#خليه_يغني_وحدو في الجزائر
من المطالب السياسية، تسري عدوى حراك الجزائر لتطال المهرجانات والحفلات الفنية، في إطار حملة يقودها ناشطون، لمقاطعة المهرجانات والحفلات الفنية، سعيا منهم إلى تحقيق جزء آخر من المطالب.
الجزائر – أطلق مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر هاشتاغ “خليه يغني وحدو” (اتركه يغنّي لوحده)، داعين إلى مقاطعة المهرجانات والحفلات الفنية، مراعاة لبعض مطالب الحراك الشعبي، مثل وقف هدر المال العام واستغلاله لخدمة التنمية المحلية.
والحملة نشطت العام الماضي في نفس التوقيت أيضا. وانتشرت على فيسبوك صور لجمع من المواطنين من ولاية ورقلة جنوبي الجزائر، وهم يؤدون صلاة الجماعة، في مسرح كان مخصصا لحفلة غنائية، في إطار برنامج وزارة الثقافة للسهرات الصيفية.
وأخرجت ظاهرة إلغاء الحفلات الغنائية، عن طريق إقامة الصلاة في المسارح المخصصة لها، عن إطارها المطلبي ذي البعد الاجتماعي، وربطها بعض الساسة والمثقفين بتنامي فكر ديني متطرف شبيه بما عاشته البلاد سنوات التسعينات، وفق معلقين.
وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعد عسيراً على أصحاب الآراء المتشددة البروز بقوة، والتنديد بما يعتبرونه خدشا لتعاليم الدين وقيم المجتمع، وتجلّى ذلك في معارضة عملية ترميم تمثال المرأة العارية وإعادته لمكانه وسط مدينة سطيف شرقي البلاد، بعد قيام شاب ملتح بتهشيم أجزاء منه، في ديسمبر 2017.
وفي 22 فبراير الماضي، انطلق حراك شعبي سلمي في مختلف مدن الجزائر، انتهى بتراجع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة، وتقديم استقالته في 2 أبريل الماضي، علاوة على سجن العديد من الوزراء ورجال الأعمال.
ويعتبر مهرجان “تيمقاد” الثقافي الدولي، والذي انطلق الأحد بمحافظة باتنة (شرق)، من التظاهرات التي واجهت دعوات للمقاطعة والإلغاء والتأجيل، من قبل نشطاء عبر مواقع التواصل.
ومهرجان تيمقاد الدولي تنظمه وزارة الثقافة بالتنسيق مع الديوان الجزائري للثقافة والإعلام، وديوان حقوق التأليف (حكوميين).
وبمؤتمر صحافي عقده السبت، قال رئيس المهرجان، يوسف بوخنتاش، إن “حملات المقاطعة أطلقها فنانون لم توجه لهم الدعوة”، مشددا على أن “الحراك الشعبي ليس ضد الفن والثقافة”.
وتابع بوخنتاش أن “الجمهور والسلطات المحلية، سواء البلدية أو المحافظة، راضيان بالمهرجان، ويسهران على إنجاح الدورة الـ41 للتظاهرة”.
وامتدت حملة المقاطعة أيضا إلى مهرجان “جميلة” العربي بمحافظة سطيف (شرق)، حيث طالب نشطاء بإلغائه وتحويل ميزانيته إلى التنمية المحلية، بدل تبذير المال في سهرات موسيقية.
وتنطلق الدورة 15 لهذا المهرجان الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتنسيق مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام (حكومي)، الأحد المقبل، بمشاركة عدة أسماء فنية محلية.
وتوسعت حملة “اتركه يغني لوحده” لتطال المغني الجزائري المعروف سولكينغ، واسمه الحقيقي عبدالرؤوف دراجي، حيث من المقرر أن يقدم سولكينغ حفلا فنيا تحت إشراف الديوان الوطني لحقوق التأليف (حكومي)، بعاصمة البلاد، في 22 أغسطس المقبل.
وطالب نشطاء وصفحات عبر منصات التواصل، سولكينغ بإلغاء حفله الفني بالجزائر، في ظل الظروف التي تشهدها البلاد.
وأضاف سولكينغ، في فيديو قصير “الحفل سيكون منظما، هناك أماكن مخصصة للعائلات وأخرى للشباب، ومبلغ الدخول 1500 دينار جزائري (نحو 10 دولارات)، ولم آت إلى بلادي كي أربح المال”.
ولفت المغني إلى أنه اختار “يوم الخميس 22 أغسطس المقبل لتقديم الحفل حتى لا يؤثر على الحراك الشعبي ليوم الجمعة (من الغد) أو حراك الطلبة يوم الثلاثاء الذي يليه”.
وتعقيبا على هذه الحملة، يرى فيصل مطاوي، الإعلامي الجزائري المختص في الشأن الثقافي والفني، أن حملة “خليه يغني وحدو لا معنى ولا جدوى لها”.
وقال مطاوي إن “مقاطعة المهرجانات الثقافية والفنية معناها إدارة الظهر للفنان والمثقفين”.
وأضاف أن “أعداء الثقافة والفن هم أنفسهم دائما، يريدون ركوب موجة الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد (…) من أجل تصفية حساباتهم مع الإبداع والفن”.
وحذر مطاوي من مقاطعة الحفلات والمهرجانات الفنية بقوله “حذار، إنها خطيرة، التطرف يغذيه الجهل”.
ولفت إلى أن ميزانية قطاع الثقافة في الجزائر تقارب 1 بالمئة (من إجمالي الموازنة العامة)؛ ورغم قلّتها يعتقد البعض أن الثقافة والفن زائدان ومجرد كماليات.
بدورها، ترى دليلة مالك، الصحافية المهتمة بالشأن الفني، أنّ المقاطعة التي تشنها بعض الأطراف على مواقع التواصل الاجتماعي “لها أسبابها”.
وقالت مالك إن “لها سببان؛ الأول يتعلق بالمصلحة الشخصية للداعين إلى المقاطعة، وذلك بعد أن أثبتوا فشلهم في تسيير مهرجانات سابقة، ويحاولون التموقع من جديد لكن دون جدوى”.
أما السبب الثاني، تقول إنه “مرتبط بغياب الوعي بأهمية هذه التظاهرات الثقافية، ونتائجها على سكان المدينة التي تحتضنه إن اجتمعت مجموعة من العوامل مع بعض”.
ودعت مالك المقاطعين إلى ضرورة أن يدركوا أن الميزانيات المرصودة للمهرجانات غير مرتبطة بميزانيات مخصصة للتنمية المحلية، وأن لكل جهة وصايتها ومهامها التي تضطلع القيام بها.
حملة “خليه يغني وحدو” أثارت ردود فعل متباينة مؤيدة ومعارضة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وكتبت صفحة منشورا جاء فيه:
لا للعهدة الخامسة
“قاطعوا تبذير مال الشعب في الحفلات الموسيقية”. وأضافت “شاركوا المنشور أيها الأحرار، يجب أن نتعلم ثقافة المقاطعة”.
في المقابل، انتقد الناشط آدم براي من يدعو إلى مقاطعة الحفلات، بينها حفل المغني سولكينغ.
وقال براي في تدوينة عبر فيسبوك، إن “سولكينع أقام حفلات في العشرات من البلدان الأوروبية والأفريقية والأميركية والعربية ولم ينتقده أحد”. وأضاف “وبعد عودته إلى بلاده ليغني للشعب، ويتبرع بنصف مداخيل حفله لليتامى والمرضى، بدأت الانتقادات تطاله”.
وتساءل “وبما أن بلادنا تعيش حراكا شعبيا وأزمة سياسية، فهل يجب أن يتم توقيف بطولة كرة القدم مثلا؟”، ليجيب “لا، يصح ذلك؟، لماذا لا نغلق على أنفسنا ونبقى فقط مع الحراك”.