طلقت زوجتي لكنني لا أزال أحبها
روى أحد الأصدقاء أن علاقته بزوجته السابقة بعد الطلاق انقلبت إلى “حرب ضروس مادّتها الأبناء، وسلاحها التشويه”، هكذا عبّر عن معاناته وهو يسرد قصّته بحيث تمكنت طليقته من هزّ صورته أمام أبنائه، فصدّقوا بأنه أب قاس وأنانيّ، ضحى بأبنائه من أجل مصالح شخصية بحتة. الأمر يبدو طبيعيا إذا اعتبرنا أن الطليقة مجروحة، وما فعلته لا يعدّ سوى مجرّد ردّة فعل، ولكن هل كل المطلقات ضحايا؟
وفي مقابل ما يحدث بين المطلقين من قطيعة وصدام وتشويه، دهشت حينما علمت بأن إحدى المطلقات -من معارف العائلة الموسعة- لم تقطع علاقتها بطليقها، ولم يشمتا في بعضهما البعض، وظل أبناؤهما يتعاملون بإيجابية وفاعلية مع كليهما، حتى أن الطليق يزور طليقته باستمرار ويتكفّل ببعض شؤونها وشؤون أولادها، وقد شاهدتهم في إحدى المرات يتناولون الطعام في مكان عام كالأسرة السعيدة، تعلو ملامحهم الفرحة والسرور.
موضوع علاقة المطلقين ببعضهم البعض جدليّ بامتياز، لأنه يطرح الأمر ونقيضه، والمتصفّح لوسائل التواصل الاجتماعي أو المتابع لبرامج الواقع التي تعرض على شاشات الفضائيات في مشرق ومغرب الوطن العربي، يكتشف هذه الجدلية التي تصل في أغلب الأحيان إلى مفارقات. فمن الآراء ما يقرّ بأن علاقة الأزواج تنتهي بمجرّد إعلان الطلاق ويقع تبرير ذلك إما دينيا وإما اجتماعيا. أما الرأي المعاكس فلا يرى مانعا من تواصل العلاقة لصالح الأبناء خاصة، فيمكن للمطلقين أن يكونوا أصدقاء لا أزواج.
ففي العالم العربي ارتفعت نسب الطلاق وأضحت ظاهرة مخيفة يجب الوقوف عندها بتروّ وموضوعية، لأنها ساهمت في تقويض الحياة الأسرية وكانت النتائج وخيمة على تربية الأطفال ومستقبلهم، فلطلاق تأثيرات نفسية ومادية تنعكس على المرأة أولا في مجتمعات ذكورية تحملها تبعات فشل الزواج، وعلى الأبناء في ما يتعلق بتعليمهم ومتطلباتهم العاطفية والنفسية والمادية.
وإذا كان الطلاق عمليا هو استحالة العيش المشترك بين الزوجين لأسباب كثيرة ومتعددة وذات أبعاد عاطفية ونفسية واجتماعية وثقافية ومادية، فإنه لا يعني بالضرورة قيام حرب ضروس لا تهدأ وتيرتها، تستعمل فيها كل أنواع الأسلحة المشروعة والمحرمة عُرفا وتقاليد ونواميس اجتماعية وشرعية. وهذه العلاقة بين المطلقين تحدّدها أمور عدّة؛ منها ما يتعلّق بالتشريعات الدينية ومنها ما يتّصل بالعقلية الجماعية السائدة أو العادات والأعراف أو حجم الاختلاف الذي طرأ بين الأزواج وأدى إلى الطلاق. ما يجلب الانتباه فعلا هو طبيعة العلاقة بين الأزواج بعد الطلاق والتي تتراوح بين التواصل بنسب مختلفة وبين القطيعة النهائية.
يقول الله تعالى “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ”. هذه الآية الكريمة حدّدت بما لا يدع مجالا للشك جوهر العلاقة الزوجية، وبالتحديد عند استحالة العيش المشترك بين الزوجين، فالأفضل الانفصال وفق القواعد الشرعية والوضعية المدنية دون هتك للأعراض أو تعدّ من أي نوع كان ماديا أو نفسيا.
في هذا الشأن تختلف المجتمعات وحتى العائلات في تعاطيها مع وضعيات الطلاق وفي تقييمها لطبيعة العلاقة التي تربط الأزواج بعد طلاقهم. ومن باب الحرص على تجميع مختلف الآراء حول الموضوع عدت إلى مجموعة من الدراسات، واستخلصت منها أن العلاقات تتوتر بعد الطلاق بسبب الرغبة في الانتقام من أحد الزوجين أو بسبب ظلم شديد مورس على أحدهما بحيث لا مجال لنسيانه أو جرح عميق ناتج عن خيانة أو استهتار أو عدم وعي بأن العيش المشترك استحال.. وتطول القائمة، ولكن الأكيد أن كل ذلك يعود إلى العقلية الأسرية والاجتماعية التي نشأ عليها الشخص.
الكثير من المطلقين في المجتمعات المنغلقة برهنوا أنهم واعون بضرورة التواصل الإيجابي للمحافظة على الحدّ الأدنى من التماسك الأسري وخاصة في ما يتعلّق بالأبناء، وقد يكون الأبناء أنفسهم حلقة الوصل الإيجابية بين المطلقين. قال أحد الأصدقاء في مفارقة عجيبة “طلقتها ولكنني لا أزال أحبها، وهذا سرّ العلاقة الإيجابية التي تجمعنا الآن”.
على أسرنا ومجتمعاتنا أن تعيد النظر في علاقات الزواج والطلاق معا للمحافظة على الحدّ الأدنى من التماسك العائلي الذي هو في الحقيقة المفهوم الذي تتأسس عليه مفاهيم المواطنة والمدنية.