الجزائر تعيّن مشغلين لشركات كبار المتهمين بالفساد
أنهت الجزائر أخيرا الجدل المستمر منذ أسابيع حول تجميد القضاء أصول الشركات التابعة لشخصيات تخضع للتحقيق في اتهامات بالفساد والإثراء غير المشروع من خلال علاقاتها بالحكومات السابقة، عبر تعيين مشغلين لها لتفادي تداعيات توقف نشاطها.
انتقلت الجزائر إلى المربع التالي من معالجة أزمة شلل الشركات المملوكة لرجال أعمال كبار متهمين بالفساد حين كشفت عن تعيين مسؤولين لتسييرها وضمان استمراريتها.
ويأتي التحرك بعد اتساع الاحتجاجات التي نظمها الآلاف من العاملين في تلك الشركات للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة، وعدم تحميل العاملين وزر ما ارتكبه أصحابها الموقوفون تجاه المال العام.
وذكرت النيابة العامة في بيان مساء الأحد أن قاضي التحقيق المكلف بملفات هذه الشركات أصدر بتاريخ 22 أغسطس 2019، أوامر بتعيين 3 متصرفين إداريين من الخبراء الماليين المعتمدين أوكل إليهم تسيير المؤسسات المعنية.
وأوضحت أن تعيين المسيّرين الإداريين جاء وفقا لأحكام القانون التجاري وتحت وصاية ورقابة قاضي التحقيق عملا بتدابير قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
وشرح البيان أن هذه الإجراءات جاءت “في إطار التحقيقات القضائية المفتوحة ضد بعض رجال الأعمال أصحاب شركات اقتصادية منها مجمعات حداد وطحكوت وكونيناف”، في إشارة إلى رجال الأعمال علي حداد ومحي الدين طحكوت والإخوة كونيناف.
ووفق البيان، فإن هذا التعيين جاء “سعيا للحفاظ على استمرارية نشاطات هذه المؤسسات، وضمانا لمناصب الشغل وللوفاء بما عليها من التزامات تجاه الغير”.
النيابة العامة أوكلت لثلاثة متصرفين إدارة كافة الشركات المملوكة لرجال أعمال محبوسين بتهم تتعلق بالفساد
وختم بالإشارة إلى أن نفس الإجراءات سيتم اتخاذها في باقي الملفات التي يوجد بها مسيرون لمؤسسات خاصة محل تدابير قضائية بسبب فتح متابعات جزائرية ضد أصحابها.
وجاء تعيين السلطات لمسيرين إداريين لشركات خاصة يوجد ملاكها في السجن بعد تجميد أرصدتها البنكية من طرف القضاء، وتعذر عليها متابعة أنشطتها أو صرف رواتب موظفيها.
ومنذ أسابيع تتكرر احتجاجات ووقفات لعمال وموظفين بشركات تابعة لرجال الأعمال المحبوسين، بسبب عدم تلقيهم رواتبهم منذ أشهر.
وقبل أسابيع، تعهّد الرئيس عبدالقادر بن صالح ورئيس الوزراء نورالدين بدوي، باتخاذ تدابير لحماية المؤسسات التي جرى توقيف ملاكها في إطار تحقيقات “فساد”؛ حفاظا على استمرار النشاط والإنتاج وحماية لمناصب الشغل.
ومنذ أشهر يباشر القضاء الجزائري تحقيقات في قضايا فساد مسّت شركات تابعة لرجال أعمال مقربين من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة أفضت إلى حبس ملاكها.
وتسود حالة من الشلل في العديد من المؤسسات الخاصة، بعد سجن مالكيها، وبينها مصنع لتجميع السيارات والمركبات في ولايتي تيارت وغليزان المملوكتين لرجلي الأعمال طحكوت وعولمي.
ويعتبر مجمع أو.تي.آر.أتش.بي المملوك لرجل الأعمال علي حداد، أكبر المتضررين من إجراءات التحفظ، حيث عرضت العائلة التي تملكه، أسهمها في نادي اتحاد الجزائر لكرة القدم للبيع.
كما عرضت للبيع أيضا المجموعة الإعلامية “وقت الجزائر” لتخفيف الأزمة العميقة التي تمر بها مجموعة الأشغال العمومية والبنى التحتية نتيجة تجميد الحسابات البنكية وتشديد الرقابة على مداخيل المؤسسة.
وتسعى الحكومة من خلال الخطوة إلى تفادي انفجار اجتماعي يمكن أن يفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي بالبلاد. وهناك مخاوف من التداعيات القانونية التي تفرزها النزاعات الاجتماعية التي قد تنشأ عن توقف تلك الشركات عن دفع مستحقاتها تجاه شركائها.
ومن أبرز تلك التداعيات هو ما قد ينجم من أعباء مالية على الخزينة العمومية، في حال عدم الوفاء بمستحقاتها تجاه صناديق التأمين والتقاعد والضمان الاجتماعي والضرائب والتأمينات.
وكانت وزارة المالية قد أشارت في وقت سابق إلى أن المسيّرين الجدد سيعتمدون الإدارة الموروثة والشريك الاجتماعي لضمان استمرارية تلك المؤسسات.
وأكدت أن لجنة قطاعية أطلقتها الحكومة للتكفل بوضعية تلك المؤسسات، تستهدف حماية أدوات إنتاج الشركات المعنية وإمكاناتها التوظيفية والمحافظة على مصالح الدولة في إطار الصفقات الناشئة عن الطلب العمومي المبرمة مع هذه الشركات.
مخاوف من التداعيات القانونية التي تفرزها النزاعات الاجتماعية التي قد تنشأ عن توقف تلك الشركات عن دفع مستحقاتها تجاه شركائها
وأوضحت أن اللجنة ستسعى إلى تأمين السوق الداخلي قياسا بحصص الصفقات التي تمتلكها بعض تلك الشركات والحفاظ على الخدمات في بعض قطاعات الخدمات الحساسة كالنقل الجامعي والحضري.
وينحصر نشاط رجال الأعمال المحبوسين في الأشغال العمومية والبنى التحتية التي كان يحتكرها حداد وفي تجميع السيارات والمركبات من علامات أوروبية وآسيوية وبدرجة أقل بعض الصناعات الغذائية والإلكترونية.
وهناك استثناء وحيد هو رجل الأعمال المحسوب على المعارضة السياسية يسعد ربراب الذي يملك مجمع سيفيتال، المعروف باستثماراته الإنتاجية في مجالات عديدة مثل الزيوت الغذائية والسكر وصناعة الإلكترونيات المنزلية.
وذكرت تقارير مالية حديثة أن رجال الأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة، يستحوذون على معظم الثروات والأموال والعقارات في البلاد.
وتشير التقديرات إلى أن ثروة علي حداد تبلغ نحو 5 مليارات دولار يليه رجال الأعمال محمد بايري وأحمد معزوز وعبدالرحمن بن حمادي والعيد بن عمر وغيرهم.
وتظهر التقارير أيضا أن 70 بالمئة من إجمالي القروض المصرفية يحتكرها أعضاء جمعية منتدى رؤساء المؤسسات، التي كانت تضم تلك الشخصيات، وأن غالبية القروض لم تسترجع أو أنها أبرمت دون ضمانات حقيقية.