دعم منتخب الجزائر لمطالب التغيير يحرج السلطة
تتويج المنتخب الجزائري بالكأس الأفريقية استتثنائي يتزامن مع فترة انتقالية تمرّ بها الجزائر أعقاب استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ويحيي آمال الجزائريين في تحقيق انتصارات سياسية موازية بفرض مطالب الحراك الشعبي بتغيير النظام الحاكم بشكل كامل.
تزامنت تتويجات الجزائر بالكأس الأفريقية لكرة القدم بالظروف الاستثنائية السياسية في البلاد، ففي تسعينات القرن الماضي حين حظيت بأول لقب أفريقي، كانت تعيش الجزائر تجربة الانفتاح السياسي والديمقراطي التي صاحبتها مخاوف الانزلاق، وتتويج الجمعة يتزامن مع وضع مشابه مع انتفاضة الشارع ضد السلطة من أجل التغيير الجذري في البلاد.
وساد جدل كبير قبيل لعب المنتخب الجزائري مباراة نهائي الكأس الأفريقية، على خلفية التساؤل حول من يمثل الدولة في المنصة الشرفية، في ظل الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد، لاسيما في ظل الرفض الشعبي لرموز الواجهة المدنية لسلطة الأمر الواقع، كرئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نورالدين بدوي.
وفيما دعت بعض الأطراف في الجزائر إلى عدم حضور أي وجه من وجوه السلطة للمحفل الأفريقي، تفاديا لأي استفزاز للجماهير الكبيرة التي انتقلت إلى القاهرة لمناصرة المنتخب والتأثير على معنويات أشبال المدرب جمال بلماضي، فإن أطرافا أخرى أصرت وشنت حملة دعائية على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل عدم تصدير الأزمة إلى خارج الحدود، والدعوة إلى تصفية الحسابات الداخلية بعيدا عن أنظار العالم.
وتجلى بشكل واضح الحرج على مسؤولي الدولة في التعامل مع الشعبية المتصاعدة للمنتخب في الأسابيع الأخيرة، وخوفهم من انفلات الأمر من بين أيديهم، حيث خرج، السبت، الآلاف من المشجعين لاستقبال حافلة المنتخب من مطار الجزائر إلى وسط العاصمة، بعد تتويج المنتخب بلقب بطولة كأس أمم أفريقيا عقب فوزه على السنغال 1 / صفر الجمعة في المباراة النهائية.
انتصار المنتخب الجزائري، انتصار استثنائي يرتقي إلى أن يكون انتصارا يكرس حتمية التغيير والانتقال في كل المؤسسات ومفاصل الدولة
ولأن الانتصار تزامن مع زخم الحراك الشعبي الذي دخل شهره السادس، فإن تعاطف منتخب الجزائر، مع شعبه في إرادة التغيير السلمي للنظام السياسي في البلاد، وفتح صفحة جديدة تتواءم مع طموحات الشباب الجزائري، وجدت سلطة الأمر الواقع نفسها مضطرة للانخراط في المسار بالتجند لتنظيم جسر جوي بين الجزائر والقاهرة.
واتضح ذلك في تصريحات متتالية للمدرب جمال بلماضي، وبعض لاعبيه لوسائل الإعلام الجزائرية والعربية والدولية، حول وقوف المنتخب بجانب شعبه وافتخاره بالطابع السلمي والمتحضر للحراك الشعبي، وهو ما يكون قد أزعج ضمنيا القائمين على شؤون سلطة الأمر الواقع بعدما تأكدوا من افتقاد حليف ناجع لامتصاص الغضب الشعبي.
وقال اللاعب المخضرم عدلان قديورة، في الندوة الصحافية التي سبقت مباراة نهائي الكأس الأفريقية، بأن “المنتخب فخور بشعبه الذي أكد للعالم سلميته وتحضره خلال المسيرات التي أذهلت الجميع، وأن المنتخب عازم على تحقيق طموحاته وفرحته ويساعده على تحقيق أهدافه”.
وبدوره ذهب المدرب جمال بلماضي، في أكثر من تصريح، إلى “فخره واعتزازه بالشعب الجزائري وبالحراك الشعبي، وبالعمل على بذل الجهد والعطاء من أجل صناعة الفرحة لهؤلاء.. سنقاتل وسنفوز من أجل إسعاد شعبنا”، وهي رسالة واضحة على تعاطف رأس المنتخب ولاعبيه مع شعبهم، مما صنع حليفا قويا للشارع في معركة التغيير ضد السلطة”.
واتضحت الصورة بشكل كبير في التسجيلات التي بثها لاعبون من المنتخب في حساباتهم الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، يرددون فيها جماعيا أغاني الحراك الشعبي، خاصة أغنية “ليبرتي” (الحرية)، في رسالة قوية لانخراط صناع نصر الجزائر بالقاهرة في زخم مشروع التغيير السياسي في البلاد.
وإذ دأب المنتخب على اختزال اختلافات الجزائريين في مناسبات عديدة، رغم مساره المتذبذب خلال السنوات الماضية، ووصفه بـ”الحزب الكبير” الذي يجمع عليه كل الجزائريين باختلاف توجهاتهم وخلفياتهم وتصوراتهم، فإن النسخة الأخيرة من المنتخب، صنعت الاستثناء والتجربة الفريدة في البلاد، انطوت على العديد من الرسائل السياسية المعبر عنها في الشارع، في ما يتعلق بضرورة الانتقال من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال.
وأبان المنتخب الجزائري عن عزيمة وروح وطنية قوية وتضحية كبيرة، تؤكد على أن البلاد في حاجة إلى كل أبنائها خاصة المهمشين والمقصيين ووضع الثقة فيهم، فقد كان بلماضي خيارا ثالثا لمسؤولي الاتحاد لما كانوا بصدد اختيار مدرب المنتخب، وكان العديد من صانعي ملحمة القاهرة مهمشين من طرف المدربين والمسؤولين السابقين، مما يؤكد سوء تدبير شؤون المنتخب طيلة السنوات الماضية، والأمر ينسحب على جميع القطاعات والمؤسسات.
ويوحي انتصارالمنتخب الجزائري أنه بقدر ما صنع فرحة شعبية رياضية كانت ستكون عادية لو كانت البلاد في وضع عادي، إلا أن الطابع الاستثنائي يرتقي به إلى أن يكون انتصارا يكرس حتمية التغيير والانتقال في كل المؤسسات ومفاصل الدولة، لأن التتويج بالكأس الأفريقية أكد على أن البلاد بإمكانها الخروج من المأزق السياسي، متى عادت المأمورية لأبنائها القادرين والمخلصين بعيدا عن الإقصاء والتهميش والاحتكار الأزلي للسلطة.