجال الأعمال والإعلامي البارز نبيل القروي من المرشحين الأساسيين. ويتبعه أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيد.
ويذكر أنه تم توقيف رجل الأعمال نبيل القروي منذ الجمعة الماضي بعدما أصدر فيه القضاء بطاقة إيداع بالسجن، ما جعل أصابع الاتهام تتوجه إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد المرشح بدوره لانتخابات الرئاسة.
كما تشمل قائمة المرشحين وزير الدفاع المستقيل عبدالكريم الزبيدي. ويعتبر الأخير، وهو وزير سابق في عهد بن علي، صاحب الفضل في الحفاظ على استقرار البلاد خلال مرض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
ويتميز المشهد السياسي في تونس بالتذبذب، حيث يذكر التقرير أن حزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الراحل، كان يتمتع بالأغلبية في الائتلاف الحاكم إلى أن أدى الخلاف الداخلي إلى انشقاقات داخله، حيث ظهرت أحزاب منشقة منه مثل تحيا تونس، بقيادة رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.
كما امتدت التوترات إلى حركة النهضة الإسلامية، حيث أعلنت أنها تدعم رئيس البرلمان المؤقت عبدالفتاح مورو، كأول مرشح تقدمه للرئاسة منذ تأسيسها.
ومن بين المتنافسين الآخرين، تعتبر عبير موسي مرشحة بارزة، وقد اكتسبت دعم بعض التونسيين تدريجيا مع خطابها المتشدد المناهض للإسلام السياسي. كما حاولت جمع التونسيين الذين يحنون إلى دكتاتورية بن علي.
كما ترشح محمد عبو عن التيار الديمقراطي، وقدم الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي ترشحه ودعمه تحالف “تونس أخرى” وكذلك زعيم ائتلاف الجبهة الشعبية اليسارية حمة الهمامي.
ويستند شومياك في مقاربته إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية في تونس المهيأة لظهور المرشحين ورجال الأعمال السياسيين الذين يرى فيهم التونسيون تحولا عن الوضع الراهن على الرغم من بعدهم عن الواقع المعيش.
ورغم بعد البلاد عن تأثيرات صعود الشعبوية اليمينية في الغرب، فقد أصبح صعود هؤلاء الأفراد وفق الكاتب أمرا محتملا بالتأكيد. وتقترن الرغبة في السياسة المعادية للمؤسسة بالاعتماد الشديد على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار في تونس.
ويرجح أن يتم تحديد الحملات الرئاسية والتشريعية القادمة من خلال ثلاثة اتجاهات سياسية؛ حيث يكمن الاتجاه الأول في نسخة من المشهد السياسي الحالي كما هو أي مبني على شكل من أشكال التحالفات الأيديولوجية القائمة منذ سنة 2011 بالإضافة إلى زيادة نفوذ النهضة.
ثانيا، اتجاه له حنين سياسي رجعي يتجلى في الرغبة في التمتع بحكومة تكنوقراطية، والذي يمثله ترشيح وزير الدفاع الحالي وصعود المرشحين الليبراليين الشباب.
أما الاتجاه الثالث، فيمثله تزايد دعم المرشحين المناهضين للمنظومة الذين يسعون إلى الابتعاد عن كل ما يربطهم بالتاريخ السياسي الحديث في تونس.