إدريس الروخ: الدراما المغربية تعيش تحولات غير مسبوقة

إدريس الروخ يتفاعل مع قضايا المجتمع المغربي بقوة، فهو رافض لأي سلوكيات متطرفة كيفما كانت طبيعتها.

الروخ مدير مهرجان مكناس للفيلم العربي الذي لا يهدأ.

شخصيته المركبة طبعت حياته الفنية التي بدأت تفاصيلها بين الأحياء الشعبية لمدينة مكناس ومدارسها وشوارعها وناسها، كبر إدريس الروخ ونمت معه أحلامه التي يقول إنه حقق البعض منها فقط. فطموح ابن ذلك الحي كان كبيرا جعله يتحدى اليتم المبكر بعدما توفي والده سبع سنوات على ولادته ليترعرع في محيط فقير.

حال كسر في رجله دون الالتحاق بفريق النادي المكناسي لكرة القدم، فاستطاع أن يشق طريقه بتؤدة وصبر وتفان، بعد أن طور موهبته في المجال الأدبي عبر انضمامه إلى عدة جمعيات ثقافية وفنية، توّجت بانخراطه التام في المعهد العالي للفنون المسرحية والتنشيط الثقافي.

كان المعهد نافذته للانطلاق والعمل في المسرح الوطني في ستراسبورغ ثم في باريس، حينها شارك الروخ في عدة أعمال أجنبية مع فنانين ومخرجين عالميين، فحصل على منحة للدراسة بالكونسيرفاتوار الباريسي، ليعمل بعد عودته أستاذًا للفن بمندوبية الثقافة بمكناس ويتفرغ لكتابة واقتباس وإخراج مجموعة من المسرحيات مع فرقة مسرح السبعة.

مكناس وحورية الحائط

موقف الروخ في مجال الإضحاك، يختلف عن موقفه في الدراما، لاسيما حين أدى أدوارا حساسة كدوره في فيلم “كازانيغرا”، فنال نصيبه من التقريع، بسبب مشهد واحد
موقف الروخ في مجال الإضحاك، يختلف عن موقفه في الدراما، لاسيما حين أدى أدوارا حساسة كدوره في فيلم “كازانيغرا”، فنال نصيبه من التقريع، بسبب مشهد واحد

أحب الروخ مدينته وفنه فأراد تكريمها وكسب ود أهلها فغامر مع أخيه حسن الروخ بتدشين النسخة الأولى من المهرجان الدولي للفيلم العربي بمكناس، يقول  باعتزاز حول هذا الامتياز الذي منحه للمغرب والمدينة بشكل خاص، إن هذه النسخة تم التخطيط لها منذ ثماني سنوات لتجمع بين أقطار عربية حول مفهوم السينما في واقع عربي جديد. وهذا التوجه، كما يضيف الروخ، له أكثر من دافع “مثل الفقر الذي نواجهه في مشاهدة الأفلام على مستوى القاعات السينمائية، خصوصا، ونحن نعلم أن الفيلم العربي أصبحت له لغة سينمائية خاصة ويتطور مع كل قدرات المخرجين وكتاب السيناريو، ولهذا كان علينا الاهتمام به من خلال مهرجان كبير باعتباره انفتاحا على مفاهيم متعددة، وهو ما أعطاه ذلك النجاح بكل المقاييس واستطاع أن يخلق الحدث”.

تم اختيار مكناس، كما يؤكد الروخ في تصريحاته، لكونها مدينة التراث المغربي وموضع الملوك وعاصمة الثقافة والأدب والمسرح، فالمدينة “لها أكثر من مبرر لتحتضن مثل هذه التظاهرة ولأننا أبناء هذه المدينة التي تستحق هذه الالتفاتة بحجمها وموقعها التاريخي، وهذا أيضا يعني أننا نفكر في سكان المدينة بجمهورها الواسع ومثقفيها وأدبائها وكل من له علاقة بعوالم الفن والسينما وبالتالي سيكون هناك انفتاح على الآخر وعوالمه والقضايا العربية”.

وقبل المهرجان صور الروخ فيلما يحمل عنوان “مكناس 1986″، تدور أحداثه حول فنان يرسم على الجدار، قرر في أحد الأيام كتابة اسم صديقته “حورية” على الحائط، الأمر الذي سيكون سبب دخوله في أزمات كثيرة، لما يحمله الاسم من دلالات في فترة عرفت بانتهاكات لحقوق الإنسان.

اختار الروخ حمل الكاميرا إلى الحي الذي ترعرع فيه، من أجل تصوير مشاهد الفيلم الجديد، بالإضافة إلى مناطق أخرى تعد من المواقع التاريخية للعاصمة الإسماعيلية، فالمكان والإنسان تعبير، والفكرة كما يراها هو لا تولد إلا عبر هذا الآخر، وهكذا يتم تطويعها.

قضايا المجتمع المغربي يتفاعل الروخ معها بقوة، فهو رافض لأي سلوكيات متطرفة كيفما كانت طبيعتها، وعندما تم الاعتداء على السائحتين في قمم جبل قرب مدينة مراكش، عبر عن حزنه وتأثره قائلا “نحن لا نؤذي الضيف الذي يزور بلدنا، فنحن كرماء ونحن لطفاء ونحن متسامحون ونقبل الآخر”.

وعن المعاناة المادية والاجتماعية التي يمر بها بعض الفنانين المغاربة، هناك انتقادات واسعة موجهة للقائمين على هذا القطاع نتيجة الإهمال وعدم الاهتمام بشكل جدي بالفنان المغربي للحفاظ على كرامته، قال الروخ “منذ سنوات ونحن نطالب بتحسين وضعية الممثل، وبخروج قانون الفنان إلى الوجود سيحمي لا محالة حقوق الفنانين ويحسن من وضعيتهم القانونية والاعتبارية، لكن رغم ما جاءت به القوانين المؤطرة للمهنة مؤخرا، فإن كرامة الفنان التي وإن قلنا عنها الكثير، لن تُحفظ إلاّ بتكتل الفنانين في ما بينهم”.

خطوط حمراء

أدواره في الأفلام العالمية الهامة تترك بصمة خاصة، مثل دوره في “بابل” مع النجم براد بيت و“المنطقة الخضراء” مع مات ديمون و”سيريانا” مع جورج كلوني وغيرها
أدواره في الأفلام العالمية الهامة تترك بصمة خاصة، مثل دوره في “بابل” مع النجم براد بيت و“المنطقة الخضراء” مع مات ديمون و”سيريانا” مع جورج كلوني وغيرها

ويشدد الروخ على ضرورة أن تكون الأعمال الفنية ذات بعد إنساني، وأن يزداد إنتاج الأعمال الدرامية التلفزيونية على طول السنة، إنتاجات متنوعة، ومتطورة تقنيا. ولهذا شارك الروخ في عدد من “السيتكومات” الرمضانية ممثلا ومخرجا، والتي نالتها انتقادات كثيرة لابتعادها عن كوميديا الموقف وإغراقها في مواقف التهريج إلى حد أن الكثيرين قالوا عنها إن تلك “السيتكومات” مصنوعة بطريقة الطهي السريع الارتجالي وأن الغرض منها الإضحاك فقط دون توجيه رسالة تربوية.

هذا النوع من النقد يعتبره الروخ قيمة مضافة فنيا، ويطالب المهتمين بالشأن الفني من صحافيين ونقاد بزيارة موقع التصوير للوقوف على العمل الكبير الذي يقومون به على عدة مستويات. ويكفيه، كما يقول، الإخلاص في العمل والاحترافية بما هما عاملان من عوامل إنجاح العمل الذي يعمل على إنجازه.

إلا أنه كممثل ومخرج يعزو بعض الهفوات في الأعمال الرمضانية بشكل خاص إلى الوقت الضيق للتحضير والإخراج والكتابة، والذي لا يجب أن يقل عن سنة، ويعزوها كذلك إلى ضعف الشروط المادية التي يشتغل فيها الممثل والمخرج وغيرهما من التقنيين.

عناوين مطاطة كالجنس والسياسة والدين بالنسبة إلى الروخ خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها. وبالرغم من أنه لم يحدد نوعية المواضيع التي يعتبرها “تابوهات”، إلا أنه اتقاء لكل عاقبة سوء يمارس رقابة ذاتية ويبقى حبيس مواضيع اجتماعية وإن تشابه بعضها، وغرضه كسب ود الجمهور دون الذهاب بعيدا حتى لا يغضب جهات أخرى لن يعجبها الغوص كثيرا في بحار السياسة والدين تحت ذريعة الخصوصية. هذا موقفه في مجال الإضحاك، لكن في الدراما لم يكن لخصوصية المجتمع المغربي وعاداته وتقاليده أي تأثير عليه، لاسيما حين أدى دورا خادشا للحياء حسب ما اعتاده المغاربة في فيلم “كازانيغرا” في عام 2008، فنال نصيبه من التقريع وذلك بسبب مشهد واحد. وعبرت الفنانة سعاد صابر عن أسفها لكون الروخ الذي تعتبره كابنها يقوم بدور يسيء إلى تاريخه وإلى سمعته كفنان مغربي مسلم وإلى محيطه العائلي، وأنه كان عليه أن يرفض ذلك الدور الذي لا يشرف ولا يحترم الجمهور المغربي.

لكن الروخ يؤكد أنه ما زال مقتنعًا بأدائه في فيلم “كازانيغرا” وأن طبيعة الدور وتركيبة الشخصية في الفيلم تتطلبان إبراز بعض السلوكيات، وتتطلبان لغة خاصة بعبارات وردود أفعال خاصة، وهو حريص في اختياره للأدوار على أن يتم بشكل دقيق، مبني على انتقاء ما سيضيف إلى مساره الفني، بعيدا عن التفكير في ما إذا كانت هذه الأدوار رئيسية أم ثانوية.

لتبقى اختيارات الروخ مختلفة عن اختيارات غيره دومًا، كما في حالة فيلم “كنبغيك حتى أنت” الذي أراد من خلاله إبراز بعض القيم الحداثية المرتبطة بالمساواة وحرية الاختيار والرأي في إطار عصري رومانسي كوميدي. وهذا لا ينفي أن الكثيرين انتقدوه على تلك الاختيارات التي اعتبروها منتقاة ولا تعبر عن عمق المجتمع ومعاناته.

وكعادته يحاول عدم السقوط في الردود المتشنجة اعتبر النقد عاملا من عوامل تحسين أدائه  شرط أن يكون أكاديميا وبعيدا عن الشخصانية، ويتأسف على أن هذا هو الموجود داخل الأوساط الفنية والاجتماعية والسياسية، أي الإسقاط غير المبرر لأحكام قيمة مخجلة أحيانا.

وحتى يوثق تجربته قام بنشر كتاب “إدريس الروخ ولد البلاد”، لإبراز وجهه الفني المغربي لمن يود الاطلاع على هذا الجانب من الفن السينمائي المغربي، فالغرض هو توثيقي بالدرجة الأولى عكس ما قاله البعض من أن الروخ يريد احتكار كل ما له علاقة بفن التمثيل، ويبدو أنه لا يكترث لمثل هذا الانتقاد، فقد عبر عن هدف آخر في حياته هو بناء مدرسة خاصة بالتمثيل والإخراج، لتكوين ممثلين ومخرجين أكفاء ولديهم الخبرة الكافية لصنع فيلم تتوفر فيه كل مقومات النجاح.

روكي الذي لا ينساه المغاربة

السياسة والجنس والدين، بالنسبة إلى الروخ حدود لا يمكن تجاوزها. وبالرغم من أنه لا يحدد نوعية المواضيع التي يعتبرها “تابوهات”، إلا أنه اتقاء لكل عاقبة سوء يمارس رقابة ذاتية ويبقى حبيس المواضيع الاجتماعية وإن تشابه بعضها
السياسة والجنس والدين، بالنسبة إلى الروخ حدود لا يمكن تجاوزها. وبالرغم من أنه لا يحدد نوعية المواضيع التي يعتبرها “تابوهات”، إلا أنه اتقاء لكل عاقبة سوء يمارس رقابة ذاتية ويبقى حبيس المواضيع الاجتماعية وإن تشابه بعضها

عرف قبل سنوات بشخصية “روكي” في مسلسل “زينة” الذي قام فيه بدور وكيل أعمال الفنانة الصاعدة مريم، واعتبر الشخصية قوية يمكن للممثل أن يؤديها بجدية ومسؤولية ويشتغل عليها لحظة بلحظة قبل التصوير وبعده، وعن تلك الشخصية يقول إنه عمل جاهدا حتى يتقبلها المتلقي بشكل جيد وبعيد عن الابتذال.

كانت انطلاقة الروخ مع السينما والتلفزيون في عام 1999 بعد عودته من جولة في السويد مشخصا دورا مسرحيا في مسرحية “الآنسة جولي”، وبعد عشرين سنة من الحضور الوازن منحه المركز السينمائي 4 ملايين درهم، لإخراج “جرادة مالحة” كأول فيلم روائي طويل يقوم بإخراجه الروخ في مسيرته الفنية، لينهل من الثقافة الشعبية التي يفتخر بأن تكون منبعا لإلهامه، حيث يذكرنا بـ”التعويذة” الشعبية التي طالما حكتها لنا جداتنا ونحن صغار والقادمة من أعماق التراث.

حضور الروخ في برامج رمضان يكون إما تمثيلا وإما إخراجا، منها البرامج الكوميدية كسلسلة “الخاوة”، التي لقيت نجاحا كبيرا. وبين عامي 2010 و2011 قام بإخراج  سيتكوم “كلنا جيران”، الجزء الأول والثاني، كما أخرج مسرحية “الرقصة الأخيرة مثلا”، وأخرج أيضا مجموعة من الأفلام التلفزيونية منها “بوغابة” وأفلام أخرى مثل “الجاسوس” لمخرجه حكيم النوري و”أسرار صغير” لعزيز السالمي. ومن المسلسلات “دواير الزمان” و”خلخال البتول” وغيرهما.

ولأنه لا يتوقف عن المحاولة والعمل فقد خاض الروخ قبل أربع سنوات أولى تجاربه في مجال الإخراج السينمائي، من خلال فيلمه الطويل “جريمة وعقاب”، مرتكزا على تجربته في الإخراج المسرحي والتلفزيوني.

تعرف الدراما المغربية اليوم تحولا كبيرا على مستوى الكتابة والإخراج والإنتاج والتشخيص، ولكن الأهم على مستوى القوانين، كما يقول الروخ، الذي فسر النقطة الأخيرة بغياب إطار قانوني يهيكل ويحمي كل مكونات العمل الدرامي المغربي، وهو أمر لا يمكن أن يؤكد على أن الدراما بخير.

ويشير الروخ إلى أن الدراما التلفزيونية انتعشت بشكل كبير على مستوى الكم، حيث أن عددا كبيرا من الأشرطة التلفزيونية يتم تصويرها سنويا، ويوضح أن هذه الدراما تمثل سوق شغل حقيقية للمبدعين المغاربة ممثلين ومخرجين وكتاب سيناريو وتقنيين وشركات إنتاج.

يوصي الروخ دومًا بوجوب الاشتغال على مواضيع قريبة من الجمهور المغربي، وأن تكون الكتابة قوية من حيث الموضوع والحوارات، وأن يراعى في توزيع الأدوار اختيار ممثلين محترفين ومحبوبين من قبل الجمهور. لقد أراد من خلال تجربته نقل معاناة من التقاهم او تشبثوا بذاكرته فحولهم إلى شخصيات تمشي وتتنفس في أفلامه، إلى بشر حقيقيين يحكون تجربتهم لكن باقتصاد مدبر حتى يبقى في الإطار الذي اختار لنفسه الاشتغال فيه ممثلا ومخرجا ومنتجا، وطبعا يقول إنه عمل دائما على المزاوجة بين أفلام مغربية وأجنبية، لأنه يعشق الاشتغال بالسينما المغربية التي سيبقى دائما منتميا إليها، وقد برع في أداء أدواره في عدة أفلام مثل “كلها يلغي بلغاه” و“ليالي بيضاء”، و“بابل” مع النجم براد بيت و“المنطقة الخضراء” مع مات ديمون و”سيريانا” مع جورج كلوني، والكثير من الأفلام العالمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: