تمسك العسكر بحكومة بدوي يعيق لجنة الحوار في الجزائر
عرقل العشرات من الطلاب في الجزائر السبت اجتماعا لـهيئة الحوار التي كلفتها السلطة المساعدة في إخراج البلاد من الأزمة، وذلك تنديدا بقيام نقابة طلابية يتهمونها بتأييد السلطة بتمثيلهم، ما يجعل الغموض يحيط بمصير الحوار الوطني، في وقت تزيد فيه الدعوات الرافضة للحوار من الشكوك في قدرته على قيادة البلاد إلى وساطة حقيقية تنهي الأزمة السياسية في البلاد.
يسير عمل لجنة الحوار والوساطة في الجزائر، إلى التحلل التدريجي وفقدان المصداقية لدى الرأي العام، في ظل تذبذب مواقفها وتصاعد الرفض الشعبي لها خلال الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي ينبئ بفشل حظوظها وغموض مصيرها، كما فشلت المساعي السابقة للدبلوماسيين السابقين لخضر الإبراهيمي ورمضان لعمامرة، ما اضطرهما للانسحاب تحت ضغط الحراك الشعبي.
واقتحم طلبة جامعيون جلسة الحوار المنتظمة بالعاصمة بين لجنة الحوار والوساطة، وبين تنظيمات جامعية، للتعبير عن رفضهم الحديث باسمهم أو الزعم بتمثيلهم أمام السلطة، وجدد هؤلاء رفضهم لأي حوار سياسي أو مشروع انتخابي، تنظمه المؤسسات الحالية أو تحاول عبره إعادة إنتاج النظام بوجوه وآليات جديدة.
واعتبر الطّلبة المحتجّون عمل لجنة الحوار “مخالف لشرعية الحراك “حسبما رددوا، متهمين أعضاء اللّجنة ورئيسها كريم يونس بـ”خيانة إرادة الشّعب وإدارة الظهر للهبة السلمية التي خرج من أجلها الجزائريون منذ الـ22 من فبراير الماضي”.
وعكس موقف الطلبة تجاه لجنة كريم يونس، الرفض السائد في الشارع الجزائري لمحاولات الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، حيث عبرت المسيرات الأسبوعية الأخيرة عن الرفض المطلق للمساعي المبذولة من أجل ما بات يعرف بالعودة إلى “المسار الانتخابي”، والذهاب لانتخابات رئاسية في أقرب الآجال، بآليات لم تحظ بثقة الفاعلين في الحراك الشعبي، لاسيما حكومة تصريف الأعمال.
ووجد منسق اللجنة كريم يونس، نفسه محرجا أمام الطلبة الذين اقتحموا صالة الاجتماع، خاصة في ما تعلق بالضمانات المتصلة بنفوذ المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال أحمد قايد صالح، في توجيه المشهد السياسي، ومصير حكومة نورالدين بدوي، المتمسك بها من طرف سلطة الأمر الواقع، رغم الإجماع على ضرورة رحيلها.
وتشكلت هيئة الحوار الوطني في يوليو وألقي على عاتقها التشاور مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وممثلين عن الحراك الاحتجاجي، بغية تحديد آليات لإجراء انتخابات رئاسية بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل.
وتعكف لجنة الحوار والوساطة على تنصيب هيئات ثانوية على رأسها لجنة الحكماء والعقلاء، إلا أن المقاطعة والتجاهل الذي يلف دعواتها، يفاقمان التساؤل حول مصير وحظوظ اللجنة في قيادة البلاد إلى حوار سياسي ووساطة حقيقية بين أطراف الصراع، ولا يستبعد أن يكون مصيرها كمصير مساع سابقة قادها كل من الدبلوماسيين السابقين لخضر الإبراهيمي ورمطان لعمامرة، قبل أن ينسحبا تحت ضغط الحراك الشعبي.
وإذ لم يستبعد عضو اللجنة عمار بلحيمر، تنحي الحكومة في القريب العاجل، من أجل السماح بحلحلة الانسداد القائم، إلا أن صمود حكومة نورالدين بدوي، المستند إلى نفوذ قيادة الجيش، وطرحها لملفات حساسة وقرارات وازنة لا تدخل في صلاحيات حكومات تصريف الأعمال، يعطي الانطباع بأن الحكومة باقية إلى أجل غير مسمى رغم الإجماع على رحيلها.
وكان قائد أركان الجيش قايد صالح، قد أكد في مداخلة له، على ضرورة تمسك الجيش بالحلول الدستورية والاحتفاظ بالمؤسسات الحالية، وعدم الاستجابة لمطالب التهدئة المرفوعة، رغم أن رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، وعد بتنفيذها في أول لقاء له مع منسق لجنة الحوار والوساطة.
ودفع موقف الجيش، عضوين من اللجنة إلى الاستقالة، وإلى إثارة شكوك حول عدم الانسجام في هرم السلطة حول المخارج السياسية للأزمة، كما تفاقمت حالة الاستقطاب بين الشارع والسلطة، لاسيما بعد تحول الجنرال قايد صالح نفسه، ولجنة الحوار، إلى خصمين أساسيين للحراك الشعبي الذي عبر في احتجاجاته الأخيرة، عن رفض أي حوار أو انتخابات في ظل الظروف والشروط المفروضة من طرف السلطة، واعتبار قايد صالح وكريم يونس، من وجوه النظام السابق المطالب بالرحيل والتنحي.
ورغم محاولة بعض الأحزاب والجمعيات والتنظيمات ركوب موجة تسيد المشهد بالانخراط في الحوار المفتوح، إلا أن العودة التدريجية لزخم الحراك الشعبي في الأسابيع الأخيرة، يوحي بأن أذرع نظام بوتفليقة تلعب أوراقها الأخيرة بغية التموقع، قبل أي مصير للاندثار مع احتمال العودة القوية للحراك الشعبي بالموازاة مع الدخول الاجتماعي.
ورغم ذلك أدان الأمين العام للاتحاد العام الطلابي الحر صلاح الدين دواجي، المقرب من الإسلاميين، “سلوك الطلبة الذين قاموا باقتحام مقر لجنة الحوار والوساطة، واتهمهم بممارسة العنف اللفظي والبدني، والانسياق وراء الدعوات المغرضة التي تحمل العداء لمبادرات الحوار وجميع الحلول المقترحة لإنهاء أزمة الانسداد السياسي”.
وإذ يلف الغموض موقف المتحاورين في ما يخص مسألة مشاركة أحزاب السلطة من عدمها، بسبب ضلوعها في المأزق السياسي الذي تتخبط فيه البلاد منذ سبعة أشهر، ودعمها للولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة التي فجرت الوضع بالجزائر، حيث ذهب بعض أعضاء اللجنة إلى رفض الأحزاب المعنية والقبول بالحضور الفردي للأعضاء، فإن بوادر الإقصاء بدأت مع التصريح بإزاحة 3 أحزاب مجهرية كانت توالي بوتفليقة، وهي حزب الكرامة للمحامي محمد بن حمو، والعدل والبيان للنائبة البرلمانية نعيمة صالحي، والحزب الوطني الجمهوري للوزير السابق بلقاسم ساحلي.
واستغرب متابعون معالم سياسة الكيل بمكيالين المنتهجة من طرف لجنة الحوار، ففيما تجرأت على الإعلان عن إقصاء أحزاب صغيرة من الحوار، لا يزال موقفها مبهما تجاه أحزاب التحالف الرئاسي المؤيد لبوتفليقة، (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر)، رغم تواجد قادتها الأربعة، جمال ولد عباس، أحمد أويحيى، عمارة بن يونس وعمار غول، رهن الحبس المؤقت في الحراش، لاسيما وأن الحزبين الأولين هددا بشل النشاط البرلماني في حال إقصائهما من الحوار.
وذكر صلاح الدين دواجي “هؤلاء معروفون بامتداداتهم التي تحمل العداء لمشروع الحوار، كيف يريدون إقصاء الآخر، لقد تم تغليطهم بأن الاتحاد الطلابي الحر كباقي المنظمات الطلابية المتورطة مع النظام السابق، لكننا كطلبة منتمين لهذه المنظمة لسنا كذلك لأننا لم نكن داعمين للعهدة الخامسة وهو ما تسبب في تعرض الاتحاد لمؤامرة من طرف أحد الأحزاب السياسية والسعيد بوتفليقة، فقاما باستبدالي بشخص آخر دون وجه حق لأنني وقفت ضد العهدة الخامسة”.
وشكّل الحوار في الجزائر بؤرة اهتمام الطبقة السياسية وعامة الشّعب، موالاة ومعارضة، في عهد عبدالعزيز بوتفليقة وبعد استقالته، ليتم طرح عدد من التصورات التي من الممكن أن تجلس فيها الأطراف المختلفة، على مائدة واحدة