هل أطاحت حسابات بريكست بالسفير البريطاني لدى واشنطن
كيم داروتش يقول في خطاب استقالته إنه في ظل الظروف الراهنة يبقى السماح بتعيين سفير جديد هو المسار المسؤول.
عمقت استقالة السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة كيم داروش بعد ضغوط مورست عليه من قبل الرئيس الأميركي، هوة الخلافات بين الحليفين التقليديين والتي تفاقمت مع وصول دونالد ترامب الى السلطة في 2016. وتأتي فضيحة تسريب تقارير دبلوماسية وصف فيها السفير البريطاني الرئيس الأميركي بغير الكفء في وقت تخوض فيه لندن معركة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وتأمل في بناء علاقة تجارية مع أكبر اقتصاديات العالم. ولم يخف الكثير من المراقبين أن يكون أعضاء حزب المحافظين المتنافسون على رئاسة الوزراء وراء تسريب هذه الوثائق الاستخباراتية.
لندن – قدم السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة كيم داروش استقالته الأربعاء بعد الجدل الذي أثير مع الرئيس الأميركي إثر نشر مذكرات دبلوماسية مسربة وجه فيها انتقادات لاذعة إلى دونالد ترامب، فيما تعيش لندن حالة من عدم اليقين في ظل التصريحات المتناقضة لأبرز المتنافسين على منصب رئيس الوزراء والسياسات التي سيعتمدونها للانفصال وما بعد الانفصال.
وكتب السفير البريطاني “منذ تسريب الوثائق الرسمية القادمة من هذه السفارة، أطلقت تكهنات حول منصبي ومدة ولايتي كسفير”، موضحا أن “الوضع الحالي يجعل من المتعذر بالنسبة لي أن أواصل دوري كما أرغب”.
وكان ترامب قد أكد بعد التسريبات أنه لن يجري “أي اتصال” مع السفير كيم داروش. وكتب الدبلوماسي “أعتقد أنه في الظروف الراهنة، المسار الواجب اتباعه هو إفساح المجال أمام تعيين سفير جديد”.
وهاجم ترامب عبر تويتر السفير البريطاني، واصفا إياه بـ”السفير الأحمق الذي فرضته بريطانيا على الولايات المتحدة. وهو شخص لسنا سعيدين به، إنه فتى غبي جدا”.
وعبرت رئيسة الوزراء البريطانية المنتهية ولايتها تيريزا ماي والتي انتقدها ترامب بحدة بعد تأييدها لسفير بلادها، عن أسفها لقرار الدبلوماسي، لكن وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الأوفر حظا للفوز برئاسة حزب المحافظين وخلافة ماي على رأس الحكومة، تجنب التعبير عن دعمه للسفير البريطاني. وقالت خلال جلسة المساءلة الأسبوعية لمجلس العموم “من المؤسف جدا أن يكون رأى أنه من الضروري أن يترك منصبه كسفير في واشنطن”.
وأضافت أنها “حكومة جيدة مرتبطة بقدرة الموظفين الرسميين على إعطاء نصائح صريحة وكاملة، وأريد من كل موظفينا أن تكون لديهم الثقة اللازمة للقيام بذلك”.
وصرح زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن “آسف أنا أيضا لاستقالة كيم داروش”، داعيا البرلمان إلى الوقوف إلى جانبه.
وبدأت الخارجية البريطانية، الأحد، تحقيقا في تسريب المراسلات التي وصف فيها داروتش ترامب بـ”عديم الكفاءة”، وأنه “غير مؤهل”، وتوقع نهاية “مخزية” لولايته، مرجحا إعادة انتخابه رغم ذلك.
وتشكّل هذه التطورات مشكلة جديدة للسياسيين البريطانيين خلال مرحلة مضطربة يتحتم عليهم فيها أن يقرروا كيف ستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر المقبل.
وتبحث السلطات البريطانية عمن يقف وراء التسريب وسط نظريات “مؤامرة” متعددة ومتطايرة هنا وهناك.
وغالبيتها تركز على الصراع على السلطة في بريطانيا بين وزير الخارجية السابق بوريس جونسون ووزير الخارجية الحالي جيريمي هانت.
وتقول إحدى النظريات التي تلقى قبولا إنّ التسريب لم يكن يستهدف داروش بل الشخص الذي سيخلفه في يناير المقبل، في وقت أشار فيه الرئيس الأميركي إلى رئيس حزب بريكست الجديد البريطاني نايجل فاراج. والتقى فاراج ترامب في عدة مناسبات وقد رسّخ موقفه المعادي للاتحاد الأوروبي عبر قيادة حزبه الجديد “نيو بريكست” لتحقيق انتصار في الانتخابات الأوروبية في مايو الماضي.
واعتبر فاراج تسريب مذكرات داروش عملا “غير مسؤول للغاية” لكنّه سعى للتقليل من شأن أي اهتمام محتمل له بشغل منصب سفير بلاده في واشنطن.
وأكّد “أنا لست دبلوماسيا”، لكنّه أضاف أنه “قد يكون مفيدا للغاية” تأسيس علاقة أفضل “مع إدارة لي بها أصدقاء”.
والمرشح الأكبر للمنصب مارك سيدويل يتبنى آراء مؤيدة للاتحاد الأوروبي ويعتبر أقل حماسة لبريكست من جونسون أو بعض أعضاء فريقه.
ويقول أنصار هذه النظرية إنّ الهدف من التسريب ضمان أنّ يختار جونسون، المرشح الأوفر حظا للمنصب، مرشحا آخر ليحل محل داروش، لكنّ التسريب أضر بمكانة بريطانيا الخارجية فيما يتحدث البعض عن مدى استفادة غريم قديم مثل الرئيس فلاديمير بوتين من الأمر. وأبلغ هانت صحيفة ذا صن “بالتأكيد سيكون مقلقا جدا إذا كان التسريب من فعل دولة أجنبية معادية”.
وقال السفير البريطاني السابق في واشنطن كريستوفر ماير، إن ترامب إذا كان يعني أنّ “كل موظفي البيت الأبيض لن يتعاملوا مع داروش بما في ذلك مستشار الأمن القومي، سيكون الأمر أكثر خطورة”.
وأعرب دبلوماسيون بريطانيون عن قلقهم من أنّ يؤدي نشر ما وصفته الحكومة البريطانية بتقييمات داروش “الصريحة وغير المزيّنة” إلى إحجام الدبلوماسيين الآخرين عن إرسال هكذا برقيات صريحة ومماثلة.
وكتب السير بيتر ريكتس المساعد السابق لوزير الخارجية البريطانية في صحيفة الغارديان أنّ “الضرر سيكون في احتمال تردد الدبلوماسيين لاحقا في تقديم آرائهم الصريحة للوزراء”.
وأعرب ريكتس عن قلقه حيال تضرر “سمعة بريطانيا كدولة لا تعرف كيف تحافظ على أسرارها”. واتفق معه هانت الذي قال إنّه “مهم للغاية” أنّ “يواصل السفراء البريطانيون تقديم تقييماتهم الصريحة”.
وتضع الفضيحة المزيد من الضغوط على كاهل جونسون، رئيس الوزراء المفترض، إما للرضوخ أمام ضغط ترامب وإما التمسك بسفير بلاده في واشنطن.
وكتب موقع بوليتيكو الإخباري “بالنسبة لبوريس جونسون، ستعتبر الإطاحة بداروش من منصبه استسلاما مهينا أمام قوة أجنبية متغطرسة”، لكن إظهار الدعم للسفير قد يضر بالعلاقات مع ترامب منذ البداية.
وتزداد أهمية هذا الاختيار بسبب الدور الذي سيلعبه السفير المقبل في التفاوض على اتفاق تجاري جديد مع الولايات المتحدة يمكن أن يخفف من الضرر المحتمل للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. وأثارت هذه القضية مخاوف لدى عديد البريطانيين من تأثر “العلاقة الخاصة” بين لندن وواشنطن.
ويستخدم مصطلح “العلاقة الخاصة” على نطاق أوسع في بريطانيا أكثر من استخدامه في الولايات المتحدة، لكنّ لندن تعتبر حليفا حيويا وموثوقا لواشنطن وقفت بجوارها في حربين عالميتين.
ويعتمد الطرفان على بعضهما البعض في الشؤون الاستخباراتية ويتشاركان في ذات الرؤية الأمنية العالمية التي امتدت لعقود والتي من المؤكد تقريبا أنها ستستمر لسنين قادمة.
وقال المتحدث باسم الحكومة البريطانية الاثنين إنّ “المملكة المتّحدة لها علاقة خاصة ودائمة مع الولايات المتحدة، تستند إلى تاريخنا الطويل والتزامنا بالقيم المشتركة، وستظل الحال كذلك”.
وكتب الدبلوماسي الكبير السابق ريكتس أنّ “العلاقة مع واشنطن تستند إلى مصالح مشتركة قوية وعميقة”، وأكّد أنّ “هذه العلاقات لن تغيرها التسريبات”.