مسبح في المغرب يقدم للمرأة هامشا من الحرية

يستقطب المسبح الكبير بمدينة الرباط آلاف الزوار بينهم الكثير من النساء، لأنه يوفر لهن هامشا من الحرية صار أضيق في الشواطئ المزدحمة حيث أصبحن عرضة للتحرش والمضايقات بمجرد ارتدائهن ملابس السباحة.

  تأسف سناء (34 سنة) لكون السباحة على الشاطئ “لم تعد ممتعة بالنسبة إلى المرأة”، مضيفة “تعرضت للتحرش لا لشيء إلا لأنني كنت أرتدي ملابس سباحة. لحسن الحظ أنني كنت برفقة زوجي”.

وهي المرة الثانية التي تأتي فيها سناء برفقة زوجها وأبنائهما الأربعة من مدينة مكناس (نحو 150 كيلومترا شرق الرباط)، للاستمتاع بـ”الأجواء الرائعة” في المسبح الكبير بالرباط الذي افتتح مطلع يوليو الماضي.

وتقول سناء “الأمن هنا مضمون، وحتى الكلمات البذيئة ممنوعة”، مشيرة إلى أنها لم تعد تستطيع “السباحة بكل حرية إلا في بعض الشواطئ المهجورة أو خارج المغرب”.

ورغم ارتياحها لانعدام التحرش في مسبح الرباط حيث يحرص أكثر من 60 حارسا مكلّفا من إدارة المسبح ورجال الشرطة على راحة الزوار، تفضل سناء عدم ارتداء لباس السباحة العادي “تجنبا لأنظار المتلصصين”.

وتعج شواطئ المملكة المتناثرة على ساحلي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي بالآلاف من المصطافين، لكنها باتت أقل جاذبية بالنسبة إلى النساء اللاتي يقلن إن ارتداء ملابس السباحة العادية يكاد يكون مرادفا لـ“العري” و”قلة الحشمة” وسببا للتحرش، خصوصا إذا كانت المرأة دون مرافقين ذكور.

ارتداء ملابس السباحة العادية يكاد يكون مرادفا لـ”العري” و”قلة الحشمة” وسببا للتحرش، خصوصا إذا كانت المرأة دون مرافقين ذكور

وتوضح أستاذة علم الاجتماع سمية نعمان جسوس أن هذه الظاهرة “بدأت تظهر في الشواطئ منذ التسعينات بسبب انتشار الأفكار السلفية المستوردة.. لكن الرأي العام لم يأخذ الأمر على محمل الجد ولم يقم بأي رد فعل، حتى أصبحنا اليوم لا نستطيع ارتداء ملابس السباحة”.

وظهرت في السنوات الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات إلى “التنديد” بالفتيات اللاتي ينشرن صورهن التي يظهرن فيها بملابس السباحة. وأثارت هذه الدعوات موجة من الإدانات والتعليقات الساخرة، فيما أقدمت فتيات على مواجهتها بنشر المزيد من صورهن التي يظهرن فيها بملابس السباحة.

وفي مسبح الرباط، تنزل بعض الفتيات إلى مياه المسبح بملابس سباحة عادية في لحظات متعة “لم تعد متاحة سوى في الشواطئ غير المأهولة”، كما تقول الطالبة الجامعية أمل (18 سنة).

وتتمسك بالأمل في استعادة الفتيات حقهن الطبيعي في الاستمتاع برمال الشواطئ ومياه البحر بأي لباس.

المسبح الكبير

ويجذب المسبح المطل على المحيط الأطلسي في منطقة شعبية بالعاصمة المغربية نحو 5000 زائر يوميا، بحسب أحد المشرفين على إدارته. ولا يتعدى ثمن تذكرة الولوج عشرة دراهم (أقل من يورو واحد) في اليوم. وهو جزء من مشروع “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة الثقافة” الذي حوّل العاصمة مع شريطها الساحلي إلى كورنيش أنيق.

لكن الشعور بالإحراج لا يزال يلازم سيدات أخريات في المسبح الكبير، إذ يتحدثن عن “مسترقي النظر”. وتقول خديجة (50 سنة) التي فضلت تمضية معظم الوقت مستلقية فوق أريكة بلاستيكية مغطية جسدها برداء أبيض، “لا أفهم لِمَ يركزون النظر على أجساد النساء”.

وتضيف المغربية التي تعمل موظفة استقبال في مركز تجاري بفرنسا وجاءت إلى الرباط لقضاء العطلة، “إنه أمر محرج جدا”.

وتستطرد رفيقتها ليلى (36 سنة) “لا يدركون أن نظراتهم محرجة”. وفضلت هذه الموظفة -في إدارة عمومية هي الأخرى- البقاء مستلقية تحت مظلة، وهي ترتدي سروال جينز وقميصا صيفيا قصير الأكمام.

وبين الأوساط المحافظة، يحمّل الكثيرون المرأة مسؤولية تعرضها للتحرش بدعوى أن مظهرها “غير محتشم ولا يحترم العائلات”، كما يقول أنور (32 سنة) القادم برفقة أسرته من مدينة طنجة (شمال) لاكتشاف المسبح الكبير.

وتسجل سمية نعمان جسوس أن “التقهقر بلغ حدا جعل النساء اللاتي يرتدين ملابس سباحة عادية في الشاطئ عرضة للإدانة من طرف نساء أخريات”.

وتشكل المساواة بين الجنسين في المغرب ومكانة المرأة في الفضاء العمومي محور جدل بين الدعاة إلى المزيد من الحداثة والانفتاح، والمحافظين.

المسبح الكبير

وأقر المغرب السنة الماضية بعد نقاشات محتدمة قانونا لمكافحة العنف ضد المرأة يشدد العقوبات في بعض الحالات. وجرّم القانون للمرة الأولى “بعض الأفعال التي تعتبر من أشكال المضايقة والاعتداء والاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة”.

وتؤكد سمية نعمان جسوس أن هذا القانون “أرضية هامة جدا، لكنه غير كاف”، داعية إلى التركيز على تغيير العقليات.

وأظهر مسح أجرته وزارة التضامن والأسرة أن حوالي 54.4 بالمئة من المغربيات تعرضن للعنف، وهي نسبة تترجم بالأرقام إلى ملايين في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 35 مليون نسمة.

وبين المسح أن أكثر النساء تعرضا للعنف تتراوح أعمارهن بين 25 و29 عاما وأن 28.2 بالمئة فقط من النساء ضحايا العنف هن وحدهن اللاتي تجرأن على التحدث إلى شخص أو مؤسسة بشأن معاناتهن بينما نقل 6.6 بالمئة فقط قضاياهن إلى أروقة المحاكم بحثا عن العدالة.

وأقر المغرب قانونا في العام الماضي يجرم العنف المنزلي وجميع أنواع المضايقات اللفظية عبر الإنترنت، إلا أن هناك الكثير الذي يجب عمله من أجل الحد من الأدلة المطلوبة.

وقالت بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في وقت سابق إن القانون الذي يجرم العنف ضد المرأة يشجع النساء على الإبلاغ ومقاضاة من اعتدى عليهن.

ورغم دخول القانون المتعلق بمحاربة العنف والتحرش ضد النساء بالمغرب، حيز التنفيذ في 12 سبتمبر من العام الماضي، إلا أنه لا يزال يثير جدلا واسعا، بين من يعتبرونه قانونا ثوريا ينصف المرأة ويضع حدا لمعاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.

وفي نوفمبر 2017 قالت ليلى رحيوي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، إن حوالي 6 ملايين امرأة وفتاة مغربية تعرضن للعنف، بما يمثل 62 بالمئة من مجموع نساء البلاد حاليًا. وينص القانون على تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة كالإكراه على الزواج، والتحايل على مقتضيات الأسرة المتعلقة بالنفقة والسكن وغيرهما، كما تم التوسع في صور التحرش الجنسي التي يعاقب عليها القانون، وتشديد العقوبات في هذا الإطار.

وأوضحت الحقاوي أن “القانون الجديد يتميز بأربعة أبعاد، الوقائي والحمائي والتكفلي والزجري”، مؤكدةً أن “إقرار القانون، استغرق أكثر من خمس سنوات من النقاش العمومي والإنصات، في إطار الديمقراطية التشاركية”.

ويعتبر القانون، الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب والمستشارين)، منتصف فبراير 2018، أول تشريع خاص بمحاربة العنف ضد النساء في المغرب، حيث تعد الظاهرة من القضايا التي تؤرق المجتمع وفعالياته الحقوقية والمدنية.

وأكد حقوقيون أن هذا القانون الذي يتضمن عقوبات رادعة للمتحرشين في مختلف الفضاءات يمكن أن يساهم في القضاء على مظاهر التجرّؤ على إهانة المرأة والحط من كرامتها واستباحة جسدها.

وشددوا على ضرورة مضاعفة حملة التوعية بالقانون والعقوبات الرادعة فيه لجرائم العنف والتحرش بالمرأة، بحيث تركز على ضرورة تقدير المرأة واحترامها، والقيام بتوعية استباقية لضمان عدم ارتكاب أفعال عنف لفظي أو جسدي ضدها.

المسبح الكبير

وأشاروا إلى أن القانون يضمن الحد الأدنى من عناصر الحماية للنساء ويشكل أرضية صلبة يمكن أن تعمل على محاربة ظاهرة العنف ضد النساء، ونبهوا إلى أن دخول القانون حيّز التنفيذ، سيظهر بعض العيوب وجوانب القصور التي يتضمنها.

كما نبهوا أيضا إلى أن التطبيق السليم لهذا القانون سيسهم في حماية النساء وصيانة حرمة أجسادهن، واستبعدوا نجاح القانون في استئصال ظاهرة العنف ضد المرأة في المغرب.

واعتبروا أن الحديث عن استئصال العنف ضد المرأة طموح كبير، وهناك من لا يعتقد أن المقاربة الزجرية التي سيشكل هذا القانون جزءا منها كافية للقضاء على ظاهرة معقدة هي نتيجة أسباب عديدة.

وأكدت تقارير حديثة أن عمليات العنف ضد المرأة تفاقمت في المغرب، إلى حد توثيق جرائم التحرش أو الاغتصاب، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر ضعف عملية المواجهة وتطبيق القوانين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: