مخاوف من اكتساح الشعبويين والإسلاميين السباق الرئاسي التونسي
يتحرك المجتمع المدني التونسي لمنع سيناريو يوصف بالكارثي يتمثل في سيطرة الإسلاميين والشعبويين على الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المقبلة مستفيدين من تشتّت العائلة الحداثية، حيث يدعو إلى ضرورة توافق الحداثيين على مرشح واحد للرئاسة.
حذّر المجتمع المدني في تونس من اكتساح حزب حركة النهضة (إسلامي) وحزب “قلب تونس” لرئيسه نبيل القروي، الذي تحوّل إلى رمز للشعبوية الصاعدة في البلد، للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والمزمع إجراؤها في 15 من سبتمبر المقبل.
وتعكس المبادرة التي أطلقها نشطاء المجتمع المدني إضافة إلى مثقفين وجامعيين وسياسيين، وتطالب بتوحيد مرشح العائلة الديمقراطية، خشية حقيقية من ألا تكون نتائج الانتخابات الرئاسية في صالح الحداثيين، ما قد ينجر عنه تبعات وخيمة على الديمقراطية الناشئة في البلد.
ووجه نشطاء المجتمع المدني، الاثنين، خلال لقاء إعلامي، نداء إلى جل مرشحي العائلة الديمقراطية بهدف الالتفاف حول مرشح توافقي، ما يسمح بمواجهة قوية لجميع المنافسين ويعزز من حظوظ الفوز.
وتأتي تحذيرات المجتمع المدني بهدف تجنب “سيناريو كارثي” يسيطر فيه الإسلاميون والشعبويون على الدور الثاني، وعليه فقد طالب بضرورة تكاتف الجهود لإبعاد شبح هذا السيناريو.
وقال هشام سكيك الناشط السياسي ، “هدفنا إنجاح مرشح العائلة الديمقراطية للمرور إلى الدور الثاني ثم حتى يكون رئيسا للجمهورية”. وتابع بقوله “هذا النجاح يمر عبر إفشال مرشح الخصوم والمنافسين الذين ينتمون تحديدا إلى التيار الإسلامي الذين يحملون مشروعا مغايرا عن المجتمع التونسي، إضافة إلى التصدي للشعبوية التي تستغل متاعب الناس لاستقطباهم”.
حزب حركة النهضة يظل المستفيد الأول من خلافات بقية الأحزاب العلمانية المنافسة له، حيث يدعم تشتتُ الحداثيين مرشحه للرئاسة عبدالفتاح مورو
ويرى نشطاء المجتمع المدني أن تعدد مرشحي العائلة الديمقراطية في ظاهره خطوة جيّدة غير أنه ضمنيا هو تعدد سلبي ومفرط، حيث يفاقم حيرة الناخبين في اختيار مرشحهم. وتبعا لذلك سيعيق هذا التشتت مرور مرشحي هذه العائلة إلى الدور الثاني ولن تكون أصوات الناخبين كافية.
وأشار نورالدين الترهوني الناشط بالمجتمع المدني ، إلى أن “المشهد الانتخابي بلغ مرحلة مرتبكة، خاصة أن برامج جميع المرشحين غير مقنعة، كما أن تعدد مرشحي ذات العائلة الفكرية يصعّب عملية الاختبار أمام الناخب”. وعبر عن مخاوفه من عزوف عقابي خاصة من الشباب تعبيرا عن استيائهم من صراع النخب السياسية والحزبية على السلطة وإهمالها مشاغل الشارع الحقيقية.
ويريد المجتمع المدني الالتفاف حول مرشح توافقي بغية توسيع القاعدة الانتخابية، كما يشدد على أنه لن ينحاز إلى طرف على حساب آخر، فالمشكلة برأيه في العدد ولا تكمن في مرشحين بأعينهم، غير أن هذه الخطوة تصطدم بحسابات سياسية لانعكاس نتائج السباق الرئاسي على الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر القادم.
وعلى الرغم من تجنّب المناصب العليا منذ عام 2014، فلا يزال حزب حركة النهضة هو أكبر حزب في البلاد، ويحتفظ بقاعدة شعبية ممتدة حتى في المدن والقرى الصغيرة في جنوب البلاد وشمالها على عكس الأحزاب العلمانية التي شهدت انشقاقات وصراعات عصفت بكيان العديد منها.
وشهد حزب نداء تونس الفائز بانتخابات 2014 انشقاقات كبيرة هزت صفوفه وغادر العديد من القادة من بينهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أسس حزبه “تحيا تونس” وأصبح ثاني قوة في البرلمان بعد النهضة.
ويجمع المراقبون على أن حزب النهضة يظل المستفيد الأول من خلافات بقية الأحزاب العلمانية المنافسة له، حيث يدعمُ تشتُت الحداثيين مرشحه للرئاسة عبدالفتاح مورو.
وعبر دعوته التي حصدت إمضاء أكثر من 400 شخص، يراهن المجتمع المدني على خلق استقطاب جديد يمر بإعادة تجميع العائلة التقدمية لكسر هيمنة الإسلاميين في الانتخابات.
ومع ذلك يشكك المراقبون في قدرة هذه المبادرات على التأثير على الشارع التونسي، الذي يفقد يوما بعد يوم ثقته في الأحزاب التقليدية ولم تعد تغريه الوعود.
وحذر عبدالعزيز المسعودي، عضو مجموعة “يساريون لتصحيح المسار”، من أن انقسام العائلة الديمقراطية ينعكس سلبا على نتائج الانتخابات التشريعية لكن الخطر الأكبر من وجهة نظره أن “هذا الانقسام لا يخدم مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس”.
وزادت تعقيدات المشهد السياسي في تونس منذ توقيف المرشح الرئاسي البارز نبيل القروي، ووُجِّهت إلى القروي وشقيقه غازي في 8 يوليو تهمة “تبييض الأموال”، وقد أوقف الأول الجمعة في أثناء عودته من باجة في شمال غرب البلاد حيث افتتح مقرا جديدا لحزبه.
واتهم حزب “قلب تونس” رئيس الوزراء يوسف الشاهد بالسعي إلى قطع الطريق على منافسه القوي، مما يفاقم التوتر قبل ثلاثة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية. وتكشف هذه الخطوة عن مخاوف حقيقية من نجاح شخصية شعبوية مثل نبيل القروي في الانتخابات الرئاسية.
ويعتقد رجل الأعمال وقطب الإعلام نبيل القروي أن انتخابات 2019 ستعلن نهاية الأحزاب التقليدية أسوة بما يحدث في الديمقراطيات العريقة في العالم.
وعلى الرغم من الملاحقة القضائية واتهامات التهرب الضريبي فقد حقق القروي وحزبه الناشئ “قلب تونس” مفاجأة مزلزلة للأحزاب الكبرى بتصدره نوايا التصويت خلال الأربعة أشهر الأخيرة على التوالي لعمليات سبر الآراء، وبات يهدد بفرقعة المشهد السياسي السائد منذ 2011 وانتخابات 2014، كما لا يخفي طموحه في الحصول على أغلبية صريحة في البرلمان بموازاة طموحه في الفوز بالرئاسة.
ولا يستبعد بعض المراقبين أن تؤدي عملية توقيف القروي الرامية إلى تقليص فرصه مفعولا عكسيا، وأن تعزز شعبيته بعدما أصبح الرأي العام يعتبره “ضحية سياسية”.
ويثير هذا مناخ السياسي المشحون مع احتدام المنافسة على كرسي قرطاج قلق التونسيين بمن فيهم الحداثيون، مما يزيد التوقعات بعزوف عقابي يقلص حظوظ العائلة الديمقراطية، في مقابل مزيد تغول حركة النهضة الإسلامية في الحكم.