الشباب الليبيون يلتحقون برحلات الموت نحو أوروبا
بعد أن كانت ليبيا وجهة الباحثين عن العمل وموارد رزق من الدول العربية وأفريقيا، وبعد أن كانت معقل الباحثين عن مغامرة عبر البحر إلى الجنة الأوروبية التي تحول دونها أمواج المتوسط العاتية، أصبح شبابها اليوم يفضلون الانخراط في مغامرة الموت هربا من الفوضى إلى بلدان الأمان.
ما زال البحر ومخاطره أفضل من ليبيا الغارقة في أتون الفوضى والنزاعات في نظر ثلاثة شبان ليبيين أنقذتهم منظمتا “أس.أو.أس” مديتيرانيه و”أطباء بلا حدود” عندما كانوا في مركب متهالك.
جلس كلّ من صلاح وخليل وإبراهيم الذين تتفاوت أعمارهم بين 19 و22 عاما، في إحدى زوايا السفينة أوشن فايكينغ التي ما زالت تنتظر مرفأ تنزل فيه 356 مهاجرا أُنقذتهم، بعض منهم قبل عشرة أيام ليس إلا.
هذه السفينة الحمراء الكبيرة مجهّزة لاستقبال بين 200 و250 شخصاً في ظروف مناخية جيّدة في حاويات مهيأة على منصّتها، لكن لديها قدرة على استضافة مهاجرين جدد إذا كان الوضع يتطلّب ذلك.
وأبحرت السفينة ببطء في منتصف الطريق بين جزيرة لامبيدوسا الإيطالية ومالطا، بانتظار أن يستقبلها ميناء لإنزال المهاجرين الـ356 على متنها.
اعتاد الشبان الثلاثة الجلوس في ركن من جسر السفينة ونادرا ما يخالطون المهاجرين الآخرين الآتين من السودان والتشاد وإريتريا والسنغال، ومن الكوت ديفوار أيضا، هربا من عمليات التعذيب والتجاوزات المرتكبة ضدهم في ليبيا التي أتى القسم الأكبر منهم للعمل فيها.
يقول خليل شاحب الوجه الذي يبلغ العشرين من العمر، “لم أكن أدرك أن البحر خطير إلى هذا الحد، لكن ليبيا تنهار، لم يعد في وسعنا العيش هناك”.
وكان خليل سائق سيارة أجرة، يتنقل بين سبها، مدينته في الجنوب، ومدينة بنغازي الكبيرة في شرق البلاد، عندما أوقفه رجال المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا.
يقول خليل الذي كشف عن ندوب قرب شفتيه، إنهم زجوا به في السجن حيث أمضى ثلاثة أشهر مع المئات من السجناء، وكان يتعرض للضرب يوميا.
ومع حوالي خمسة عشر سجينا آخرين، تمكن من الفرار تحت رصاص سجانيهم.
وأكد خليل، “رأيت أشخاصا يقعون حولي، لا أعرف هل نجوا أم لا. أنا أصابتني شظايا”.
وسحب الشظايا الطبيب لوقا من منظمة أطباء بلا حدود، الموجود على متن السفينة. فقد كانت تحت الجلد على عمق 1.5 سنتم. وقال الطبيب “لم أفاجأ ويا للأسف، هذا نوع الجروح التي يصاب بها الناس في مناطق النزاع”.
وقد عاد خليل، المصاب، والمحروم من سيارته المصادرة، بسيارة أجرة إلى سبها للقاء أسرته. وقال “أردت فقط أن أعيش حياة طبيعية”.
لكن معارك اندلعت بعد شهر في مدينته. وقالت له والدته “من الأفضل لك أن تغادر”. وأوضح أنها “لم تكن على علم أبدا بالمخاطر الموجودة على المعابر، وأنا أيضا، وما أفرحني أني ركبت البحر”.
ويقول خليل “إذا بقيت، سيكون عليك أن تقاتل أو تُقتل”.
وأخيرا، أنقذت السفينة البرمائية الزرقاء التي استقلها مع 104 أشخاص آخرين في 12 أغسطس، فيما بدأت تغرق في الماء.
في البداية، لم يكن صلاح، الشاب الوسيم الذي يبلغ التاسعة عشرة من عمره، يعارض فكرة القتال، فالتحق بقوات حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، لكنه سرعان ما أدرك أنه لم يولد من أجل الحرب.
وقال، “لو بقيت، كنت سأتعرض للقتل. فرجال السراج يطلبونني لأني تخليت عنهم، ورجال حفتر لأني قاتلت مع السراج …”.
وأضاف، “أعطاني سوداني رقم هاتف، وبما أنني ليبي، غادرت في اليوم نفسه”. وبقي الوقت الضروري لالتقاط صورة شخصية مع عائلته.
وكان ثمة سبب مهم آخر يحمل إبراهيم على مغادرة بلاده، هو لون بشرته. وقال “أبي كان أسود البشرة. توفي وقُتل عمي في المعارك. تعرضت مدرستي للقصف، وقالت لي أمي ” ليبيا ليست لك”.
وأوضح الشاب الذي كان يرتدي سترة صفراء “لم أتمكن من التقدم لامتحانات الجامعة، وكان لديّ أصدقاء سودانيون، كنّا مثل عائلة. وقُتل صديق من دارفور أمام عيني، بينما كنّا متوجهين للعب كرة القدم”.
وخلص إلى القول “لا أريد أن أقاتل. على السفينة الزرقاء، شعرت بالرعب، لكن ليبيا أخطر من سفينتنا”.
هؤلاء الشباب ليسوا الأوائل الذين ركبوا موج البحر المتوسط في مغامرة غير شرعية قد تؤدي بهم إلى الموت، ففي مطلع عام 2015، سجلت منظّمات دولية إنسانية معنية بالمهاجرين غير الشرعيين وجود ليبيين على متن قوارب الموت، بعدما أقفلت السفارات أبوابها أمام طالبي التأشيرات واللجوء الإنساني.
وفي سنة 2018 قالت إدارة الهجرة في وزارة الداخلية الإيطالية إن الليبيين يأتون في المرتبة الثالثة في ترتيب المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى إيطاليا عبر البحر بعد الباكستان وتونس.
في استبيان للرأي قام به موقع هنا ليبيا السنة الماضية عن رغبة الليبيين في الهجرة، ووجد أنّ 71 بالمئة من الشباب يرغبون في الهجرة مقابل 29 بالمئة يرفضونها، وبلغ عدد المشاركين 2813 مشاركا.