سجن وزير العدل يصعد دعوات محاكمة بوتفليقة
ما زالت الاستفهامات تطرح في الجزائر، حول مصير رأس النظام السابق في ظل الحملة القضائية المفتوحة ضد رموزه والمقربين منه، بداية من مستشاره الشخصي وشقيقه الأصغر، إلى ذراعه القانونية لسنوات طويلة، حيث تصاعدت الدعوات في الآونة الأخيرة، من أجل مثول الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة أمام القضاء، بوصفه المسؤول الأول عن البلاد.
وشكل قرار سجن وزير العدل السابق طيب لوح بعد مثوله أمام القضاء نهار أمس الخميس، إدانة سياسية وأخلاقية جديدة لنظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بوصفه الرجل الأول في القطاع الذي ظل حريصا على حماية المنظومة الحاكمة من المساءلة والمتابعة القضائية، وذراعا لتصفية المناوئين للسلطة.
ويعتبر طيب لوح من الرجال الأقوياء في نظام بوتفليقة، وذراعا طويلة خنقت الأصوات المعارضة، مما أكسبه نفوذا قويا داخل المنظومة يوازي أو يفوق نفوذ رؤساء الوزراء السابقين كأحمد أويحيى وعبدالمالك سلال.
وكون لوح منذ اعتلائه مناصب حكومية مختلفة مع مطلع الألفية، شبكة قوية وجدران حماية له ولرموز النظام السياسي السابق، حيث تحولت وزارة العدل إلى سد منيع تسقط أمامه كل محاولات التنديد أو التعبير عن رفض الفساد داخل أركان النظام.
وأهلته تلك الوضعية لأن يكون بديلا لأي رئيس وزراء تتراجع أسهمه في السوق السياسية، وحتى بديلا للرئيس بوتفليقة، لما كان التردد سائدا حول موقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية الملغاة في الـ18 من أبريل الماضي، فضلا عن أنه اقترب من اعتلاء هرم حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.
وبسجن عدد من الوزراء وإصدار مذكرات توقيف دولية لاستقدام وزراء ومسؤولين آخرين، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الطاقة السابق شكيب خليل، ووزير الصناعة عبدالسلام بوشوارب، ومدير شركة سوناطراك النفطية الحكومية عبدالمؤمن ولد قدور، وطيب لوح، تبقى الاستفهامات مطروحة حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء عدم استدعاء الرئيس بوتفليقة للقضاء إلى حد الآن.
وتتداول مصادر مختلفة في الجزائر أن رئيس الوزراء المسجون أحمد أويحيى، حمّل الرئيس بوتفليقة مسؤولية مختلف القرارات والملفات، في رده على أسئلة المحقق القضائي حول قضايا متهم فيها، وحاول تبرئة نفسه بكونه كان موظفا لدى الدولة ويضطلع بتنفيذ توجيهات وقرارات رئيس الجمهورية.
وألمحت إجابات أويحيى إلى أن المسؤولية الكبرى يتحملها رئيس البلاد، بوصفه صاحب الكلمة الأخيرة في أي ملف أو قرار، وهو ما يطرح استفهامات عميقة حول أسباب وخلفيات تأخر القضاء في استدعاء الرئيس السابق، خاصة وأن معظم الرموز الفاعلة في مرحلته هي رهن الحبس أو محل مطالبة دولية بالتوقيف.
وكان وزير العدل السابق، بنفوذه في وزارة العدل وتحكمه في جهاز القضاء، قد وأد العديد من الملفات الثقيلة، كما هو الشأن بالنسبة لمجمع الخليفة، الطريق السيار شرق غرب، وسوناطراك 1و2، في حين تم توظيف الجهاز لتصفية حسابات سياسية مع المناوئين للسلطة.
ورحب النائب البرلماني السابق طاهر ميسوم، في تسجيل صوتي على حسابه الخاص في الفيسبوك، بإحالة طيب لوح على التحقيق القضائي وإمكانية التحاقه بمجموعة المسؤولين الكبار المسجونين في سجن الحراش بالعاصمة، وبرر ذلك بما أسماه “المظالم التي ارتكبت في البلاد وتوظيف العدالة لخدمة السلطة وليس لتطبيق القانون”.
واستدل ميسوم بما تعرض له خلال السنوات الماضية، بسبب انتقاداته الشديدة للحكومة وفضحه لملفات الفساد تحت قبة البرلمان، حيث سلطت عليه ملاحقات وتضييقات كبيرة، وتم منعه من الترشح للبرلمان مجددا في انتخابات عام 2017، وحلت جميع شركاته وممتلكاته بتواطؤ بين القضاء والإدارة.
ويعرف عن وزير العدل السابق ازدراؤه للحراك الشعبي منذ بدايته في فبراير الماضي، وأطلق عدة رسائل تحد للمحتجين والمتظاهرين ضد نظام بوتفليقة، وتعمد الظهور الاستعراضي في مقر الحزب (جبهة التحرير الوطني)، لما أشيع عنه من أنه فر إلى خارج البلاد.
ويتزامن مثول لوح أمام القضاء مع اعتلاء القاضي السابق طيب زغماتي لوزارة العدل، وهو الذي كان قد أقاله عام 2015 من مجلس قضاء العاصمة، بعد إصداره آنذاك مذكرة توقيف دولية في حق الوزير السابق شكيب خليل، كما يكون المحقق القضائي في مرصد قمع الفساد الذي حقق معه، قد سبق له وأن أقاله من منصب مدير مركزي في الوزارة.
وكانت رئاسة الدولة قد أعلنت في وقت سابق عن حركة واسعة في جهاز القضاء مست معظم رؤساء المحاكم والمجالس والنواب العامين، في خطوة لتطهير القطاع من الموالين للنظام السابق والمحسوبين على رموز “النظام البوتفليقي”.