بريطانيا بمعارضة تُعادي السامية وحزب حاكم يُغذّي الإسلاموفوبيا
يتسم المشهد السياسي البريطاني بتقابل ضدين يتمثلان في؛ أولا، توجّهات حزب العمال المعارض المتهم بمعاداة السامية، وثانيا، خيارات حزب المحافظين الحاكم المتهم هو الآخر بمساهمته في تمدّد مصطلح الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) أي الخوف ومعاداة الإسلام، لكن وعلى عكس ممّا أعلنه زعيم حزب العمال جيرمي كوربين في أكثر من مرة بأن حزبه يلاحق كل من يثبت ضلوعه في اعتناق معاداة السامية، فإن الأمر يختلف تماما لدى قادة حزب المحافظين حيث جاء على لسان رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون بأن “الإسلام أعاد الغرب قرونا إلى الوراء”، بل إن نواب المحافظين ساهموا أيضا في إسقاط مشروع قانون برلماني يهدف إلى وضع مفهوم للإسلاموفوبيا وهو ما يعتبره المسلمون بمثابة التحريض ضدّ وجودهم في بريطانيا.
منذ عام 2016 وحتى اليوم، تتواصل المحاكمات الإعلامية والسياسية لحزب العمال البريطاني المعارض بحجة تمدد معاداة السامية بين صفوفه. ويعتذر زعيم الحزب جيرمي كوربين المرة تلو الأخرى، ويتعهد بملاحقة المصابين بهذا الوباء من الأعضاء والقيادات. فينذرهم أو يعزلهم أو يطردهم، خوفا من نقمة الرأي العام وانقلاب القاعدة الشبابية المكونة لثلثي عدد أعضاء الحزب.
تمدد معاداة السامية في حزب العمال يقابله تمدد لمعاداة الإسلام (الإسلاموفوبيا) في حزب المحافظين الحاكم، ولكن يبدو أن الأمر لا يقلق قادة المحافظين ولا أعضاء الحزب ولا وسائل الإعلام البريطانية. لم نسمع أن تيريزا ماي أو أيا من أسلافها اعتذر عن معاداة المسلمين، حتى أن رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون قال خلال حملة ترشيحه إن الإسلام أعاد الغرب قرونا إلى الوراء.
وتؤكّد دراسة جديدة أجراها المجلس الإسلامي في بريطانيا وقدمها للبرلمان مؤخرا، أن أساليب تناول أخبار المسلمين في وسائل الإعلام البريطانيّة تعزز من الإسلاموفوبيا.
أما الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية فتؤكد أن المسلمين هم ضحايا لأكثر من نصف جرائم الكراهية في البلاد. وهنا نتحدث عن جرائم تتدرج من العنف اللفظي وصولا إلى تخريب الممتلكات والتعنيف الجسدي أو القتل.
مرض الإسلاموفوبيا
البارونة المسلمة، سعيدة وارسي، الرئيسة المشاركة السابقة لحزب المحافظين عام 2018، تقول إن مشكلة الإسلاموفوبيا سممت الحزب. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن أكثرية القادة والأعضاء البارزين في الحزب الحاكم مصابون بهذا العصاب.
ولكن السؤال، هو لماذا لا يتحول عداء المسلمين في حزب المحافظين إلى تهمة تلاحقهم كما تلاحق تهمة معاداة السامية قادة وأعضاء حزب العمال المعارض.
لا يوجد تعريف رسمي دولي للإسلاموفوبيا، على غرار معاداة السامية، يستند إليه نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية في ملاحقة كل فرد أو مؤسسة إعلامية أو سياسية تنشر أو تمارس أو تعلن العداء للمسلمين في الغرب.
ومن دون هذا التعريف ستبقى الاعتداءات على المسلمين مجرد أعمال فردية لا تستحق التوقف عندها ولا تتطلب سن القوانين والتشريعات لردعها ومنعها.
ما يشهده الغرب عموما من صعود لليمين المتطرف يقول بوضوح إن الإسلاموفوبيا لا تخيف الساسة الغربيين. تراهم أحيانا يحذرون من رد الفعل على هذه الظاهرة، ولكننا لم نشاهد زعيما غربيا واحدا يعتذر عن تمدد الإسلاموفوبيا في صفوف حزبه، كما اعتذر كوربين عدة مرات بسبب وجود معادين للسامية في حزبه.
البرلمان البريطاني فشل مؤخرا في إقرار تعريف للإسلاموفوبيا جاءت به مجموعة من النواب بعد تزايد المطالبة بإطار عام يوضح محددات وتجليات هذه الظاهرة. النواب أرادوا تعريف الظاهرة كي لا تبقى عرضة للتأويل والاستغلال لصالح المسلمين أو ضدهم، و لكن مشروع التعريف لم يحصل على الأغلبية الكافية في البرلمان، وقبل ذلك رُفض من الحكومة والشرطة البريطانية لأسباب هي ذاتها محط نقد وتساؤل.
مسؤولية المسلمين
إن حجة حكومة المحافظين في رفض تعريف البرلمانيين، هي أنه يحد من حرية التعبير والاعتقاد. ولكن المفارقة أن هذه الحكومة التي رفضت تعريف الإسلاموفوبيا، تبنّت منذ عام 2016 تعريف معاداة السامية الذي حدده المجمع الدولي لذكرى المحرقة. هذا التعريف الذي يجرم من ينتقد إسرائيل، ويلاحق كل من يخطر له التشكيك في إحدى محطات تاريخ اليهود منذ بداياتهم وحتى اليوم.
بالنسبة للشرطة البريطانية فإن تعريف الإسلاموفوبيا يحد من قدرتها على ملاحقة الإرهابيين بين المسلمين. وهذا يعني أن كل مسلم في البلاد إرهابي حتى يثبت العكس، وهذا يعني أيضا أنك قد تكون أنت المذنب في جريمة كراهية وقعت عليك، فأنت مشروع إرهابي ويحق لأي بريطاني أبيض أن يخشاك وأن يدافع عن نفسه ضدك، بالقول أو بالفعل أو بكليهما إذا استدعت الحاجة (الخوف).
ربما يلخص هذا تخوف الغرب عموما من تعريف معاداة المسلمين، ولكن أين يقف المسلمون من تعريف الإسلاموفوبيا؟
من سهر على تعريف معاداة السامية هم اليهود. التفوا على قلب رجل واحد وصنعوا من اضطهادهم في الغرب أيام النازية، تهمة تلاحق كل من ينتقدهم أو يحاول المساس بهم. أما في الإسلاموفوبيا فهناك من المسلمين من لا يريد تعريف الظاهرة، ويريد أن يبقي المصطلح مائعا ولا حدود له، لكي تبقى الإسلاموفوبيا شماعة لرفض أي تشريع أو قانون لدمج المسلمين في المجتمعات الغربية.
قائمة الرافضين لتعريف الإسلاموفوبيا بين المسلمين في الغرب طويلة، وعلى رأسها يأتي الذكور الذين يرون في دعوات تحرر المرأة معاداة للمسلمين. وجماعات الإسلام السياسي التي تستغل الإسلاموفوبيا للسيطرة على عامة المسلمين، وتحريضهم ضد الغرب “الكافر” و”المنحل”. فتبقيهم خارج أي محاولة للاندماج وتحوّل بعضهم إلى مشاريع إرهابيين يبثون الخراب والموت في العالم.
باختصار شديد، وضع تعريف دولي للإسلاموفوبيا يقع على عاتق المسلمين قبل أي طرف كان. والتأخير في وضع هذا التعريف ينطوي على خطورة كبيرة، فالإسلاموفوبيا تكبر على وقع الإرهاب، و اضطرار الغرب إلى تعريفها لاحقا استنادا لهذا الدافع فقط، سيجعل منها عصابا يلاحق المسلمين ولا يغير من ثقافة العداء للإسلام.