الجزائر: الحصار الأخير لقائد الأركان السابق
أخيرا، وجد قائد الأركان السابق خالد نزار نفسه يصارع حصاره النهائي : اللغة العربية، التي حاول أن يتوجه بها إلى الشعب، ووجد أنه كلف نفسه مشقة لم يغامر بها طوال حياته. في آخر العمر وفي الرمق الأخير من حياته، خارج البلد، يتجرأ القائد السابق لأركان الجيش الجزائري ويتلو خطابه باللغة العربية، اعترافا منه أن اللغة العربية هي أفضل مسلك وقناة إلى مخاطبة وعي وضمير الجزائريين. قد خذلته اللغة العربية وهزمته في آخر معركة يقدم عليها القائد السابق للجيش الجزائري. اللغة العربية التي طالما احتقرها الجنرال واستهجنها لأنها غير معترف بها من قبل العصابة الحاكمة. هي اليوم وفي زمن الحراك، تحركه لكي يتوجه بها إلى الشعب الجزائري الذي لايزال ينتظر التتويج لانتصاره العظيم على عناصر دولة العصابة، الذين بدأوا يتهاوون الواحد تلو الآخر، في مشهد قل نظيره، لن يكون آخر ضحاياه الرجل القوي السابق في الجيش الجزائري.
توجه، منذ أيام الجنرال خالد نزار إلى الجيش وإلى المدنيين ببيان سياسي من خارج البلد وبلغة عربية. ومنهما تحققت الهزيمة الكبرى التي مني بها. فقد كان يتصرف في داخل الجزائر كمجال ريعي قابل للامتلاك ما وسعته القدرة هو أولاده والحاشية المقربة منه. في الداخل يفلت من أي عقاب ولا تعنيه العدالة ولا القضاء ولا هم يحزنون، والكل يذهب إلى الجحيم. فهو صاحب المبادرة إلى وقف المسار الديمقراطي في الجزائر عام 1992 سعيا منه ومن قيادة الجيش إلى إنقاذ الجزائر من الجبهة الإسلامية ،على ما كان يسوغ به انقلابه على الشرعية الدستورية. كان في الداخل أعلى وأسمى من القانون، بينما يجد صعوبة كبيرة إذا ما هو حاول التسلل إلى الخارج مخافة ملاحقته بجرائم الإبادة الجماعية والإستثمار السياسي في الإٍرهاب وامتلاك حساب يرصد لجرائم وجنح ومخالفات منافية وخارقة للقانون.
الحصار الأخير الذي زج به نفسه خالد نزار هو فضيحة الحديث باللغة العربية أمام العالم كاشفا عن أكبر جريمة يرتكبها رجل دولة في حق الدولة، أن ينتهك أحد أركان الدولة الجزائرية وهي اللغة العربية التي تعد اللغة الرسمية والوطنية، وأن انتهاكها هو انتهاك صارخ وفادح لمؤسسة الدولة وشخصيتها المعنوية. فتعثر وتلعثم الرجل القوي السابق هو انكشاف لاحق على عدم اكتراثه بأهم مقوم من مقومات الأمة الجزائرية، وعبث صارخ لوسيلة التخاطب والتواصل بين الجزائريين والوسيلة الوحيدة التي تقر لصاحبها اعتلاء المنصب السياسي واستحقاقه الرسمي. وعليه، فالخرجة الأخيرة لقائد الأركان السابق هي إدانة له، شهدها الجميع وأدركوا أن من كان يحكم البلد لا يمتلك الهيئة الرسمية لمخاطبة الشعب، وقد فعلها أخيرا عنوة وغصبا عنه عندما طالته عدالة البلد الذي كان يهينه لعقود من الزمن الجزائري الرديء.
إن الوسيلة الرسمية والشرعية التي يجب التوجه بها إلى الشعب هي اللغة العربية، وأن دون أو غير ذلك فهو عبث بمقدرات ومقومات الأمة، ويصعب في نهاية المطاف الانتصار على الحق والقانون والعدالة مهما طال الزمن
إقدام القائد السابق لأركان الجيش الجزائري على تلاوة بيانه السياسي باللغة العربية هو تعبير عن شعور بالحصار بأحد مقومات الأمة والدولة الجزائرية، أي التوجه إلى الشعب بلغة الشعب، وهو الحال الذي انتابه عندما وجد نفسه في الخارج، وأن المخرج الوحيد لإيصال بيانه إلى الجيش والشعب هي اللغة العربية ولا يوجد غير ذلك، حتى ينفي عن نفسه موالاته لفرنسا لو قدر وتلا بيانه باللغة الفرنسية، في لحظة حراك يعادي تماما فرنسا الجهة التي صنعت ضباطها. الحالة التي قدّمها القائد السابق للجيش الجزائري هي حالة تكشف زيف الحكّام وتقاعسهم بالتحلي بقيم ومبادئ ومقومات الدولة والأمة. فقد كان الجنرال عَدْمِيًا لا تعنيه مسألة أخلاقيات الأمة ولا مبادئ نظام الحكم ولا شروطه، كل شيء متوفر لديه عندما يكون واضعا بنانه على الزناد وبحوزته ترسانة السلاح، الباقي إلى الجحيم. لكن الأقدار تدور وتفعل فعلها بأحد المتنكرين لمقومات الدولة الجزائرية، وتطعنه من حيث لم يكن يحتسب، عندما يفضح أمره وهو يجهد نفسه في قراءة معوجة ومنهكة لقواه العقلية والنفسية، كمن يحاول أن يواري سوأته أمام الملأ، ويتجرد من آخر ثياب الحشمة والحياء.
عندما يتكلف قائد الأركان السابق في النطق بالكلمة العربية ويجد صعوبة في فهمها، فإنه يكشف في الوقت ذاته أنه لم يكن يفهم من خصائص الدولة ونظامها ولا من مقوّماتها شيئا، لأن وسيلة التفاهم والتخاطب غير واردة عنده وعند أمثاله من نصّبهم في الحكم طوال قيادته للجيش، خاصة بعد أن صار وزيرا للدفاع زمن الرئيس البائس الشاذلي بن جديد، لأنه الوحيد الذي كان أميا لا تعنيه اللغة العربية ولا مقومات الدولة على ما قدّر الجنرال نزار وعصابته العسكرية الإستئصالية. وهم الذين أطاحوا به، وهو الذي قبل بالأمر واستسلم لهم بدون ذرة حياء أخلاقي ولا جرأة سياسية كما تفرضها اعتبارات الدولة ومؤسساتها. وذهنية العصابة هي التي قادته إلى «استيراد» شخصية تاريخية ليُسَوِّق بها الحكم ومحاولة تدجينه على ما تميل إليه العصابة. لكن التجربة آلت إلى مأساة وطنية تسبب فيها القائد السابق عندما شاهد الجميع عبر المباشر كيف يغتال الرئيس المستورد ويُصَفَّى ببرودة أعصاب وهناء ضمير لعصابة لم تعد تحفل لا بقيم ولا مبادئ ولا مقومات. وتفطن أخيرا الجنرال القوي إلى أنه أخطأ الدارئة وأصاب نفسه في المقتل عندما «بهدل» نفسه في قراءة بليدة وهجينة لبيانه السياسي أراده خطابا إلى الشعب الجزائري !!
واحدة من تجليات الحراك الجزائري أن اللغة العربية تنتصر بنفسها ولنفسها. وسوف تنتقم كافة المقومات لاحقا على كل الذين خذلوا الوطن والأمة والدولة. فاللغة كمقوم جوهري للدولة أقوى من القوة العسكرية على ما جاء في خرجة الجنرال الأقوى في نظام العصابة. فقد استفاق وعيه بشكل متأخر جدّا لكي يدرك أنه أخطأ في حق الشعب والدولة وأعفى نفسه طوال وجوده في أعلى هرم السلطة من اللغة العربية وسيلة التعبير عن المؤسسة العمومية في الجزائر، وأن تخاذل وتنكر لذلك هو ضرب الدولة من الأساس وصرفها عن ماهيتها وأصلها والتعبير عن سيادة الشعب عبر مقوماته. وعليه، فقد ذهب الجنرال القوي إلى الجحيم عندما انساق وراء فكرة لم يكن يؤمن بها أصلا أي الاعتراف أن الوسيلة الرسمية والشرعية التي يجب التوجه بها إلى الشعب هي اللغة العربية، وأن دون أو غير ذلك فهو عبث بمقدرات ومقومات الأمة، ويصعب في نهاية المطاف الانتصار على الحق والقانون والعدالة مهما طال الزمن. أليست نهاية الجنرال أنه في الخارج، تطارده عدالة الدولة، يبحث عن وسيلة التعبير الكفيلة إلى توصيل بيانه إلى الشعب !؟