الأوروبيون يفشلون مجددا في تخفيف التوتر بين واشنطن وطهران
انتهزت إيران زيارة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الأحد، إلى فرنسا على هامش أشغال قمة مجموعة السبع لتقديم نفسها محاورة وملبية للشروط الغربية بشأن المحافظة على الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن ودخل مرحلة الاحتضار، لكن نتائج الزيارة لا تعدو إلا أن تكون اختراقا بسيطا وبدعم فرنسي معروف للموقف الإيراني، ولن تغير الكثير في المعطيات السياسية لواشنطن الماضية في ممارسة أقصى درجات الضغط تزامنا مع انفتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحوار لكن بشروطه.
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين أن مجموعة السبع موحدة بشأن إيران، خصوصا بشأن الهدف المشترك المتعلق بضمان عدم حيازتها أسلحة نووية.
وأشار ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى “وحدة صف كبرى” إزاء إيران.
وأوضح “لقد وصلنا تقريبا إلى استنتاج” في هذا الصدد، بينما قالت ميركل إن المفاوضات المتعلقة بتحقيق الهدف “تسير ببطء”.
وكرر ترامب بذلك الموقف الذي أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد وهو أن قادة دول مجموعة السبع يتشاركون في الأهداف نفسها بشأن إيران لكن استراتيجيتهم بصدد الملف الإيراني متباينة.
وكان ترامب قد أظهر في وقت سابق مرونة إزاء الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بياريتس، بدعوة من ماكرون، للقاء نظيره الفرنسي جان-إيف لودريان.
وكان قد أبلغ سابقا بهذه الزيارة، وامتنع عن الإدلاء بأي انتقادات في صددها، مؤكدا أن إيمانويل ماكرون “طلب موافقتي فقلت له: إذا كان ذلك ما تريده، فامض قدما”، مضيفا “كنت على علم بكل ما كان يقوم به ووافقت”.
ولكنه لم يشأ لقاء ظريف، الذي فرضت عليه بدءا من الأول من أغسطس الجاري عقوبات أميركية، معتبرا أنه “من المبكر جدا” عقد لقاء مع وزير الخارجية الإيراني.
ويريد الأوروبيون الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه واشنطن مطالبة بالمزيد من القيود على السياسة الدبلوماسية والعسكرية الإيرانية، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية مشددة على طهران.
وتحاول فرنسا اقتراح تسوية على الطرفين الإيراني والأميركي، عبر التفاوض حول اتفاق يسمح لإيران بتصدير جزء من نفطها مقابل استئنافها تطبيق التزاماتها المتعلقة بالشق النووي. ولم تشر الولايات المتحدة إلى عزمها تخفيف أي عقوبات كما أن نوع آلية التعويض التي أشار إليها ماكرون ليس واضحا. ولم يُفعّل بعد مقترح بشأن قناة تجارية لتبادل المساعدات الإنسانية والأغذية مع إيران.
وقال ظريف على تويتر “الطريق أمامنا صعب. لكن يستحق المحاولة”. وقال إنه بالإضافة إلى الاجتماع مع القادة الفرنسيين قدم إفادة مشتركة لمسؤولين من ألمانيا وبريطانيا.
وسعى مسؤولون فرنسيون إلى وصف الاجتماع بالمهم من أجل “تنقيح الاقتراحات الإيرانية” للمساعدة في نزع فتيل الأزمة.
وقال مسؤول فرنسي بعد الاجتماع “المناقشات التي عقدت بين الرئيس وظريف كانت إيجابية وستستمر”. وامتنع عن الرد على أسئلة تفصيلية.
وفي حين يريد حلفاؤه الأوروبيون أيضا إجراء محادثات جديدة، فإنهم يعتقدون أنه يجب دعم الاتفاق النووي، نظرا لأنه يفرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني.
وأخذ ماكرون زمام المبادرة في أوروبا لمحاولة إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني وتجنب أزمة أعمق في الشرق الأوسط، واجتمع مع ظريف في باريس الجمعة. وناقشا مقترحات لاحتواء الأزمة من بينها تخفيف بعض العقوبات الأميركية أو منح إيران آلية تعويض اقتصادي لعائدات النفط المفقودة بسبب العقوبات الأميركية.
وعلى الرغم من أن ماكرون قضى ساعتين مع ترامب في مأدبة غداء السبت، وأن جميع قادة الدول السبع ناقشوا الملف الإيراني باستفاضة، لا يبدو أن الرئيس الأميركي يعتزم تخفيف العقوبات النفطية كما سعى ماكرون.
وقال دبلوماسي أوروبي مطلع على المناقشات إن القادة فشلوا في إقناع ترامب على العشاء السبت.
وبدا الرئيس الأميركي الأحد وكأنه يستخف بجهود الوساطة الفرنسية مع إيران إذ قال إنه رغم سعادته بمساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتهدئة التوتر مع طهران، فإنه سيواصل مبادراته الخاصة.
وتدرك طهران جيدا أن القادة الأوروبيين أعجز من أن يساعدوها على تلافي العقوبات الأميركية وأن الذهاب إلى التفاوض مع صاحب القرار مباشرة يستوجب القليل من الوقت ودعما دبلوماسيا تعمل إيران على تحفيزه عبر الترفيع في سقف التهديدات تارة والتهدئة تارة أخرى.
ويرى مراقبون أن إيران تريد من خلال تصعيدها ضد حلفائها الأوروبيين وحشرهم في الزاوية التمديد في آجال الجهود الدبلوماسية لربح المزيد من الوقت، إلى حين إيجاد وصفة تذهب بها للتفاوض مع واشنطن مباشرة وتحفظ ماء الوجه، إذ لم تفاوض إيران قبل هذا من موقع ضعف.
ويرجّح هؤلاء أن تقبل إيران التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي جديد يشمل برنامجها الصاروخي الباليستي، في ظل تعرضها لعقوبات أثّرت بشكل كبير على اقتصادها.
ويرى مسؤولون أميركيون أن “إدارة الرئيس دونالد ترامب تفضّل حلا سياسيا مع طهران على أساس أن التجارب السابقة أظهرت أن الدخول في حرب أسهل بكثير من الخروج منها، فالحرب ستكون باهظة الثمن للطرفين”.
وقالت مصادر دبلوماسية إن “واشنطن تهدف بشكل أساسي إلى إنهاء دعم إيران للإرهاب والميليشيات الحليفة لها في المنطقة، وفرض قيود على برامجها الصاروخية، والتفاوض بشأن اتفاق نووي جديد يحل مكان اتفاق عام 2015”.
وحتى الآن يقول الخبراء إن النهج الأوسع للسياسة الخارجية لإدارة ترامب، يعتمد على ممارسة أقصى الضغوط على الخصوم لإجبارهم على تقديم التنازلات.