غض طرف الاتحاد الأوروبي عن تركيا قد يكون باهظ التكلفة
قادتني المحادثات في بروكسل على مدى ثلاثة أيام إلى نتيجة واحدة: تركيا ليست في مكان يمكن رؤيته على شاشة رادار المسؤولين هناك. ربما كانت خفية في اللاوعي الجمعي للاتحاد الأوروبي.
يلقي البعض في بروكسل باللوم في قلة الاهتمام على العطلة الصيفية، فالمدينة تعمل بنصف طاقتها. ينصبّ كل ما تبقى من الاهتمام على رئيس وزراء بريطانيا الجديد، بوريس جونسون، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يبدو أن تصاعد التوترات في شرق البحر المتوسط بسبب الخلاف على التنقيب في المياه القريبة من قبرص مما يدخل تركيا في مواجهة مع العضو الجنوبي الشرقي في الاتحاد، قضية لا يريد أحد الخوض فيها.
كان المزاج العام في أعقاب الانتخابات عنصرا إضافيا في حالة اللامبالاة. سيستغرق اختيار الأشخاص في المناصب الرئيسة، كما هو الحال في قسم التوسعة، بعض الوقت. قبل ذلك، يبقى معظم الكلام مجرد لعبة تخمين.
ثمة دلائل تشير إلى موقف الاتحاد الأوروبي -أو الامتناع عن الوقوف- وجها لوجه أمام تركيا. في أول لقاء مع رئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة أورسولا فون دير لاين، إذ لم يتم نطق كلمة واحدة بشأن تركيا.
وقال أحد المراقبين الأتراك من أصحاب الخبرة “هذا يظهر كيف تعتبر البلاد حالة ميؤوسا منها في هذه الأيام”. وأضاف المراقب “إنه تأثير تعب أردوغان”.
ويقول مراقبون آخرون إن عدم ذكر تركيا في مثل هذا الاجتماع الحاسم يجب أن يعتبر إيجابيا بالنسبة لأنقرة. لو تم لفت الانتباه لتركيا، لواجهت أنقرة سلسلة من الضربات الموجعة.
على مستوى البرلمان، قد تكون هناك حالة من انعدام اليقين المفهومة. قد يحدد من الذي سيتم تعيينه في منصب مفوض سياسة التوسعة والجوار لهجة السياسات المتعلقة بالعلاقات مع أنقرة.
على مستوى المفوضية، يبدو أن الموقف تجاه تركيا لم يتزعزع، على الرغم من التوتر في شرق البحر المتوسط والعقوبات المفروضة على أنقرة. يستمر النظر إلى تركيا على أنها شريك استراتيجي.
في نظر الجهاز التنفيذي في الاتحاد الأوروبي، لا تزال مفاوضات الانضمام قائمة وثمة آمال كبرى في أن تكون هناك خيارات مفتوحة لإصلاح اتفاقية الاتحاد الجمركي. وعلى العمود الفقري لما تسميه المصادر بـ”الاستراتيجي”، تم نحت الكلمة الرئيسة “المعاملات” بشكل عميق.
جميع القضايا الحيوية -قضايا اللاجئين والطاقة والتجارة- مقسّمة بشكل حاد. تم دفع الآلية الأساسية التي ستجعل تركيا تظل مرشحة جادة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهي معايير كوبنهاغن، إلى زاوية مظلمة. يبدو أن الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان وانهيار حكم القانون في تركيا لا يجذب سوى القليل من الاهتمام. ويثبت المزاج العام، إذا نظرت إليه بسخرية، النقطة التي أثارها المسؤولون الأتراك، وهي أن “الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تركيا أكثر مما نحتاج إلى الاتحاد الأوروبي”.
لا يوجد ما يشير إلى أن سلسلة “الإجراءات”، التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي بدلا من “العقوبات”، المفروضة على تركيا، يتم أخذها بجدية من قبل أي مصدر في بروكسل. وكما وصفتها مجلة ذي إيكونوميست بشكل صحيح على أنها “ضعيفة”، فإنها مزيج من تخفيضات المساعدة المالية ووقف مؤقت للتخفيضات الضريبية عالية المستوى على المساعدة المالية وتعليق اتفاقية الطيران.
الإجراء الأول هو مجرد استمرار لما لا يحدث منذ بداية عام 2019 على أي حال. والثاني لا معنى له في الأساس لأن المحادثات كانت متوقفة منذ فترة طويلة. الإجراء الثالث مثير للضحك، على حد تعبير مصدر رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي. وقال المصدر “عندما ظهر في النص، لم يكن لدى أيّ منا أي فكرة عما يتحدث عنه بياننا، فقد قام شخص ما بوضع النقطة الأقل ضررا والأكثر غموضا، كان ذلك واضحا”.
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يرفض مواجهة الحقائق المؤلمة ويلعب دور النعامة عن طريق دفن رأسه في الرمال، وذلك في الأساس بسبب الافتقار إلى سياسات متماسكة بشأن كيفية التعامل مع الأعضاء أو شركاء التفاوض الذين يخرجون عن المسار. تعتمد العديد من الخيارات على افتراضات وردية وكسب الوقت. وسوف تجلب المزيد من الضرر أكثر من أي علاج.
وخلصت مجلة ذي إيكونوميست في تعليق لها إلى أن “تجنب الاقتراب الشديد من تركيا في حين يتم التطلع إلى نهاية عصر أردوغان لا يخدم مصالح أوروبا… لقد أصبح اقتصاد البلاد الآن على حافة أزمة العملة (لا يساعدها تدخل الحكومة في أسعار الفائدة)، وتضغط الحكومة القبرصية، خوفا من الأعمال العدائية، من أجل إجراء محادثات جديدة، وتقوض صفقة الصواريخ الروسية الأمن الغربي… تمثل تركيا أولوية طبيعية للاتحاد الأوروبي. وتمثل اختبارا أيضا”.
وفي نهاية المطاف، في ما يتعلق بالعقوبات الدولية، لا توجد إجراءات نصف فعالة؛ يعني إما العمل الجاد وإما الامتناع عنها تماما. لقد رأى أردوغان، وهو مقامر يمارس لعبة خطرة للغاية، من خلال خطوات الاتحاد الأوروبي أنه كلما كانت حكومته انتهازية، على سبيل المثال، عند التنقيب حول قبرص، كان من السهل أن يفلت بنواياه. وسيبقى السؤال عمّا إذا كان الاتحاد الأوروبي يدرك خطورة الاختبار.