لندن تنضم إلى قوة عسكرية بقيادة واشنطن في هرمز
باختبار رئيس الحكومة البريطانية الانضمام إلى قوة عسكرية تقودها الولايات المتحدة يمكن أن يعزز فرص لندن في إحياء الجهود المتوقفة للتوصل إلى اتفاق تجارة مع واشنطن لفترة ما بعد بريكست.
ذللت بريطانيا الاثنين، بإعلانها الانضمام إلى قوة عسكرية دولية بقيادة الولايات المتحدة في مضيق هرمز لحماية السفن التجارية من التهديدات الإيرانية، الصعوبات التي كانت تعترض واشنطن في تشكيل هذه القوة، ما يفتح الأبواب أمام قوى دولية أخرى مترددة للالتحاق. ويرى مراقبون أن تأييد لندن لسياسات ترامب المتشددة حيال إيران بعد تحفّظها في وقت سابق يضعف السبل الدبلوماسية الأوروبية في إنقاذ الاتفاق النووي مع طهران.
أكدت بريطانيا الاثنين أنها ستنضم إلى مهمة بحرية أمنية بقيادة الولايات المتحدة في الخليج لحماية السفن التجارية التي تعبر مضيق هرمز من التهديدات الإيرانية المتكرّرة، فيما أكدت أن سياسة لندن تجاه الملف النووي مع إيران لن تتغيّر.
وقال وزير الدفاع بن والاس للصحافيين “نتطلع إلى العمل مع الولايات المتحدة وآخرين لإيجاد حل دولي للمشكلات في خليج هرمز”. وقال مصدر أمني بريطاني إن المهمة الجديدة ستركّز على حماية أمن الملاحة، وإن بريطانيا لن تنضم إلى العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.
وفي حين يتصاعد التوتر في الخليج منذ الانسحاب الأميركي في مايو 2018 من الاتفاق حول النووي الإيراني، وإعادة واشنطن للعقوبات الصارمة ضد طهران، ما يزال الغربيون يرفضون حتى الآن الاقتراح الأميركي بنشر وسائل عسكرية إضافية لمرافقة سفنهم في هذه المنطقة. وأطلقت الولايات المتحدة فكرة التحالف في يونيو إثر هجمات تعرّضت لها عدة سفن في منطقة الخليج، بعد أن نسبتها إلى إيران التي تنفي ذلك.
وتقضي الفكرة بأن ترافق كل دولة عسكريا سفنها التجارية بدعم من الجيش الأميركي الذي سيتولى المراقبة الجوية للمنطقة وقيادة العمليات. ورفض الأوروبيون العرض، لأنهم لا يريدون المشاركة في سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتمثلة في ممارسة “الضغوط القصوى” على إيران، كما أنهم يحاولون الحفاظ على الاتفاق حول النووي الإيراني.
وتنوي باريس وبرلين “تنسيق” وسائلهما و“مشاركة المعلومات” في الخليج لتعزيز الأمن البحري، لكن دون نشر وسائل عسكرية إضافية، وفقًا لوزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي.
وقالت بارلي “نعمل على تنظيم أنفسنا كأوروبيين، ولكنْ هناك شيء واحد مؤكد: سيكون لتحركنا هدف واحد فقط، وهو تخفيف حدّة التوتر والدفاع عن مصالحنا”. وفي الشهر الماضي احتجز الحرس الثوري الإيراني الناقلة البريطانية ستينا إمبرو قرب مضيق هرمز بزعم أنها ارتكبت مخالفات بحرية. وجاء ذلك بعد أسبوعين من احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية قرب جبل طارق، متهمة إياها بانتهاك العقوبات على سوريا.
وتنشر بريطانيا حاليا المدمرة دنكان والفرقاطة مونتروز في الخليج لمرافقة السفن التي تحمل العلم البريطاني في المضيق. وقال مسؤولون بريطانيون إن المدمرة والفرقاطة رافقتا 47 سفينة حتى الآن.
وباختبار رئيس الحكومة البريطانية الجديد بوريس جونسون، المؤيد لسياسة ترامب، الانضمام إلى قوة عسكرية تقودها الولايات المتحدة يمكن أن يعزز ذلك فرص لندن في إحياء الجهود المتوقفة للتوصل إلى اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة لفترة ما بعد بريكست.
ولكن ذلك يمكن أن يخلق خطرا على السفن العسكرية البريطانية، إذ يمكن أن تصبح مضطرة إلى الالتزام بقواعد الاشتباك الأميركية الأكثر عدوانية والتي لا تدعمها لندن. ويرى مراقبون أن انضمام لندن إلى قوة عسكرية أميركية قد يقضي على الجهود البريطانية لإنقاذ ما تبقى من اتفاق 2015 مع إيران، والذي انسحب منه ترامب العام الماضي.
وغادرت ألمانيا نأيها عن فكرة مهمة الحماية في مضيق هرمز، متجاوزة مخاوفها من تعقيد الجهود الأوروبية للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مع إيران. وقالت أولريكه ديمير، المتحدثة باسم الحكومة الأسبوع الماضي “يجب أن تكون الأولوية في رأينا للجهود الدبلوماسية ووقف التصعيد” في أزمة الناقلات بين طهران ولندن.
وأضافت ديمير أن “الحكومة الألمانية مترددة في قبول الاقتراح الذي قدّمته الولايات المتحدة وهذا هو السبب في أنها لم تعرض المشاركة” لأن “النهج الشامل لسياستنا تجاه إيران يختلف بشكل ملحوظ عن النهج الحالي للولايات المتحدة”. وعقب رفض المشاركة في قوة عسكرية تقودها الولايات المتحدة في مضيق هرمز، تدرس الحكومة الألمانية إمكانية المشاركة في قوة أوروبية.
وقالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أولريكه ديمير، الاثنين في برلين “على نحو مبدئي ترى الحكومة الألمانية المقترح بقيام دول أوروبية بمهمة حماية بحرية (إلى الخليج) جديرا بالدراسة… نحن على تواصل وثيق مع الشركاء الأوروبيين حول هذا الشأن”.
وبحسب بيانات الخارجية الألمانية، ستكون هناك محادثات مع فرنسا على مستوى رفيع من المسؤولين حول هذا المقترح، كما من المخطط مناقشة الأمر داخل الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وأكد متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية إمكانية مشاركة البحرية الألمانية في مثل هذه المهمة، وقال “إذا افترضنا أن البحرية الألمانية استطاعت تلبية كافة المتطلبات الموكولة إليها حتى الآن، فإنني لا أرى سببا لعدم تحقيق ذلك في المستقبل أيضا”.
وتسعى الولايات المتحدة منذ أسابيع للحصول على دعم عريض لمهمتها العسكرية في حماية سفن تجارية من هجمات إيرانية في الخليج، إلا أن الحكومة الألمانية رفضت الأسبوع الماضي طلبا من الولايات المتحدة بالمشاركة في هذه المهمة، حيث لا ترغب ألمانيا في دعم سياسة “الضغوط القصوى” التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسط مخاوف من الانجرار إلى نزاع مسلح بين الولايات المتحدة وإيران.
وتزايد القلق من نشوب حرب في الشرق الأوسط تأتي بتداعيات عالمية منذ أن انسحبت الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي المُبرم مع إيران عام 2015، وأعادت فرض العقوبات عليها وقفزت قضية أمن الملاحة في الخليج، الذي يمر عبر نحو خمسة إمدادات النفط العالمية، إلى صدارة الأجندة العالمية منذ مايو عندما اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراء تفجيرات ألحقت أضرارا بست ناقلات على مدى عدة أسابيع.
ويرى جميس ستافريديس، أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية، أن إيران ليس لديها ميل ولا دافع للتراجع عن مواقفها، وربما يزيد الإيرانيون تحرّكاتهم العدائية ضد الملاحة التجارية في الخليج، سواء بوضع ألغام بحرية في مضيق هرمز كما فعلت أثناء الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن العشرين في ما عرف باسم “حرب الناقلات” أو حتى بإغراق إحدى السفن فعليا، وربما باستخدام غوّاصة تعمل بمحرك ديزل.
تنشر بريطانيا حاليا المدمرة دنكان والفرقاطة مونتروز في الخليج لمرافقة السفن التي تحمل العلم البريطاني في المضيق
ويمكن للإيرانيين كذلك توسيع نطاق المواجهة من خلال استخدام القوى التابعة لها في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان لضرب إسرائيل، أو لواء الفاطميين الشيعي الأفغاني لمهاجمة القوات الأميركية في أفغانستان. وإذا قامت إيران بمثل هذه الخطوات المتهورة، فمن المحتمل أن يردّ الغرب عليها عسكريا وسيتم توسيع نطاق وحجم التحرّك الدولي لحماية الملاحة في الخليج.
ويقول الأدميرال ستافريديس إنه من واقع خبرته العسكرية لعشرات السنين في الخليج، بما في ذلك قيادته لمجموعة قتال حاملة الطائرات الأميركية إنتربرايز أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فإنه متأكد من أن القيادة المركزية الأميركية ستوفّر الكثير من الخيارات العسكرية أمام الرئيس ترامب.
وتضمّ قائمة الخيارات الأميركية، إرسال كاسحة ألغام في الخليج، حيث توجد بالفعل كاسحة من هذا النوع في البحرين، أو إغراق السفن الحربية الإيرانية، وهو ما فعلته الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، في إطار عملية عسكرية باسم “فرس النبي”.
وتضمّ قائمة الخيارات المتاحة لدى العسكرية الأميركية، ضرب قواعد الدفاع الجوي الإيرانية والتي كانت ضمن قائمة الأهداف التي كانت ستستهدفها عملية عسكرية أميركية، قبل أن يتراجع عنها ترامب في اللحظة الأخيرة في يونيو الماضي، كما يمكن للولايات المتحدة شنّ هجمات إلكترونية ضد المنشآت العسكرية الإيرانية، وربما ضد شبكات كهرباء المدينة عندما تكون هذه الشبكات تدعم البنية التحتية العسكرية.