توازنات جديدة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية
تسير الأوضاع السياسية في الجزائر إلى ترتيبات جديدة، توحي بتوزيع لافت للمواقع في المشهد القادم، ففيما يستعد النقيب الفار منذ 25 سنة في بريطانيا أحمد شوشان، للعودة إلى البلاد، قرر وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، عدم العودة من رحلته العلاجية، بسبب مخاوف من اعتقاله.
وينتظر أن يحل قريبا بالجزائر، أحمد شوشان النقيب الفار إلى بريطانيا منذ ربع قرن، والمحكوم عليه في تسعينات القرن الماضي بتهم التمرد على قيادة الجيش والتواطؤ مع قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية، وهو ما يوحي إلى أن عفوا يكون قد صدر في حق الرجل من طرف قيادة أركان الجيش، نظير خدمات دعائية قدمها منذ سنوات لفائدة القيادة الحالية، والترويج لما بات يعرف بـ”رفع الوصاية الفرنسية على الجزائر”.
في المقابل أعلن وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، المعروف بعدائه للإسلاميين وقيادته للحرب على الإرهاب في حقبة التسعينات، عن عدم عودته إلى أرض الوطن، بسبب مخاوفه من مصير الاعتقال على شاكلة رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك انتقاما منه على منشور نشره في صفحته الرسمية على تويتر.
ويوحي هذا التباين في التطورات على ساحة أقوى المؤسسات في الجزائر، إلى أن البلاد على وشك إعادة توزيع الأدوار والنفوذ بين أجنحة المؤسسة، فبعد هيمنة الصقور على المشهد منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، جاء الدور على مرحلة جديدة يقودها جيل جديد من الضباط وعلى رأسهم قائد الأركان الجنرال أحمد قايد صالح، وهو الجيل الذي ينوي رسم خارطة طريق جديدة للبلاد.
وتلمح العودة المنتظرة للنقيب الفار أحمد شوشان، وامتناع الجنرال خالد نزار عن العودة إلى البلاد من رحلته العلاجية إلى إسبانيا، إلى أن موازين القوى قد مالت بشكل نهائي لصالح تيار بعينه داخل المؤسسة العسكرية، وإعلان نهاية تيار آخر قاد البلاد في السر والعلن، منذ التدخل في مطلع التسعينات لوقف المسار الانتخابي الذي اكتسحه إسلاميو جبهة الإنقاذ المحظورة، إلى غاية السقوط المدوي لكبار الجنرالات والضباط بداية من الصائفة الماضية، وانتهاء بسجن مدير جهاز الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق)، وفرار الجنرال خالد نزار.
وتأتي هذه التطورات في ساحة المؤسسة العسكرية بالموازاة مع مباشرة السلطة لمسار حوار سياسي أثار لغطا كبيرا، خاصة في ظل الشكوك التي تحوم حول خلفياته ومخرجاته، لاسيما وأن بصمة العسكر باتت واضحة في المسارات التي اتخذتها البلاد خلال الأسابيع الأخيرة من الحراك الشعبي.
ولا يستبعد أن تكون الخطوات المعلن عنها من طرف الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، قد اتخذت بإيعاز من الرجل القوي في المؤسسة العسكرية الجنرال قايد صالح، وأن المخرجات التي تريدها السلطة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج عن أجندة التوجهات الجديدة للجيش.
ويعد النقيب الفار أحمد شوشان، من الضباط الذين تمردوا على سلطة الجيش خلال سنوات العشرية الدموية، بسبب تضارب المواقف في التعاطي مع الأزمة الأمنية، ومنهم من كان متعاطفا مع إسلاميي جبهة الإنقاذ المحظورة.
إلا أن الحملة الدعائية التي شنها البعض منهم خلال السنوات الأخيرة في ديار المهجر، المؤيدة لتوجهات القيادة الجديدة للعسكر، ومعاداتهم للتيار الفرانكوفيلي داخل المؤسسة وفي عموم مؤسسات الدولة، يلمح إلى أن المآلات الأخيرة في البلاد كان مخططا لها منذ سنوات، وأن الخطاب السائد حاليا لدى الدوائر الموالية للجيش، يستمد جذوره من حملة دعائية شنّها هؤلاء كإطلاق منظمة رفع الوصاية الفرنسية عن الجزائر في لندن.
وينتظر أن تثير العودة المرتقبة والعفو عن النقيب أحمد شوشان، جدلا كبيرا، على خلفية الكيل بمكيالين تجاه المعارضين السياسيين الناشطين في الخارج، فضلا عن استمرار القبضة الحديدية في البلاد رغم الوعود بإجراءات التهدئة التي أطلقها الرئيس المؤقت.
وفيما تبقى مجهولة ظروف وملابسات عودة شوشان، يبقى الكثير من المعارضين في الخارج ممنوعين من دخول البلاد، زيادة على وجود العشرات من المعارضين السياسيين وناشطي الحراك الشعبي في السجون منذ عدة أسابيع، وعلى رأسهم ضابط جيش التحرير الوطني الرائد لخضر بورقعة، فضلا عن عشرات آخرين من المحسوبين على جبهة الإنقاذ الإسلامية.
وكان شوشان، قد أثار استياء نشطاء الحراك الشعبي، في أعقاب تصريحات وصفت بـ”المسيئة” أطلقها في لندن، وصف فيها المحتجين بـ”الجواري والغلمان”، واتهم من طرفهم بكونه يمثل أحد أذرع الدعاية التي تخوضها قيادة المؤسسة العسكرية في الخارج، وأن عودته لن تكون بأي حال من الأحوال إلا جزاء على أداء خدمة، خاصة وأنه كان يمثل واحدة من المنصات الدعائية التي تستهدف إجهاض الحراك الشعبي.
وفي سياق متصل لا يزال الكثير من اللغط والشكوك يحوم حول الحوار السياسي المعلن من طرف الرئاسة المؤقتة، حيث ظهرت الخلافات من أول الطريق بين أطراف اللجنة المعينة، كما أن تأخر الرئاسة في الوفاء بالتزاماتها تجاه إجراءات التهدئة، قلص من مصداقيتها لدى الرأي العام.
وخيّمت نفس القبضة الحديدية على الجمعة الـ23 من الحراك الشعبي، ولم يصدر أي شيء عن مساجين الرأي لحد الآن، أما الحديث عن رحيل حكومة نورالدين بدوي، فقد بات أكثر تعقيدا ويتجاوز حتى سلطة الرئيس المؤقت بن صالح، الذي أقر بأن “الدستور لا يخوّل له إقالة الحكومة، لكنني أتمنى أن يأتي القرار (الاستقالة) من طرفها”، وهو ما يرهن حظوظ الحوار مبكرا.
وكان عضو اللجنة إسماعيل لالماس، قد صرح في نقاشات هامشية مع المحتجين الجمعة بأننا “ذاهبون لرفض أي حوار مع رموز السلطة التي يرفضها الشعب (بن صالح وبدوي)، وأن الحوار خيار حتمي للخروج من الأزمة، ولن يكون إلا مع الحراك الشعبي”.