قيادة الجيش تقطع الطريق على دعاة التهدئة السياسية في الجزائر
قدم الناشط السياسي والخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس، استقالته من لجنة الحوار والوساطة، في رد فعل أولي على الرسائل السياسية التي وردت في كلمة جديدة لقائد أركان الجيش الفريق قائد صالح، الأمر الذي يهدد بفشل الحوار السياسي في البلاد قبل بدايته.
وبرر لالماس، قراره بمضمون خطاب قائد صالح، الذي أعاد الوضع إلى مربع الصفر، بتأكيده على رفض الحوار المشروط، ولمطالب التهدئة المرفوعة من طرف أعضاء اللجنة، وهو ما يتناقض مع التطمينات التي أطلقها الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، من أجل مد جسور ثقة بين أطراف الحوار.
وأكد مصدر مطلع لـ”العرب” أن العضو المستقيل طالب أعضاء اللجنة بالاستقالة الجماعية ومع تجاهل دعوته قدم استقالة شخصية، وأعلن عن ذلك في منشور على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك.
وكانت لجنة الحوار والوساطة برئاسة كريم يونس، قد التأمت بعد الكلمة التي ألقاها الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، خلال إشرافه على حفل تكريم خريجين من مدارس عسكرية بمقر وزارة الدفاع، في العاصمة الجزائر.
ولوّح في وقت سابق رئيس اللجنة بالاستقالة الجماعية في ظرف أسبوع إذا لم تتفاعل السلطة مع إجراءات التهدئة المطلوبة، والتي تأتي على رأسها تنحية حكومة نورالدين بدوي، لكن الفريق قائد صالح رفض الشروط المسبقة للجنة. وباتت لجنة الحوار بذلك مخيرة بين التراجع أو الاستمرار في مهمة لا تدخل في قناعاتها السياسية.
ولأول مرة منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، مطلع أبريل الماضي، وصعود سلطة الأمر الواقع بقيادة المؤسسة العسكرية، يظهر تضارب بين توجهات قيادة الجيش والواجهة المدنية بقيادة عبدالقادر بن صالح، ففيما عبر الأخير عن استعداده لإطلاق إجراءات تهدئة قبل مباشرة الحوار، قطع قائد صالح الطريق على الجميع برفض أي مسعى لإضفاء أجواء من الثقة المبكرة، مما يرشح الوضع في الجزائر إلى المزيد من التعقيد والانسداد، بعد نسف فرص التئام أطراف الأزمة.
يأتي هذا بالموازاة مع توسع دائرة المقاطعة إلى العديد من الشخصيات المستقلة الوازنة، التي اقترحتها اللجنة السداسية للانضمام إليها، فبعد طالب الإبراهيمي، وأحمد بن بيتور ومولود حمروش، انضم اللواء المتقاعد رشيد بن يلس، إلى لائحة المقاطعين لأسباب أوجزها في غياب الجدية والنوايا الصادقة، وعدم التماهي مع الحراك الشعبي.
وكان كريم يونس قد أعلن عن موافقة الرئيس المؤقت على تلبية ستة مطالب لتهيئة المناخ ومد قنوات الثقة، وقد تم الاتفاق بين اللجنة وبن صالح، على إطلاق سراح كل معتقلي الحراك، واحترام قوى الأمن لطابع المسيرات السلمي، ووقف كل أشكال تعنيف المتظاهرين، إلى جانب تخفيف المخطط الأمني الخاص بالمسيرات، وفتح مداخل العاصمة خلال أيام المسيرات، وفتح وسائل الإعلام أمام جميع التيارات، في حين أجل البت في مطلب رحيل الحكومة لوجود عوائق دستورية، واشترط إخضاع الأمر لقراءة قانونية عميقة.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن إلحاح قيادة الجيش على الذهاب إلى انتخابات رئاسية في القريب العاجل، يخفي وراءه اختيارا يكون قد وقع على رئيس مدني وسيكون بمثابة واجهة مدنية له.
ويرجح مراقبون التوافق على شخصية رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، الذي يوصف بـ”ابن النظام”، والذي تتوفر فيه معايير سلطة الأمر الواقع، حيث يبدي تماهيا مع طرح المؤسسة العسكرية، إلا أن زخم الحراك الشعبي سيبقى التحدي الأول لأي انتخابات، فالسلطة التي تستعجل تنظيم الاستحقاق لم تجرؤ على الإعلان عن موعد جديد، خوفا من فشله كما فشل موعد الرابع من يوليو الماضي.
وفي قطعه للطريق على دعاة التهدئة أكد قائد صالح بالقول “يجدر بي في هذا المقام الإشارة إلى بعض الأفكار المسمومة التي بثتها العصابة، وتبنتها بعض الأصوات التي تدور في فلكها، والمتمثلة في الدعوة إلى إطلاق سراح الموقوفين الموصوفين زورا وبهتانا بسجناء الرأي، كتدابير تهدئة حسب زعمهم، وعليه، أؤكد مرة أخرى أن العدالة وحدها من تقرر، طبقا للقانون، بشأن هؤلاء الأشخاص الذين تعـدوا على رموز ومؤسسات الدولة وأهانوا الراية الوطنية، ولا يحق لأي أحد كان، أن يتدخل في عملها وصلاحياتها ويحاول التأثير على قراراتها”.
ويتواصل الارتباك بالمشهد السياسي في الجزائر حيث أقال الرّئيس الجزائري المؤقت وزير العدل حافظ الأختام سليمان براهيمي المعيّن قبل أشهر قليلة، حسبما أفاد بيان لرئاسة الجمهورية الأربعاء. وقال البيان إن بن صالح عين النائب العام لمجلس قضاء الجزائر زغماتي بلقاسم خلفا له.
يأتي ذلك في وقت تتسارع فيه الأحداث بالبلاد، بحثا عن سبل لحل الأزمة التي تمر بها الجزائر منذ 22 فبراير الماضي.