اقتصاد الجزائر يترنح فوق أزمات عميقة
يبدو الاقتصاد الجزائري ظاهريا، وكأنه خرج سالما من الاضطرابات السياسية المستمرة منذ 6 أشهر، في وقت تتواصل فيه عوائد النفط والغاز، لكن النظرة المتفحصة تظهر أنه ينزلق في أزمات عميقة خارج الاقتصاد الحكومي الكبير الذي تسيطر عليه البيروقراطية الحكومية.
تواصل جيوش الموظفين الحكوميين في الجزائر حياتها دون تغيير يذكر منذ عزل الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لكن الكواليس تكشف عن تفاقم التوتر بين نخب المؤسسات السياسية والعمالية والعسكرية وقطاع الأعمال من جهة وبين الضغوط الشعبية الساعية لإقصائها.
وتبدو ملايين الوظائف التي تنعم باستمرار تدفق عوائد النفط والغاز اليوم عرضة للخطر مع تباطؤ النشاط الاقتصادي في وقت تظهر فيه البيانات الحكومية أن ربع الشباب دون 30 عاما يعانون من البطالة.
وفي هذه الأثناء تتواصل تحقيقات الفساد مع أباطرة الأعمال المعتقلين بتهم الإثراء غير المشروع من علاقاتهم بالنظام السابق، بوتيرة بطيئة ويتواصل شلل الشركات التابعة لهم، التي تعمل في قطاعات تمتد من إنتاج السكر إلى تجميع السيارات بسبب تجميد حساباتهم المصرفية.
ويقول مالك، وهو أحد 15 ألف موظف يعملون لدى رجل الأعمال المعتقل علي حداد، إنه فقد عمله كصحافي لدى تلفزيون دزاير بعد أن أخبره المديرون بأنه “لم تعد هناك أي أموال أخرى متاحة”.
وينفي حداد ارتكاب أي مخالفات وتقول الحكومة المؤقتة إنها ستبحث عن وسيلة لصون الوظائف غير أن المئات من العاملين لدى حداد انضموا إلى صفوف المتظاهرين بعد أن انقضت 3 أشهر دون صرف الأجور.
وبسبب الشلل السياسي أحجمت الحكومة المؤقتة عن إصلاحات مزمعة بدأ تنفيذها قرب نهاية حكم بوتفليقة من أجل إنهاء العمل تدريجيا بالدعم الحكومي وفتح الاقتصاد أمام الاستثمار وخلق المزيد من الوظائف خارج المؤسسات العامة المترهلة.
وتجمد العمل على قانون جديد للطاقة يهدف إلى تقليل البيروقراطية وتصاعد القلق داخل شركة سوناطراك الحكومية، التي تأمل في زيادة الإنتاج بالتعاون مع شركات النفط العالمية الكبرى.
وقال مصدر في سوناطراك إن “الإنتاج مستمر لكن كل ما عداه مجمد تماما بما في ذلك المحادثات مع إكسون وشيفرون” بسبب حساسية أي صفقة مع شركة أجنبية قبل وصول رئيس دائم للبلاد. وأضاف المصدر “الرؤية غائبة حاليا لأن العوامل السياسية وليس الاقتصادية هي التي تتصدر جدول الأعمال”.
ولم تصدر الحكومة أي توقعات للنمو هذا العام لكن عبدالرحمن عية أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر رجح أن يتراجع النمو بنسبة واحد بالمئة وربما أكثر مقارنة بالعام الماضي حين بلغ 2.3 بالمئة. وأضاف “ليس بوسع أحد الآن أن يتصور ضخامة المشكلة الاقتصادية”.
وجاء سقوط بوتفليقة في وقت بدأت فيه السلطات محاولة إقناع المواطنين بأن دولة الرفاه، التي توفر لمواطنيها وظائف غير منتجة بالدولة وتضمن رخص المسكن والوقود والغذاء والدواء والرعاية الصحية المجانية، لم تعد قابلة للاستمرار.
ويدر النفط والغاز 94 بالمئة من إيرادات التصدير و60 بالمئة من ميزانية الدولة لكن إيرادات القطاع انخفضت بنسبة 6.3 بالمئة إلى 17.65 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام إذ عمل استهلاك الطاقة المتزايد على تناقص الصادرات.
وتوفر الواردات السنوية، التي يبلغ متوسط قيمتها 50 مليار دولار، أغلب احتياجات البلاد جراء التردد في السماح بالاستثمار الأجنبي بسبب حرب الاستقلال عن فرنسا التي استمرت من 1954 إلى 1962 وبسبب العلاقات القوية التي كانت تربط الجزائر بالاتحاد السوفياتي. وأوضحت البيانات الجمركية أن العجز التجاري ارتفع بنسبة 12 بالمئة في النصف الأول من العام الجاري.
وكتب عبدالحق لعميري المستشار الاقتصادي السابق للحكومة يقول في صحيفة الوطن “كل شيء يشير فيما يبدو إلى أن البلاد تشهد فترة طويلة من الغموض الاقتصادي.. الحكومة لا تملك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية”.
وقال الخبير الاقتصادي هواري تغرسي عضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان إن “المستثمرين متخوفون وإن القدرات الإنتاجية خارج قطاع الطاقة انخفضت بنسبة 50 بالمئة”. وأضاف “إذا استمرت الأزمة فلن نشهد فقط انخفاضا في النمو بل إن الاقتصاد سيواجه كارثة”.
وقاوم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح دعوات إلى الاستقالة أطلقها المحتجون الذين يرون فيه رمزا من رموز النظام القديم. وهو يقول إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو إجراء الانتخابات “بأسرع ما يمكن”.
ورغم فتح قطاعات مثل المواد الغذائية والأجهزة المنزلية والهواتف المحمولة أمام الشركات الخاصة فقد سجلت القطاعات غير النفطية نموا بنسبة أربعة بالمئة فقط ارتفاعا من 2.2 بالمئة في العام السابق. وفي غضون ذلك فإن البيروقراطية متفشية ولا تملك بنوك الدولة المهيمنة خبرات تذكر في عمليات الإقراض التجاري.
وتعهدت الجزائر بتطوير صناعة السيارات لكنها قلصت حصص مكونات السيارات المستوردة لخطوط تجميع السيارات الخاصة وذلك بعد أن ارتفعت فاتورتها بمقدار الخمس إلى 1.2 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري. وانخفضت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي لتصل إلى 72.6 مليار دولار بعد أن كانت عند 178 مليار دولار في 2014.