متطوعات المغرب وعازفة كربلاء: هل انعدم العقل؟
تحول تعليق موتور، يهدد، على وسائط التواصل الاجتماعي، متطوعات بلجيكيات في المغرب بالقتل، إلى قضية سياسية فجأة مع تدخل أحد نواب حزب “العدالة والتنمية” متسائلا إن كان لباس الفتيات “للتحريض على التغريب والتعري”، ما أدى إلى تدخل نائب الأمين العام للحزب نفسه الذي دافع عن “حرية الرأي” ولكن مع “احترام القواعد القانونية والأخلاقية”، وبعد ذلك دخلت على الخط جمعيات مناهضة للإسلاميين رفعت حماوة المعركة فرفعت دعوى قضائية ضد النائب معتبرة تعليقه “أحد تجليات الإسلام السياسي”، ورابطة الأمر بـ”خطاب التكفير والكراهية والتطرف”، والذي كان آخر أمثلته “تكفير الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي”، وقرأنا بعد ذلك أنباء عن مخاوف غربية ومطالبات بوقف إرسال ورشات التطوع المذكورة وصولا، في أشكال متطرفة من التحريض، الى اعتبار المغرب بلدا غير آمن للأجانب الخ.
على الطرف الآخر من الجغرافيا العربية، وفي مدينة كربلاء المقدسة لدى المسلمين الشيعة، جرت حادثة أخرى يمكن وضعها في سياق مشابه، فخلال احتفال فوز منتخب الشباب العراقي لكرة القدم بفوزه على لبنان عزفت موسيقية لبنانية “لا ترتدي الحجاب ولا تغطي ذراعيها” النشيد الوطني العراقي على آلة كمان، وإثر ذلك سارع “ديوان الوقف الشيعي” بإدانة الحدث واعتباره “فعلا شنيعا يتجاوز الحدود الشرعية ويتعدى الضوابط الأخلاقية”، واصفا إياه بـ”انتهاك صارخ لقدسية كربلاء”، وكانت هناك ردود فعل أخرى طبعا من قبل مواطنين، اعتبر أحدهم أن كربلاء ليست فقط مدينة “حروب وتعصب ديني”، وقالت ناشطة إن من أدانوا العازفة “هم من يدافعون عن قانون أحوال يسمح بتزويج البنات بعمر 9 سنوات”، وأنهم منفصلون عن العالم والشارع العراقي.
يحضر في الحادثتين طرف محافظ “إسلامي” (سني وشيعي) يقدح شرارة الحدث بالتعليق سلبيا على متطوعات بلجيكيات في المغرب (بعد تصريح لشخص يحرض على فعل إرهابي)، وباعتبار أداء عازفة لبنانية “انتهاكا للمقدس” في العراق لأنها غير محجبة، وتكون النتيجة تأجيجا لصراع أيديولوجي بين “إسلاميين” ومناهضين لهم، وتدخل أطراف موتورة من الجهتين، وضرر يصعب إصلاحه في ديناميات التعايش والديمقراطية والتسامح داخل البلدين، وإساءة لصورة البلدين.
يجب التأكيد طبعا أن التصريحات الحمقاء والمحرضة على القتل ليست قصرا على العرب والمسلمين، ففي بريطانيا، وهي أقدم ديمقراطية عالمية ومن أغنى بلدان الأرض، تعرض أكثر من 20 td المئة من نواب البرلمان لتهديدات بالقتل والإهانة، وقام أحد المتعصبين المتطرفين عام 2016 بقتل برلمانية كونها متعاطفة مع المهاجرين والمسلمين، وقد ساهم انتشار وسائط التواصل الاجتماعي بنشر منتديات الكراهية والحقد والتحريض على الإرهاب في كل العالم، وهناك حوادث لا تحصى في كل بلدان الأرض على هذه الظاهرة، ومعلوم طبعا أن التصريحات العنصرية والإجرامية لا تقتصر على المجانين بل أن كثيرا من السياسيين في العالم، يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رأسهم، لا يترددون في إطلاق تصريحات عنصرية ومتطرفة وتهدد حيوات وهويات آخرين بالأذى.
رغم هذا التوضيح فإن الحادثتين اللتين ذكرناهما تعكسان إشكالية كبرى وتشيران إلى انحراف البوصلة في بعض الأحزاب والجهات الإسلامية وخصوصا فيما يخص فقه الأولويات وذلك بابتعاد مسؤولين فيها عن المسائل الكبرى، والتي هي قضايا العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتنغمس بدلا من ذلك في أشكال من معاداة النساء والحجر عليهن والتركيز على قضايا اللبس والجسد والسلوك، بدلا من استعادة الإرث الإسلامي المحمدي الرافض للظلم الاجتماعي، ومؤالفته مع ظروف العالم المعاصر، تاركة قضايا حقوق الانسان والدفاع عن النساء إلى الأحزاب الأخرى.
هذه الحوادث تعطي السلاح لجهات اليمين العنصري الغربي، وكذلك لجهات “استئصالية” معادية للديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية، تشغل الناس بالصغائر وإغراقها بالتفاصيل وإبعادها عن مساءلة الاستبداد.