أيام في أصيلة.. حراك ثقافي ممتد
بات موسم أصيلة الثقافي واحدا من أهم النشاطات الثقافية العربية والأفريقية، وهو في تطوّر ونضج مستمرين، وتأتي أهميته من تواصل واستمرار دوراته ومن تعدّد ميادين نشاطه، وكذلك من أهمية المشاركين في هذه النشاطات من مغاربة وعرب وأفارقة وغيرهم.
في مطلع شهر يوليو الماضي، حللت في مدينة أصيلة المغربية، للمشاركة في نشاطات موسم أصيلة الثقافي الحادي والأربعين، بدعوة كريمة من الأمين العام لمنتدى أصيلة الثقافي، محمد بن عيسى، وكانت مشاركتي هذه في يومين متتاليين، حيث شاركت في اليوم الأول عددا من الشعراء والنقاد المغاربة والعرب، بتقديم ورقة نقدية، ركزت فيها على متغيرات القصيدة في فضاء المتغيرات العامة، وفي اليوم الثاني شاركت شعراء آخرين من المغرب وعدد من الأقطار العربية بقراءة عدد من قصائدي، ولم يتوقف حضوري في نشاطات موسم أصيلة الثقافي خاصة، وفي الفضاء الثقافي المغربي عامة، على اليومين المذكورين، بل تواصل هذا الحضور، في ما عشت من حيوية الحراك الثقافي، حتى يوم اختتام هذا الموسم، لأعود إلى الأردن حيث أقيم في عمّان.
بين زمنين
إن علاقتي بمدينة أصيلة، تمتد إلى زمن غير قصير، إذ كانت زيارتي الأولى لها في العام 1976 حيث شاركت وفدا من اتحاد كتاب المغرب جاء إليها للمشاركة في نشاط أدبي كان يقيمه خريجو ثانوية الإمام الأصيلي، وكنت العربي الوحيد، حيث كنت أعمل ملحقا صحافيا في سفارة العراق بالرباط، وكان جميع المشاركين في ذلك النشاط من الأدباء المغاربة القادمين من مدن شتى، وكانوا في ضيافة أبناء مدينة أصيلة، ينامون في بيوتهم ويتناولون بعض وجبات الطعام فيها.
أما أنا وبمبادرة من محمد برادة، فقد حجز لي فندقا بمدينة طنجة، إذ كان أيام ذاك رئيس اتحاد كتاب المغرب، فإذا انتهت النشاطات الأدبية وحلّ المساء، رافقني الروائي الراحل محمد شكري إلى مدينة طنجة لأقضي ليلتي في أحد فنادقها، ثم يمر بي صباحا لنعود معا إلى أصيلة والالتحاق بزملائنا.
لقد كانت بلدة صغيرة، وكل ما فيها بسيط ومتواضع، رغم جمال موضعها وسحر طبيعتها، وإذ لا أتذكر جميع ما كان فيها، لكن أن أقيم في فندق بطنجة، فهذا يعني أن فنادقها لم تكن مهيأة لاستقبال ضيف متواضع في طلباته واحتياجاته.
ثم كانت زيارتي الثانية في أوائل تسعينات القرن الماضي، للمشاركة في أحد مواسم أصيلة الثقافي الذي كانت انطلاقته في العام 1978، ورغم كون إقامتي في أصيلة قصيرة، غير أنني لاحظت تطورا واضحا على صعيد البنى الحضرية فيها، قياسا على ما كانت تحتفظ به ذاكرتي من صورة لبلدة صغيرة تحمل الكثير من ملامح القرى الأندلسية، وإذ كان ذلك التطوّر هو في إطار التطوّر العام في المغرب، إلاّ أن الكثيرين ممّن التقيتهم يحيلون التقدم الذي عرفته أصيلة تحديدا، إلى تأثير الموسم الثقافي، حيث باتت المدينة ترفل بنشاط سياحي، محلي وخارجي، وهذا النشاط اقترن بنشاط تنموي.