الصمت الدولي تجاه الأزمة الجزائرية لا يلغي القلق الخفي
لا زالت المواقف وردود الفعل الدولية تجاه الوضع السياسي في الجزائر، تحت سقف الترقب والانتظار لما ستسفر عنه المحاولات المحتشمة للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه منذ نحو ستة أشهر.
وأرجع متابعون للشأن الجزائري، عدم تفاعل المجتمع الدولي مع أحداث الحراك الشعبي في الجزائر، عكس ما هو جار في دولة السودان التي تعيش أوضاعا مشابهة لتلك التي تعرفها الجزائر منذ شهر فبراير الماضي، إلى الزخم الشعبي المتقطع، وإلى غياب نخبة قيادية للحراك الشعبي.
ولا يزال الحراك الشعبي الجزائري يحتفظ بمسيراته الشعبية الأسبوعية كل جمعة والاحتجاجات الطلابية كل يوم ثلاثاء، مع الخروج المتقطع لبعض الفئات الاجتماعية الأخرى لنفس الغرض كما هو الشأن بالنسبة للمحامين والقضاة والنقابات المهنية المستقلة.
كما يبقى الحراك متمسكا برفض إفراز أي قيادة تفاديا لتجارب احتجاجية ماضية، حيث استطاعت السلطة الالتفاف على تلك القيادات وعزلها عن قواعدها باعتماد سياسة العصا والجزرة، كما هو الشأن بالنسبة لأحداث حركة ”العروش” البربرية العام 2001.
ويعتبر ناشطون أن مطالب الحراك الشعبي هي أوامر، لأنه لا سلطة تعلو فوق سلطة الشعب، وأن الحراك قام باستفتاءات مباشرة في مسيرات مليونية، تجري في أمن وسلام أذهلا المتابعين في مختلف العواصم الإقليمية والعالمية، وأن أي محاولة لإفراز قيادة هي وقوع في الفخ الذي تريده السلطة لتفكيك وتشتيت الزخم الشعبي.
وصرّح أستاذ العلوم السياسية عبدالحق بن سعدي، بأن عدم استقطاب الحراك الجزائري للأنظار الدولية خاصة العواصم المؤثرة في القرار المحلي، يعود إلى غياب الفاعلية الميدانية والنخبة القيادية.
وأضاف “الحراك الجزائري يكتفي بالخروج الأسبوعي للشارع من طرف عموم الشعب وطلبة الجامعات، وهو ما لم يعد يزعج السلطة خاصة بدخول عامل الروتين على الخط، كما أن تحكمها في سيرورة الأحداث بفرض آلتها الأمنية، سمح بعودة الشك، عكس السودان الذي تطورت فيه الأحداث إلى مفاوضات مباشرة بين الشارع والجيش”.
ولفت إلى أن الاهتمام الدولي بالوضع في السودان أكثر منه في الجزائر، يعود إلى اقتراب الأحداث في الأولى من المخرجات التي تهم توجهات ومصالح العواصم المؤثرة في قرار الخرطوم، بينما الأمر في الثانية لا يزال يراوح مكانه وغير مثير للاهتمام أو القلق على المصالح والنفوذ.
ويبقى صمت باريس الأكثر إثارة للاستغراب فبعد التصريحات المواكبة للأحداث خلال الأسابيع الأولى لانطلاقة الحراك الشعبي، لمختلف المسؤولين الفرنسيين، باتت فرنسا الآن تلتزم الصمت، رغم تصاعد الخطاب المعادي لمصالحها من طرف الجناح الموالي للمؤسسة العسكرية، لاسيما بعد توجه وزارة التعليم العالي إلى اعتماد اللغة الإنكليزية في المناهج الجامعية والاستغناء عن اللغة الفرنسية.
وتجمع بكين وموسكو وواشنطن وباريس، على احترام إرادة الشعب الجزائري وعلى الإشادة بالطابع السلمي والهادئ للحراك الجزائري، حيث تطابقت تصريحات لمسؤولين صينين وروس، على ضرورة التفاعل الإيجابي مع مطالب الشارع الجزائري، رغم التضرر غير المعلن لمصالح البلدين في الأشهر الأخيرة.
وكانت الصين أول شريك اقتصادي وتجاري، يخسر صفقة مهمة في الجزائر بعد اندلاع الحراك الشعبي، بعد وقف تنفيذ مشروع ميناء شرشال بغرب العاصمة، المقدر بنحو 6 مليارات دولار، بسبب دخول رجل الأعمال المحسوب على النظام السابق علي حداد، في الصفقة وهو المتهم بالفساد والمسجون منذ نحو شهرين.
ويرى مراقبون في الجزائر، بأن مناورات السلطة التي ساهمت في تقليص حدة الحراك الشعبي، مقابل العوامل الطبيعية والزمنية، وغياب الإبداع الاحتجاجي والتصعيد الميداني، مكن سلطة الأمر الواقع من التحكم في الوضع وعدم الانزعاج خاصة أمام الرأي العام الدولي، رغم فشلها في تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة مطلع الشهر الجاري.
ويذهب هؤلاء إلى أن المحيط الإقليمي، يبدي عدم قلقه من الوضع الجزائري، عكس ما هو حاصل في السودان، بسبب استقرار الوضع لحد الآن، لكن أي انزلاق اجتماعي أو نزوع نحو العنف، سيثير حتما حفيظة مختلف العواصم الغربية، لاسيما تلك الواقعة على الضفة الشمالية للمتوسط، خشية وقوع أي سيناريو نزوح يعيد للأذهان السيناريو السوري.
ورغم رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني في الخامس من يوليو إلا أن معهد بروكينغ للدراسات الاستراتيجية، نظم خلال الأيام الماضية ندوة لخبرائه لمناقشة الحالة الجزائرية، ومآلات الصراع بين الحراك والسلطة.
وهو ما يثير تكهنات بقرب بلورة واشنطن لرؤية بشأن الأزمة الجزائرية باعتبار أنها تتعامل مع الأزمات المستجدة في العالم انطلاقا من نتائج دراسات معاهدها ومراكزها الاستراتيجية.