صندوق النقد يحذر من تباطؤ اقتصاد المغرب
تزايدت المؤشرات والتحذيرات من احتمال تباطؤ نمو الاقتصاد المغربي هذا العام، في وقت تسعى فيه الرباط لصياغة “نموذج تنموي” جديد يحرك نشاط القطاعات الاستراتيجية ويقلص الفوارق الاجتماعية لتعزيز بناء الاقتصاد على أسس مستدامة.
حثّ صندوق النقد الدولي أمس الحكومة المغربية على الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية لتفادي مخاطر محتملة قد تؤثر على مستويات النمو لهذا العام، رغم إشادته بالخطوات المتعلقة بتعويم الدرهم تدريجيا.
وقال الصندوق في بيان أمس، أعقب مشاورات المادة الرابعة مع الرباط، إن “نمو الاقتصاد المغربي يواجه مخاطر محلية وخارجية كبيرة، بالتزامن مع تباطؤ النمو في العام الماضي إلى 3 بالمئة من 4.1 بالمئة في 2017”.
وأوضح أن المخاطر تتمثل في تأخير تنفيذ الإصلاح، وانخفاض النمو في البلدان الشريكة الرئيسية خاصة منطقة اليورو.
وتعد منطقتا اليورو والاتحاد الأوروبي، من أبرز الشركاء الاقتصاديين للمغرب، والذي يتأثر سلبا بأي مخاوف اقتصادية قد تواجهها تلك الاقتصادات.
وأشار الصندوق إلى أن ارتفاع أسعار النفط لن يكون جيدا بالنسبة للمغرب، وهو مستورد كبير للخام، بينما تضغط المخاطر الجيوسياسية على وضعية اقتصاد البلاد والظروف المالية المتقلبة.
لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن آفاق المغرب على المدى المتوسط لا تزال مواتية، “حيث من المتوقع أن يصل النمو إلى 4.5 بالمئة بحلول 2024”.
وتبدو توقعات صندوق النقد حول نمو الاقتصاد المحلي بنسبة 3 بالمئة خلال 2019 متفائلة، بعد أن أكدت بيانات المندوبية السامية للتخطيط في تقرير صدر هذا الأسبوع أن معدل النمو المتوقع هذا العام لن يتعدى 2.7 بالمئة.
وتقول المندوبية، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في المغرب، إن السبب الرئيسي لهذا التراجع يكمن في المردود المتوسط للقطاع الزراعي، بعد نتائج أفضل في الموسمين الماضيين.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية للمندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي قوله إن “النمو الاقتصادي سيظل مرتهنا بدرجة كبيرة بمردودية قطاع الزراعة المتأثر بالتقلبات المناخية رغم الجهود التي بذلت لتقليص ارتباطه بتساقط الأمطار”.
وتساهم الزراعة بأكبر نسبة في إجمالي الناتج الداخلي، أي بحوالي 14 بالمئة، متقدمة على قطاعي السياحة والصناعة، ما يجعل النمو عموما رهينة تقلبات الأحوال الجوية.
وتبنت الرباط في عام 2008 مخطط “المغرب الأخضر” الطموح، بهدف تطوير الزراعة من خلال تحديث وسائل الإنتاج وزيادة مداخيل صغار المزارعين. لكن الحصيلة لا تزال دون المأمول ولم تتمكن بعد من تجاوز تأثير التقلبات المناخية.

وتحاول السلطات المغربية في نفس الوقت تنويع أنشطة الاقتصاد ساعية خصوصا لجذب الاستثمارات الخارجية في القطاع الصناعي.
وتعول في هذا الإطار على عاملي الاستقرار الأمني وموقع البلاد الاستراتيجي، فضلا عن انخفاض تكاليف اليد العاملة والامتيازات الضريبية والجمركية في المناطق الحرة.
وأشار الصندوق إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري، إلى 5.4 بالمئة، من إجمالي الناتج المحلي بسبب ارتفاع واردات الطاقة والسلع الرأسمالية، رغم الأداء القوي للتصدير في قطاعي السيارات والفوسفات.
وأطلق المغرب استراتيجية صناعية للفترة ما بين 2014 و2022 تعول على صناعة السيارات والطيران.
بيد أن المندوبية السامية للتخطيط تقول إن “القطاع الصناعي، الذي يعد قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني لا يزال عاجزا عن رفع حصته في الناتج المحلي الإجمالي رغم الاستثمارات الجديدة في مهن صناعية عالمية مثل السيارات والطيران”.
وينبه تقرير المندوبية إلى أن الاهتمام الذي تحظى به أنشطة هذه المهن العالمية “لا ينبغي أن يكون على حساب النهوض بالقطاعات الأخرى، خاصة الصناعات الغذائية والنسيج، والتي لطالما ساهمت في تعزيز فرص العمل والصادرات”.
ويؤكد الحليمي أن المشكلة تكمن أساسا في ضعف دينامية الأنشطة غير الفلاحية التي لم تستطع تحسين تنافسيتها الضعيفة.
وقال إن “حجم الواردات يرتفع بينما العرض المحلي غير تنافسي، وهذا له تأثير مباشر على التجارة الخارجية يتمثل في العجز المستمر للميزان التجاري”.
وبحسب الأرقام الرسمية لمكتب الصرف، تفاقم هذا العجز بنسبة 8 بالمئة منذ مطلع العام الجاري، أي بما يعادل 204 مليار درهم (نحو 21.3 مليار دولار).
ومع ذلك، يعتقد صندوق النقد أن التحول إلى مرونة أكبر في سعر صرف الدرهم العام الماضي ساعد الاقتصاد المغربي على امتصاص الصدمات الخارجية.
وحث الصندوق الحكومة المغربية على الاستفادة من الفرصة الحالية لمواصلة هذا الإصلاح بطريقة متسلسلة ومتقنة.
وبدأ المغرب في الربع الأول 2018 تنفيذ تعويم تدريجي لسعر صرف عملته المحلية عبر تحويل التحكم في أسعار الصرف إلى العرض والطلب، مع الإبقاء على تدخلات للبنك المركزي عند الحاجة.
وشجّع خبراء الصندوق السلطات المغربية على مواصلة التوحيد المالي للحفاظ على القدرة على تحمل الديون، مع الحفاظ على الأولوية للاستثمار والإنفاق الاجتماعي على المدى المتوسط.
ورحبوا بالتحكم المستمر في الإنفاق العام على الأجور رغم احتجاجات للنقابات العمالية في البلاد ضد نظام إصلاح الأجور الذي تنفذه السلطات.