سليمان شنين ها قد وصل الإسلاميون إلى المشهد الجزائري
استطاع الرئيس الجديد للبرلمان الجزائري سليمان شنين، أن يراوغ بدهاء شديد أعرق الأحزاب الإخوانية، ويتصدر المشهد السياسي في البلاد، ورغم أنه ينحدر من حزب إسلامي حديث يوصف بالمجهري، إلا أنه تمكّن من أن يدير اللعبة بدعم من أحزاب السلطة، ويتحوّل إلى طرف قوي في معادلة جديدة، قوامها تحالف غير معلن بينها وبين فصيل وجيل جديد من الإسلاميين.
شنين ومنذ أول ظهور له بعد تنصيبه على رأس البرلمان، حاول أن يركب موجة الشعبوية واختطاف الأضواء، بتوجيه رسالة تهنئة لمنتخب بلاده المشارك في بطولة كأس أفريقيا للأمم، بمناسبة تأهله إلى أدوار متقدمة، وذلك قبل أن يظفر الجزائريون بكأس أفريقيا، إلا أن تلك اللعبة لم تعد تنطلي على أحد، لاسيما وأن نتائج المنتخب غذّت روح الحراك الشعبي، أكثر مما أدّت مفعول المنوم للشارع للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، كما كان يسود في وقت سابق.
وكما لم تخدم أجندة التطورات الرئيس الجديد في البرلمان، لأن ظهوره خلال الأسابيع الماضية وسط جموع المتظاهرين في الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة، لم تغط عليه تهم التنديد والانتهازية المعبّر عنها في مسيرة الأسبوع الواحد والعشرين من عمر الحراك الشعبي، التي جاءت مباشرة بعد تنصيبه، وجاء الرد سريعا على انقلاب الرجل على مواقفه وانكشاف حقيقته أمام الملأ.
يرى ناشطو الحراك الشعبي في الجزائر، بأن تطور الأوضاع في البلاد، عرّت حقائق الناس وكشفت مواقف الجميع أمام الرأي العام تدريجيا، والغربال الآن يسقط الشوائب الدخيلة، فكما خان وزير العلاقات مع البرلمان فتحي خويل، ووزيرة الثقافة مريم مرداسي، الحراك الشعبي الذي ظهرا فيه قبل أن يغرّهما المنصبان في حكومة نورالدين بدوي الممقوتة شعبيا، التحق بهما سليمان شنين، في رئاسة البرلمان، وهكذا يتطهر الحراك تدريجيا من الانتهازيين والدخلاء.
الحراك الشعبي والشوائب
وبقدر ما أثار بيان وقّعه شنين، في الـ11 مارس الماضي، بوصفه رئيس الكتلة النيابية لتحالف النهضة والعدالة والبناء، استغراب المتابعين، بقدر ما أكد وفاء الرجل لتقاليد الإسلاميين في التقلب والحربائية، فالرجل الذي يتخفى في ثوب المعارضة، بات حليفا للأحزاب التي أيّدت بوتفليقة في السابق، وتدعم قيادة الجيش في الحاضر.
وهو نفسه الذي وقّع على بيان يعلن فيه عن “انسحاب نواب الكتلة من أنشطة البرلمان تماشيا مع مصالح الشعب وطموحاته، والعمل على تفعيل كل الأشكال القانونية في مسايرة الحراك والعمل على إنجاح مطالبه”، ودعا مؤسسات الدولة إلى “التجاوب الفوري مع المطالب الشعبية وتحمّل مسؤولياتها وعدم الالتفاف عليه”.
وعكس المناسبات الماضية الذي كانت السلطة توظف نتائج الكرة لكسب ود الشارع، فإن نتائج المنتخب أدّت مفعولا عكسيا على السلطة وعلى الرجل الثالث في الدولة، وأبلغت رسائل مبطنة حول ارتباط النتائج بالكفاءة والعمل والروح الوطنية، وهي الشروط التي تفتقد إليها السلطة ومؤسسات الدولة، وهو ما اختصره أحد المعلّقين على شبكات التواصل الاجتماعي بالتساؤل، كيف للاعب يذرف الدموع لتضييعه ركلة جزاء، وسلطة أضاعت بلدا بأكمله ما زالت جاثمة على صدر شعبها؟
صراع بين الإسلاميين
إذ حقق شنين، المفاجأة بتصدره هرم البرلمان، في واحدة من التوازنات المثيرة بين السلطة والإسلاميين، فإنه ضيّع بسرعة ثقة الشارع في شخصه وفي حزبه وتياره، وأدرج بنفس السرعة في خانة السياسيين والحزبيين الذين ناوروا في ندوة “عين البنيان”، من أجل تمرير أجندة الالتفاف على الحراك الشعبي، عبر تواطئ بين السلطة ومعارضة مفبركة سرعان ما افتضح أمرها، وعبّر المتظاهرون عن رفضهم أن تكون ممثلة لهم أو ناطقة باسمهم.
ومع ظهور نوايا السلطة في المراهنة على وجوه جديدة من التيار الإخواني، لبناء توازنات وأدوار جديدة، بعد استهلاك الوجوه والأحزاب الإسلامية القديمة، فإن النيران الصديقة لم تتأخر في الاشتعال داخل بيت الإسلاميين، حيث تراوحت مواقف أكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد، بين الرفض وبين عدم التحمس لتنصيب شنين على رأس البرلمان.
ويبدو أن الرجل القادم من حركة البناء الوطني المنشقة عن حركة مجتمع السلم، والعضو في التحالف البرلماني الإسلامي “النهضة والعدالة والبناء” الحائز على 15 مقعدا برلمانيا من مجموع 461 نائبا يمثلون الغرفة التشريعية الأولى، لا يحمل من لقب المعارضة أي معنى، بعدما زكّته أحزاب السلطة في المنصب الجديد.
وقد صرّح رئيس حركة العدالة والبناء عبدالله جاب الله، بأن “تزكية شنين، رئيسا للمجلس الشعبي الوطني، لا تعبّر بالضرورة عن الموقف الرسمي للحزب، وأن هذا لا يعنينا فلسنا معه ولسنا ضده”.
أما البرلماني والقيادي في نفس الحزب حسن عريبي، فقد ذكر في تدوينة له، بأن “نواب جبهة العدالة والتنمية الحاضرين في الجلسة زكّوا الأخ شنين، بشكل فردي ومستقل ولا يعبّر بالضرورة عن الموقف الرسمي للحزب، وأن موقف جبهة العدالة والتنمية عموما والشيخ عبدالله جاب الله خصوصا، لا علاقة لهم بانتخابه ولا يعبّر موقف بعض النواب المنتمين إلى الجبهة عن موقفها، وأن رئيس الحزب لم يشاور أصلا في هذه الخطوة، ولما علم بأن سليمان شنين قد يكون هو رئيس البرلمان قال: إن هذا لا يعنينا، فلسنا معه ولسنا ضده”.
وفي الجهة الأخرى، وصفت المجموعة البرلمانية لحركة “حمس” التي قاطعت الجلسة، تزكية شنين على رأس البرلمان، بـ“العملية التزيينية الفاشلة للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي”، وهو ما يعكس حالة الامتعاض داخل المعسكر الإسلامي، على الصعود المفاجئ للرجل، وعلى خسارته لمواقعه وأدواره الكلاسيكية في المشهد السياسي للبلاد، لاسيما مع تأكده بأن السلطة تتوجه للاستغناء عنه، والاستعانة بلاعبين جدد من التيار الإسلامي. وعلّقت الكتلة على الموقف بالقول “أمر واقع مثل من سبقه، ولا تمثّل تزكيته حالة ديمقراطية، إذ هو نتاج هِبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزوّرة ومرفوضة من الشعب الجزائري”.
وأضافت أن مقاطعة المجموعة البرلمانية للحركة لعملية انتخاب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجديد، جاء تنفيذا للقرار السياسي للحركة سابق ليوم الانتخاب ومعرفة المرشحين، وذلك انسجاما مع قرار وتوصيات مجلس الشورى الوطني، الذي ألزم مؤسسات الحركة وهياكلها بالتناغم مع مطالب الحراك الشعبي، وأنها بقيت ملتزمة بالاتفاق الذي وقع بين الكتل البرلمانية للمعارضة بمقاطعة أشغال المجلس”.
ولفت بيان الكتلة، إلى أن “الطريقة المتبعة لانتخاب الرئيس الجديد، هي ذاتها التي تم بها سحب الثقة من بوحجة، وانتخاب بوشارب، ثم سحب الثقة منه، بنفس الأشخاص ونفس ممارسات الإيعاز الفوقي الذي جاء الحراك الشعبي لإنهائه، فلا يوجد أي مبرر لتغيّر المجموعة البرلمانية للحركة موقفها”.
الدوامة الإخوانية
يعدّ الرجل من الرعيل الأول المؤسس لأول الأحزاب الإخوانية في الجزائري، في نهاية ثمانينات القرن الماضي، حيث ظل إلى سنوات مقرّبا وذراعا إعلامية للزعيم والمؤسس الراحل محفوظ نحناح، ثم انخرط في جبهة التغيير المنشقة هي الأخرى عن “حمس”، قبل أن يتوارى عن الأنظار ويؤطر نفسه في سياق شبه مستقل، لكن العارفين بمسار الرجل، يجزمون بأن إيحاءات جهاز الاستخبارات السابق غيرت مهامه لأفكار وتصوّرات أخرى.
البيان الذي يعود لمارس الماضي، والذي وقعه شنين بوصفه رئيس الكتلة النيابية لتحالف النهضة والعدالة والبناء، أثار استغراب المتابعين، بقدر ما أكد وفاء الرجل لتقاليد الإسلاميين في التقلب والحربائية
ولا يخفى على الكثير في الجزائر، بأن إطلاق شنين، لمركز الرائد للدراسات الاستراتيجية بالموازاة مع صحيفة الرائد خلال السنوات الأخيرة، كانت بمثابة تتويج لخدمة قدّمها للجهاز على مدار سنوات طويلة لما كان يمثل عينهم داخل تيار الإخوان.
ومع اعتلائه لقصر زيغود يوسف “البرلمان”، يطرح بقوة الاستفهام عن دلالات وخلفيات هذا الصعود المثير، فهو إما انقلب على علاقاته ووفائه لرمز جهاز الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين “توفيق”، المتواجد في السجن العسكري بالبليدة منذ أكثر من شهرين، واستغلّ توتر العلاقة بين السلطة والأحزاب الإسلامية العريقة، ليطرح نفسه وحزبه كبديل جديد، وإما أن الدولة العميقة تكون قد خادعت سلطة الأمر الواقع، ودفعت بأحد أعوانها للواجهة، ليكون عكازها الذي تستند إليه في مقاومتها لسلطة العسكر بقيادة الجنرال قايد صالح.
أمر صدر من فوق
وتوحي جميع أطوار المفاجأة، إلى أن أمرا ما قد صدر من جهة في هرم السلطة، وتتجه الأصابع في هذه الحالة إلى المؤسسة العسكرية، قياسا بحالة الترقب التي كانت تسود أروقة المجلس يوم الانتخاب، حيث أودع ستة مترشحين ملفاتهم للتنافس على المنصب، وهم ثنائي حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عبدالحميد سي عفيف ومصطفى بوعلاق، ومحمد هلالي عن كتلة المستقلين، ونورالدين بلمداح البرلماني عن الجالية الجزائرية في المهجر، وبن عولة هواري عن حزب حركة الوفاق الوطني، ولخضر سيدي عثمان عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي.
لكن شنين، خرج في آخر المطاف معلنا عن ترشحه عن كتلة تحالف النهضة والعدالة والبناء، وتسود لغة الأفواه والأذان، وترتفع تدريجيا لتكشف أن الرجل يحظى بدعم السلطة، وعلى جميع المرشحين إعلان انسحابهم من السباق، لتتحوّل العملية إلى تزكية، دعمتها بدرجة كبيرة الكتل النيابية للموالاة، ويصبح بذلك أول رئيس برلمان محسوب على المعارضة الإسلامية، ينحدر من كتلة نيابية يبلغ عدد نوابها 15 نائبا، فيما رضخت أحزاب الأغلبية “260 نائبا” للأمر الواقع.
ويذهب تصريح شنين في نفس المنحى، حيث ذكر في أول كلمة له في منصبه الجديد، “هذه جلسة تاريخية في حياة بلادنا لعدة اعتبارات، كونها جاءت في ظرف حساس ويجب أن نعطي للشعب الثقة الكاملة في مؤسسات الدولة، ونعبّر عن دعمنا لهذا الحراك الشعبي السلمي، كما لا يفوتنا أن ندعم ونعتز لموقف الجيش الوطني الشعبي وقيادته، وخاصة تصريحات قائد الأركان، المتكررة في مكافحة الفساد وبناء دولة ديمقراطية”.
وتكون منظمة المجاهدين “قدماء المحاربين”، أول من يضع العصا في عجلة الرئيس الجديد، لما طالبته مؤخراً بتفعيل قانون تجريم الاستعمار، الذي أجهض العام 2006، من طرف أحزاب الأغلبية بإيعاز من نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. وصرّح الأمين العام للمنظمة بالنيابة محند واعمر بن الحاج، في تسجيل صوتي، بأن “فرنسا قدست ما قامت به في الجزائر على أنه عملية تَحَضّر لفائدة الشعب الجزائري، ويجب على برلماننا الآن أن يفتح ملف تجريم الاستعمار، أحسن رد فعل على قانون البرلمان الفرنسي. لسنا نطلب التعويضات بل هي حقوق للشعب بعد أن قاموا بتهديم بلادنا”.