التغيير المناخي يعكر مزاج السياح ويلزمهم ديارهم

تحتاج السياحة إلى بنية تحتية جيدة من الشوارع والفنادق والخدمات الأخرى، مثل المسابح وملاعب الغولف والنوادي الليلية، لكن مثل هذه المرافق قد تمثل مشكلة مع التغييرات المناخية القادمة إذا لم تعمل البشرية التي تتسبب في ما يقارب التسعين بالمئة من هذه التغييرات على الحد من الانبعاثات لتبقى السياحة ممكنة في السنوات القادمة.

تعتبر المناظر الطبيعية الخلابة من أهم عوامل الجذب السياحي، والتي تدفع المرء السفر والارتحال إلى مناطق بعيدة عن موطنه، مثل الجبال المغطاة بالثلوج أو الغابات المطيرة أو الشعاب المرجانية الملونة، غير أن تغيّر المناخ يشكّل تهديدا كبيرا للمقاصد السياحية حاليا، كما تزداد هذه التهديدات في المستقبل.

الوطن العربي، وخاصة الدول التي تعتمد على السياحة كرافد اقتصادي هام مثل المغرب وتونس ومصر والأردن ولبنان ليست بمعزل عن هذه التأثيرات المناخية التي لا تعرف حدودا جغرافية، وستشمل أيضا الدول الخليجية التي تخطط لتُقحم السياحة قطاعا اقتصاديا بديلا عن النفط.

ويرى الباحثون أن تطور الاحتباس الحراري سيؤدي إلى تزايد حالات الظواهر الجوية الشديدة، والتي لا يقتصر تأثيرها على سبل العيش للكثير من الأشخاص فحسب، بل سيمتد تأثيرها أيضا إلى الوجهات السياحية الشهيرة؛ حيث يمكن أن تتعرض الشواطئ للفيضانات، بالإضافة إلى انتشار حرائق الغابات بكثرة.

جفاف وحرائق

أوضح فولفغانغ جونتر، خبير السياحة المستدامة بمعهد أبحاث السياحة في شمال أوروبا، قائلا، “يزداد تأثير الأحداث الشديدة المتعلقة بالطقس، والتي ترتبط أساسا بتغير المناخ”.

ويظهر تأثير ذلك على الوجهات السياحية الشهيرة في ولاية كاليفورنيا الأميركية، والتي تشتهر باسم “سان شاين ستايت”، حيث أشار باحث المناخ هانز يواكيم شنيلهوبر إلى تزايد ظاهرة الجفاف وحرائق الغابات خلال عام 2018.

وأضاف المدير المؤسس السابق لمعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ قائلا، “على المدى الطويل ستصبح المقاصد السياحية في البحار الجنوبية غير صالحة للسكن، لأن الجزر سوف تغمرها الفيضانات أو تصبح مياهها العذبة مالحة، إذا لم يتم خفض معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بسرعة”. مدينة الأحلام فينيسيا الإيطالية معرّضة أيضا لمثل هذه التهديدات.

الفيضانات تداهم رحلتنا
الفيضانات تداهم رحلتنا

ويقول باحثو علم المحيطات في كاليفورنيا، إن الهبوط بهذا المعدل سيصل لهبوط حوالي 0.8 بعام 2023، لذلك تصنّف فينيسيا ضمن قائمة أهم أماكن سياحية معرضة للاختفاء في السنوات القادمة، بل من المتوقع أن تختفي المدينة جراء فيضانات مدمرة بحلول نهاية القرن الحالي.

وأشار الخبير الألماني إلى أن تأثيرات تغير المناخ لا تتوقف عند المقاصد السياحية البعيدة، بل قد يواجه السياح تزايد الفيضانات في الأنهار والبحار في بلدانهم، كما تمتد فترات الطقس الحار على غير المعتاد، مع هطول الأمطار بغزارة وهبوب العواصف الشديدة وانتشار حرائق الغابات.

وتؤثر ظواهر الطقس السيء على البنية التحتية في الوجهات السياحية الشهيرة مثل الشواطئ ومسارات التجول، فإذا تم تدمير هذه المنشآت بسبب الظواهر الجوية، فإنها ستتكلف أموالا باهظة لإعادة بنائها، فمثلا في منطقة هيليغنهافن تم تجريف الشاطئ بالكامل بسبب العواصف خلال يناير الماضي.

ويتوقع الباحثون بمعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ أن يرتفع مستوى سطح البحر بمقدار واحد متر مع حلول عام 2100، وعندئذ ستهب العواصف في مستوى أعلى، وأضاف فولفغانغ جونتر، أنه على المدى الطويل يتعيّن على المرء أن يسأل نفسه عن مواقع المنشآت والبنية التحتية السياحية، وعن كيفية الحفاظ على هذه المنشآت.

حرارة خطرة

للمناخ آثار على مواردَ بيئيّة عديدة تشكّل أسسا مهمّة لتنمية السياحة، على غرار التنوّع البيولوجي والمناظر الطبيعية ومستوى نوعيّة المياه وكميّتها وظروف الثلوج. وترتبط السياحة في بلدان عربيّة عديدة ارتباطا وثيقا بهذه الأسس الطبيعيّة، ويتأثّر البعض منها تأثّرا شديدا وبطرق مختلفة بتقلّب المناخ وتغيّره.

وتشهد المنطقة العربية ارتفاعا في درجات الحرارة يرافقه تراجع في كمية الأمطار المتساقطة وبالتالي تزايد رقعة الأراضي الجافة والقاحلة وزيادة في عدد الأيام الحارة، مما يجعل المنطقة أكثر ملاءمة لحدوث إعصار استوائي.

طقس متقلب وحالة نفسية متقلبة
طقس متقلب وحالة نفسية متقلبة

ففي تونس ستتجلى التأثيرات المناخية في السياحة، بالأساس، من خلال تقهقر نشاط الفنادق المحاذية للبحر، بقدرة إجمالية تقارب 30 ألف سرير، نتيجة انحسار الشطوط وكذلك البنية التحتية المينائية والسواحل.

ويبرز تشخيص اُنجز على الساحل التونسي أن ما يقرب عن 100 كلم مهددة بالانجراف وهي تتطلب تدخلات. وتُبرز تقارير عدّة توجها نحو ارتفاع في درجة الحرارة يرافقه انخفاض في تساقط الأمطار في معظم البلدان العربية.

ويُتَوقّع في المغرب، على سبيل المثال، أن يتوسع الجزء القاحل في البلد نحو الشمال والشمال الشرقي. وتصنّف هذه تغيرات المناخية وفق خبراء البيئة إلى نوعين، أحدهما مصدره الطبيعة ذاتها، ويمثل ذلك النسبة الأقل وهي 13 بالمئة، بينما يتحمّل الإنسان المسؤولية الأكبر عن تلك التغيرات بنسبة 87 بالمئة.

ويشير تقرير دولي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ صدر أواخر 2017، إلى أن مدينة الإسكندرية بمصر تقع ضمن قائمة المدن المهددة، إذ أفاد التقرير بأن شواطئ الإسكندرية ستغمر حتى مع ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 0.5 متر، في حين سيجري تهجير 8 ملايين شخص بسبب الفيضانات في الإسكندرية ودلتا النيل إذا لم تتخذ إجراءات وقائية.

وتعدّ مدينتا عدن والحديدة باليمن من المدن المهددة بغمر مياه المحيط الهندي لها بسبب ارتفاع منسوب المياه، وهو ما يفرض أيضا ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية. وقد تشهد بلدان عربيّة عديدة، بما فيها تلك التي تعتبر الأكثر اجتذابا للسياح في العالم، انخفاض أعداد السياح، وبالتالي عائدات السياحة.

وتشكّل المملكة العربية السعودية استثناء، إذْ إنّ معظم السّائحين فيها هم من الحجّاج ودافعهم الواجب الدينيّ، لا المواقع السياحيّة. وكانت دول مصر وتونس والمغرب وموريتانيا بدأت تعاونا مشتركا أواخر شهر أكتوبر الماضي، بتمويل من الاتحادين الأفريقي والأوروبي، بهدف المراقبة المشتركة للسواحل بتلك الدول، والاستعداد لمواجهة تلك المشكلة.

تدمير الشعاب المرجانية

ارتفاع درجات حرارة البحار يؤدي إلى تغيرات في النباتات والحيوانات
ارتفاع درجات حرارة البحار يؤدي إلى تغيرات في النباتات والحيوانات

يرى عالم المناخ هانز يواكيم شنيلهوبر أن تدمير الشعاب المرجانية في البحار والمحيطات يعتبر من الأخطار الأخرى لتزايد ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تتعرّض الشعاب المرجانية للخطر في المناطق الحارة والأقاليم المدارية، مثل الحاجز المرجاني قبالة أستراليا؛ حيث تغيّر لون الشعاب المرجانية بطول أكثر من 2300 كلم في عامي 2016 و2017 بسبب ارتفاع درجة الحرارة من جرّاء تغيّر المناخ، بالإضافة إلى موت كميات هائلة من الشعاب المرجانية.

إذا استمر ارتفاع درجات حرارة الماء والهواء بسبب الاحتباس الحراري خلال العقود القادمة، فإنه قد يؤدي إلى العديد من الآثار الخطيرة، ومن ضمن هذه الآثار انتشار الطحالب على الشواطئ، التي تنتشر وتتكاثر بشدة في ظل درجات الحرارة من 22 إلى 25 مئوية.

وأضاف جونتر قائلا، “من الواضح أن ارتفاع درجات حرارة البحار يؤدي إلى تغيرات في النباتات والحيوانات؛ حيث تستفيد قناديل البحر من ذلك، إلى جانب الطحالب، وذلك من خلال وفرة المغذيات”.

وقد لا تكون الطحالب الخضراء مزعجة على الشواطئ الألمانية بنفس القدر، الذي تظهر به على شواطئ البحر الكاريبي في المكسيك، وهو ما حدث مؤخرا حول المنتجعات السياحية في كانكون وتولوم، على الرغم من اعتقاد الباحثين بأن الزيادة الكبيرة في أعداد السياح هي التي تسببت في ظهور المشكلة على الشواطئ المكسيكية.

وقاس باحثون حجم أكبر بقعة للطحالب على مستوى العالم، وقالوا إنها كانت تغطي العام الماضي مساحة أكثر من 8850 كيلومترا من مياه البحر، وتمتد بين سواحل غرب أفريقيا وحتى خليج المكسيك.

وعزا فريق الباحثين، بقيادة شوانمين هو، من جامعة ساوث فلوريدا، هذا التجمع الكبير للطحالب إلى تزايد الجور على الأشجار في غابات الأمازون المدارية، واستخدام الأسمدة.

وحذر الباحثون في دراستهم التي نشرت في مجلة “ساينس” العلمية أوائل هذا الشهر، من أن الازدهار المتواصل لهذه الطحالب البنية، الضارة بالبيئة، ذات الرائحة الكريهة، يمكن أن يصبح هو القاعدة. وتجمعت مؤخرا مساحات متزايدة مما يعرف بالعشب البحري، أو السرجس، عند شواطئ وجهات سياحية محببة في المكسيك وفي مناطق أخرى في البحر الكاريبي.

ولا يقتصر ضرر هذه الأعشاب البحرية على قطاع السياحة وحده، بل تمثل خطرا على النظام البيئي أيضا، وهو ما جعل دولة باربادوس، الجزيرة في بحر الكاريبي، تعلن حالة الطوارئ، بسبب هذه الأعشاب.

سياح المملكة العربية السعودية يشكلون استثناء  من التغييرات لأن دافعهم الواجب الديني لا المواقع السياحيّة

وقال رئيس فريق الباحثين، شونامين هو، إنه “لا بد وأن التركيبة الكيميائية للبحر قد تغيّرت، مما جعل ازدهار هذه الأعشاب يخرج عن السيطرة بهذا الشكل”. وقدّر الباحثون وزن هذه البقعة مجتمعة بأكثر من 20 مليون طن.

وعادة ما تساهم الطحالب البحرية، عندما تكون موزعة بشكل غير منتظم في البحر، على أن يكون البحر بحالة بيئية جيدة، حيث توفر بيئة لعيش الحيوانات البحرية وتوفر لها الأكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي، ولكن عند تراكمها بشكل ملحوظ تمثّل خطرا على بعض الأحياء البحرية، مثل الشعب المرجانية. وعندما تجرف المياه هذه التجمعات الطحلبية إلى الشاطئ، وتتحلل هناك، فإنها تطلق غاز كبريتيد الهيدروجين، برائحة البيض الفاسد.

وأشار الباحثون إلى أن هذه الطحالب تستفيد مما يعرف بظاهرة الطفو، حيث تحصل على غذائها من خلال ارتفاع طبقات المياه العميقة، قبالة سواحل غرب أفريقيا، إضافة إلى العناصر الغذائية التي تحصل عليها في فصليْ الصيف والربيع، مصب نهر الأمازون.

ذوبان الجليد الأبدي

لا تقتصر عواقب تغيّر المناخ على الوجهات السياحية في المناطق الحارة فحسب، بل إنها تمتد أيضا إلى المناطق المغطاة بالثلوج. وأوضح هانز يواكيم شنيلهوبر قائلا “تتأثر المناطق الباردة بتغير المناخ بشدة حاليا؛ حيث يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى ذوبان الجليد في جبال الألب والقطب الشمالي، وهو ما يسميه العلماء ذوبان الجليد الأبدي”.

ومن ضمن النتائج المباشرة للاحتباس الحراري انتظار عشاق الرياضات الشتوية لفترة من الوقت حتى تتراكم كمية كافية من الثلوج، وهناك العديد من منتجعات التزلج بدأت تعتمد على الثلج الاصطناعي. ويرى الخبراء أن النشاط السياحي يزيد من مشكلة الاحتباس الحراري؛ حيث تؤدي رحلات الطيران إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: