زحمة في هيئة الانتخابات التونسية للترشح للرئاسية
ما إن فتحت هيئة الانتخابات في تونس أبوابها الجمعة لقبول الترشّحات للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والتي ستجرى يوم 15 سبتمبر القادم، حتى تهافتت الوجوه السياسية على تقديم ملفات ترشّحاتها وذلك في مشهد فلكلوري يوحي بأن هذا الاستحقاق سيعرف كالذي سبقه في عام 2014 إرباكا لتوجهات الناخبين وتشتيتا لأصواتهم مما سيحتم منطقيا عدم حسم مسألة الانتخابات الرئاسية في دورة واحدة وبالتالي المرور إلى دورة ثانية ستشوش على الانتخابات التشريعية التي ستجرى في شهر أكتوبر.
فتحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الجمعة أبوابها لقبول ملفات المرشّحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والتي ستجرى بصفة رسمية يوم 15 سبتمبر القادم وذلك وسط تزاحم العديد من الوجوه السياسية لتقديم ترشّحاتها في الآجال التي حددتها الهيئة.
وحددّت هيئة الانتخابات في وقت سابق الفترة الممتدة من 2 أغسطس إلى غاية يوم الـ9 من نفس الشهر كآخر أجل لقبول ملفات الترشحات للانتخابات الرئاسية. وقد عرف اليوم الأول توافد عدة وجوه سياسية لتقديم الملفات القانونية الضرورية للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية.
وكان المنجي الرحوي، النائب بالبرلمان وعضو المكتب السياسي لحزب “الوطنيين الديمقراطيين الموحد” والمنتمي حاليا إلى حزب الجبهة الشعبية بعد تفتت ائتلاف الجبهة الشعبية (تجمع أحزاب يسارية وقومية)، أول الوافدين إلى مقر الهيئة لتقديم ملف ترشحه للسباق الرئاسي.
والرحوي، كان أحد أبرز قادة ائتلاف “الجبهة الشعبية” في البرلمان التي شهدت في الآونة الأخيرة خلافات عدة، أبرزها حول الشخصية التي سيتم ترشيحها للانتخابات الرئاسية. وتمسك حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بترشيح الرحوي للرئاسة، رغم أن الأغلبية داخل الجبهة صوتت لفائدة زعيم حزب العمال والناطق الرسمي باسمه حمة الهمامي. وكان من تبعات ذلك تقديم الرحوي و8 نواب آخرين استقالتهم من الجبهة، ليكوّنوا في ما بعد حزب الجبهة الشعبية.
ومن المنتظر أيضا أن يقدّم حمّة الهمامي بدوره في الأيام القليلة القادمة ملف ترشّحه للانتخابات الرئاسية بعدما أعلن حزبه (حزب العمال) عن ذلك في انتظار استكمال بعض الإجراءات من أهمها تحصيل العدد الكافي من التزكيات التي حدد عددها بـ 10 آلاف تزكية.
وقدم عدد آخر من السياسيين ملفات ترشحهم للانتخابات، الجمعة، ومن بينهم محمد عبو الأمين العام للتيار الديمقراطي، وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر سليلة حزب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي التجمع الدستوري الذي تم حله قانونيا عقب ثورة يناير 2011.ودون مفاجآت تُذكر قدم نبيل القروي، مالك قناة “نسمة” التلفزيونية ورئيس حزب قلب تونس الذي أُعلن تأسيسه مؤخرا، ترشحّه للانتخابات الرئاسية.
وبهذا الترشّح ينهي القروي مسلسل الجدل الذي رافق عدم ختم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عن القانون الانتخابي الجديد الذي لا يسمح للقروي بالترشح خاصة أن النيابة العمومية في تونس كانت قد أعلنت في يوليو الماضي، تجميد أموال القروي وشقيقه، ومنعهما من السفر، في إجراء احترازي بعد توجيه اتهامات لهما بـ”غسيل أموال”.
وأكد القروي أنه مثل أمام قاضي التحقيق، وقدم أدلة رد بها على من وصفهم بـ”الصبابة” (الواشين) الذين قاموا بتشويه سمعته، وفق تعبيره، مشيرا إلى ثقته الكبيرة في القضاء.
ومن المرجح أن يرتفع عدد المترشحين في الأيام القليلة القادمة إلى أكثر من ذلك بكثير، خاصة أن الأحزاب الكبرى -ومنها حركة النهضة الإسلامية وتحيا تونس حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد وكذلك نداء تونس- لم تعلن بعد عن مرشحها في الاستحقاق الرئاسي الذي باغت وأربك الجميع بما أن موعده كان محددا في شهر نوفمبر القادم إلا أن رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي بما رافقه من إكراهات دستورية حتّم تسبيق الانتخابات الرئاسية على التشريعية تفاديا لخرق الدستور.
ومنذ وفاة الباجي قائد السبسي تم بشكل لافت تداول أسماء العديد من الشخصيات التي ستترشح للرئاسية ومنها عبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني الذي تدعمه عدة وجوه سياسية وأحزاب لتقديم نفسه إلى هذا الاستحقاق.
ولم يحسم يوسف الشاهد رئيس الحكومة ورئيس حزب تحيا تونس موقفه من الترشح للرئاسية، مكتفيا بالقول في حوار تلفزيوني إثر إجابته عن سؤال بشأن نواياه مستقبلا “سأعلن خلال الأيام القادمة عن موقفي الذي اتخذته ولست العصفور النادر الذي تبحث عنه النهضة”. يذكر أن الأمين العام لحزب تحيا تونس سليم العزابي قد أكد في تصريحات سابقة أن يوسف الشاهد هو مرشح الحزب للرئاسية.
هرولة عشرات الأسماء للمنافسة على منصب الرئيس تربك العملية السياسية وتشتت أصوات الناخبين
ومن المنتظر أيضا أن يعلن الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، بعدما أعلنت شخصيات أخرى -كرجل القانون الدستوري قيس سعيد وكذلك حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق الذي استقال من النهضة وكذلك عالم الفضاء محمد الأوسط العياري- عن ترشحها لخلافة محمد الناصر الذي تولى مهام رئاسة الجمهورية بعد وفاة الباجي قائد السبسي.
ويرى المراقبين أن كثرة الأسماء التي قدّمت ترشحاتها للانتخابات الرئاسية ستساهم في تشتيت أصوات وتوجهات الناخبين في ظل عدم التزام المدارس السياسية بالتوافق حول مرشح واحد يحمل نفس المشروع السياسي.
وسيعاد نفس سيناريو انتخابات 2014، حين تقدّم 27 مرشحا للانتخابات الرئاسية ما أدى إلى تشتت أصوات الناخبين والالتجاء إلى دورة رئاسية ثانية فاز فيها آنذاك الباجي قائد السبسي على حساب منافسه المنصف المرزوقي.